العلاج الجذري لفتن العنصريين

منذ 1 سنة 438

حرق وتمزيق المصحف الشريف على يد بضعة متعصبين في هولندا والسويد، أثار غضب المسلمين وربما غيرهم أيضاً.
هذا موضوع مثير للمشاعر بطبعه. وقراءته من أي زاوية سوى التنديد الصريح، ستكون – على الأرجح – مثار ارتياب أو غضب، يحركه البعد العاطفي للموضوع. مع علمي بهذا، فإني أجد لزاماً علينا أن نتوقف للتأمل في جوانب المسألة، التي ربما لم يلتفت إليها بعضنا، أو لعله لم يعتبرها ذات قيمة حين طُرحت.
على سطح الحدث حجتان واضحتان: يقول المسلمون إن حرق المصحف مهين لمشاعر المسلمين، وهو بمثابة العدوان الشخصي على كل فرد، في حين يقول الطرف الآخر (الهولندي والسويدي) إن هذا الفعل يصنف في إطار ممارسة الحق الشخصي في التعبير الحر عن الرأي، وهو لا يخرق قانوناً معلناً، رغم أن كثيراً من الناس – وفيهم بعض قادة الدولة طبعاً – قد نددوا به.
ولا بد أنهم يخشون من اختلالات أمنية ربما تترتب عليه، نظير ما حصل في فرنسا بعد نشر رسوم مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في 2006.
بعبارة أخرى، فإن حجة المسلمين تقوم على دليل معياري، فحواه أن إهانة المقدسات ضرر يبرر تقييد الحرية. ويقر الطرف الآخر بهذه الحجة، لكنه لا يراها قوية بما يكفي لوضع قانون استباقي يجرم المحاولات المماثلة.
بيان ذلك: أن تمزيق المصحف أو أي كتاب مقدس، على النحو الذي جرى في الأسبوع الماضي، ليس حادثاً يقع باستمرار أو بشكل واحد، ولا هو ممارسة يقوم بها كثير من الناس. إنه أقرب إلى مبادرات فردية نادرة، غرضها على وجه الخصوص، هو تحريك المشاعر المضادة عند المهاجرين، ثم صنع زوبعة إعلامية، تخدم أغراضاً سياسية للشخص أو الجماعة التي قامت بالفعل. ومن هنا فإنها لا تعالَج بإصدار المزيد من القوانين، التي ستؤدي – شئنا أم أبينا – إلى توسيع القيود، بل بالمبادرات السياسية والثقافية.
المبادرات السياسية تتضمن التزام كافة أطراف المشهد السياسي وجمعيات المجتمع المدني، بإدانة هذا الفعل، والتنديد باستخدام المقدسات في الصراع السياسي والانتخابي. أما المبادرات الثقافية فتتضمن تعزيز اندماج المهاجرين (وخاصة المسلمين) في النظام الاجتماعي، والتزامهم بالمشاركة القوية في الانتخابات العامة، كي يكون لهم صوت مؤثر ينتفع به الصديق ويخشاه العدو.
إن تجربة المهاجرين الآسيويين والأفارقة في بريطانيا، جديرة بالتأمل. نعلم أن رئيس الحكومة الحالي ينتمي إلى عائلة هندية. وخلال السنوات العشر الماضية، تولى مهاجرون عديدون مناصب سياسية، وبينهم نسبة بارزة من المسلمين. ولم يكن هذا ممكناً لولا الاندماج المتزايد للمهاجرين في النظام الاجتماعي - السياسي للمملكة المتحدة.
يمكن بالتأكيد تكرار هذه التجربة في السويد وهولندا. وقد حدث بالفعل في وقت سابق، حين تولى وزارتي العدل والعمل في هولندا سياسيان مسلمان، كما تولت سيدة مسلمة وزارة التعليم في السويد، فضلاً عن مناصب أخرى.
زبدة القول أن حرق المصحف أو تمزيقه، فتنة أريد بها تأجيج الصراع بين المهاجرين المسلمين والمجتمعات التي تستضيفهم. وهو صراع يستثمره بأكمله تقريباً التيار العنصري المعادي للمهاجرين.
فإذا انزلق المسلمون في نزاع عنيف فسيخدمون أهداف هذا التيار، لكن لو أرادوا اجتثاث هذه الفتنة وقتلها إلى الأبد، فإن الطريق هو الاندماج السياسي والاجتماعي، وتكوين كتلة سياسية مؤثرة في الحياة العامة. عندئذ سوف يسعى كل طرف للتقرب منهم والدفاع عن مطالبهم. لن يستفيد المسلمون من اعتزال المجتمع الأوروبي، ومن يدعوهم إلى هذا، فإنما يدفعهم إلى الزوال والفناء. تجربة بريطانيا جديرة بالتأمل والاحتذاء، والسعيد من اتعظ بتجارب غيره.