العودة المقلقة لفيديوهات "ما آكله في اليوم"

منذ 1 سنة 155

لطالما كان الطعام من أقل المواضيع المثيرة للاهتمام التي يمكن النشر عنها على وسائل التواصل الاجتماعي. لماذا قد يهتم أحدهم بما تناولته على الإفطار، أو بنوع الحليب الذي تضيفه إلى قهوتك؟ هل ما زال أحد ينشر عن الخبز المحمص مع الأفوكادو؟ وهل يولي أي شخص أي اهتمام حقاً لتفاصيل حياتنا على الإنترنت؟

حسناً، اتضح أن هناك من يفعلون ذلك، وأنهم كثر. أعرفكم إلى مقاطع فيديو "ما آكله في اليوم"، وهي نوع من المحتوى يشغل أكثر الزوايا المزدحمة في عالم الإنترنت. على "تيك توك" وحده، حصل وسم "ما آكله في اليوم" whatieatinaday# على أكثر من 17.6 مليار مشاهدة. كما يرد الوسم في أكثر من 980 ألف منشور على إنستغرام و222 ألف مقطع فيديو على "يوتيوب".

الفكرة هي ببساطة العنوان، فينشر أشخاص مقاطع فيديو توضح بالتفصيل عاداتهم الغذائية اليومية، بدءاً من القهوة الصباحية المعدة بحليب الشوفان وإضافة مسحوق الماتشا ووصولاً إلى قطعة الشوكولاتة الخاصة الخالية من مشتقات الحليب والسكر. في حال لم تخمنوا بعد، فإن النبرة الغالبة على مقاطع الفيديو هذه هي متعجرفة، فلماذا قد يشارك المرء ما يأكله في اليوم إذا لم يكن صحياً بدرجة غير معقولة؟ من المؤكد أن الهدف هو التباهي بمدى "صحتك"؟ وبالتالي إلى أي مدى يمكن أن يكون متابعوك بصحة جيدة أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل أعوام عدة، وجدت نفسي عالقة في هذا النفق المظلم. في المرحلة الجامعية، أصبحت مهووسة بصناع المحتوى على "يوتيوب". أتحدث عن الناشرين الأصليين من أمثال تانيا بار وزوي ساغ اللتين لا تجرؤ أي منهما الآن على عرض ما تأكله في اليوم. لكن في ذلك الوقت، كان الأمر جزءاً من أنك شخصية على الإنترنت. كنت أضيع ساعات في مشاهدة روتينهم، محاولة إيجاد طرق لمحاكاتهم في حياتي.

حدث ذلك عندما كانت حمى "الأكل النظيف" CleanEating# في ذروتها، لما كان الجميع مهووسين برش بذور الشيا على طعامهم، أو التظاهر بأن تناول مكمل سبيرولينا الغذائي كان مستساغاً. ثم حدث رد فعل عنيف مهم عندما تحدث الأطباء عن أخطار الأورثوركسيا العصبية (هوس الغذاء الصحي). توقف صانعو المحتوى على "يوتيوب" بهدوء عن مشاركة روتينهم الغذائي. لفترة من الزمن في الاقل.

ولهذا السبب أنا مندهشة جداً من أن مقاطع الفيديو هذه تلقى رواجاً شديداً مرة أخرى عام 2023. على "تيك توك"، غالباً ما تحتوي المقاطع على صور "سيلفي" ملتقطة في المرآة تستعرض جسد المستخدم، بخاصة عندما يكون في مجال مؤثري اللياقة البدنية. وهكذا، فإنها تكرس فكرة "كلوا مثلي وستبدون مثلي". إنها بالكاد رسالة ترويجية صحية توجه إلى المتابعين الشباب الذين يتأثرون بسهولة والذين، كما تعلمون، قد تكون لديهم بالفعل عادات غذائية مضطربة.

بالتأكيد لم أتعامل مع الطعام بأفضل نهج صحي عندما كنت أشاهد مقاطع الفيديو هذه بهوس شديد قبل أعوام. كما أن مشاهدة الأنظمة الصحية الفائقة لأشخاص آخرين (التي غالباً ما تكون أنظمة خضرية) أدت إلى تفاقم هواجسي. غالباً ما تكون الوجبات صغيرة، وتُرتب الأطباق بدقة كما لو أنها كانت معدة للتصوير وليس الأكل. غالباً ما تكون مقاطع الفيديو الأكثر رواجاً في هذه الفئة هي تلك التي ينشرها العارضون ونجوم اللياقة البدنية، على رغم ظهور موجة من المحاكاة الساخرة خلال الأشهر الأخيرة على "تيك توك" التي يظهر فيها كثير من الجبن والمعكرونة والبيتزا.

مقاطع الفيديو هذه مملة بشكل لا يصدق، لكنها تشير أيضاً إلى شيء أكثر قتامة يمكن التغافل عنه بسهولة إذا كنت مشغولاً جداً بالتركيز على كمية الملل في الأمر برمته

على كل حال، ما هي فائدة رؤية ما يأكله شخص ما؟ تحدث علماء النفس عن الضرر المحتمل لمقاطع الفيديو هذه، إذ أوضح كثر أنها تروج لثقافة الحميات الغذائية وتشجع الناس على الشعور بالخجل مما يأكلون والقلق حيال طعامهم. حتى إذا كان الطعام غير صحي بشكل متعمد، كما هي الحال في مقاطع الفيديو الساخرة، فإن النهج لا يزال غير مناسب تماماً لتعزيز نظام غذائي متوازن.

لكن بصرف النظر عن هذا، أليس الأمر برمته مملاً قليلاً؟ مع ذلك، يبدو أن الأمور المملة هي الصرعة الجديدة، وكذلك المبرر الحالي لوجود وسائل التواصل الاجتماعي. في وقت سابق من هذا الأسبوع، أشارت مقالة نشرتها صحيفة "ذا غارديان" وتمت مشاركتها على نطاق واسع إلى ظهور "المؤثرات المملات"، أو النساء الشابات اللواتي يبنين حياتهن المهنية على أساس مشاركة أكثر التفاصيل الدنيوية في حياتهن. تشير المقالة إلى أشخاص مثل مولي ماي هيغ، نجمة برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب" Love Island والمؤثرة ماتيلدا دجيرف، وتشتهر كلتاهما بمشاركة كل جزء من روتينهما اليومي على الإنترنت. بطبيعة الحال، يلعب ما تأكلانه دوراً فاعلاً جداً في ما تنشرانه.

لكن هل هناك أبعاد أعمق لما يحدث هنا؟ نعم، يبدو أن مقاطع الفيديو هذه مملة بشكل لا يصدق، لكنها تشير أيضاً إلى شيء أكثر قتامة يمكن التغافل عنه بسهولة إذا كنت مشغولاً جداً بالتركيز على كمية الممل في الأمر برمته. من خلال إظهار خصوصيات وعموميات ما يأكله شخص ما وما يفعله وما يرتديه، فإن مقاطع الفيديو هذه تروج لنمط حياة معين ربما لا يكون في متناول معظم الناس نظراً إلى حجم الأموال التي يكسبها هؤلاء المؤثرون.

الأكثر من ذلك هو أنه عندما يتعلق الأمر بإظهار جسد شخص ما ونظامه الغذائي، أليست هذه مجرد طريقة أخرى لتعزيز العار الموجه إلى الطريقة التي يعيش بها الآخرون؟ أليست الفكرة بأكملها متجذرة في التفوق؟ تعتمد مهن هؤلاء الأشخاص على بيعنا أسلوب حياة طموحاً، وبالتالي فإن الرسالة الأساسية هي بالتأكيد: "هذه هي الطريقة ’الصحيحة‘ للعيش، وإذا كنت تفعل أي شيء آخر، فأنت تعيش بالطريقة ’الخاطئة‘". عندما تفكر في هشاشة علاقاتنا مع الطعام وأجسادنا، فليس من الصعب أن ترى كيف يمكن أن يكون هذا منحدراً خطراً للغاية.

الآن، وأنا أقترب من سن الثلاثين، أشعر كما لو أنني أمتلك الثقة الكافية بالنفس لعدم الانزلاق على هذا المنحدر. أصبحت علاقتي بالطعام صحية أكثر – ببساطة لم يعد الطعام شيئاً أفكر فيه كثيراً بعد الآن – وأستطيع إيقاف الضوضاء على الفور. ومع هذا، فالحال ليست كذلك بالنسبة إلى عدد من الأشخاص الآخرين الذين قد يكتشف بعضهم هذا النوع من المحتوى للمرة الأولى. وعلى رغم أنني أستطيع تفهم لماذا قد يكون من المريح الدخول في الملل اليومي لشخص آخر، لا سيما إذا كان يومك سيئاً إلى حد ما، فإن نصيحتي هي أن تفعل ذلك بحذر وتتذكر أن كثيراً من البهارات تضاف إلى كل ما تراه عبر الإنترنت، سواء كان خالياً من الغلوتين أو لا.