أواخر القرن الخامس عشر كان أشهر المستكشفين في التاريخ، كريستوفر كولومبس، في الطريق إلى الهند في أسطول من ثلاث سفن. أراد أن يعود منها بثروة من البهارات والتوابل، لكنه بلغ بدلاً منها أرضاً مجهولة سوف تُعرف بـ«العالم الجديد»، أو أميركا، أو الولايات المتحدة. أما العالم القديم فكان، حكماً، أوروبا التي جاء منها.
غير أن ثمة عالماً لا يقل قدماً، بحث عنه مستكشفون آخرون، مثل (الإيطالي أيضاً) ماركو بولو، الذي كان قد بلغ الصين، وعاش فيها نحو عقدين. تلك هي القارة الآسيوية التي نحن جزء مركزي فيها. وهي أكبر تجمع بشري على وجه الأرض، بمجرد أنها تضم الصين والهند، لكنها تضم أيضاً إندونيسيا، كبرى الدول الإسلامية.
كانت آسيا طوال قرون بلاد التخلف والعبودية وخمول الأفيون، لكنها أصبحت الآن هي العالم الجديد ومعادن الذهب. انقلبت من قارة المجاعات إلى قارة النمو الهائل السرعة والاتساع. وكانت جزيرة هونغ كونغ نموذج الفقر والإدمان والتهريب، فأصبحت أغلى عقار في العالم. واستفاق العملاق الآسيوي في كل مكان، فيما صارت أوروبا تُلقّب بتهكم، بالقارة العجوز. وإذ تشكّل «مجموعة العشرين» الكبار 60 في المائة من سكان العالم؛ فإن معظم هؤلاء في آسيا، حيث سجلت دول كبرى مثل الصين واليابان وتايلاند وكوريا الجنوبية تقدماً لا يُصدّق، وكذلك مجموعة متوسطة مثل هونغ كونغ وسنغافورة.
من قمّة «العشرين» في جزيرة بالي انطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في هذه الجولة من تطوير الشراكة مع الأصدقاء الآسيويين. والجديد الطيب في هذه الشراكة أنها بين فريقين متكافئين. والسعودية الغنية بالفرص تجد في الشريك الآسيوي مستثمراً كفؤاً في حقل الطاقة وفروعه، ليس مجرد شريك آخر، لم يعد «العالم الجديد» الأميركي، أو العالم القديم الأوروبي، هو الشريك الاقتصادي الوحيد لعملاق النفط السعودي. ويستكمل ولي العهد في هذه العلاقة الخاصة ما بدأه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2017 في جولته الآسيوية الكبرى، والابن على خطى الأب في دعم آفاق الصداقات الدولية واستقلالية القرار السعودي. وأول عناصر هذه الاستقلالية متانة الاقتصاد. وكجزء من النيات الطيبة، كانت المملكة قد خصصت آسيا بحيازة 5 في المائة من أسهم «أرامكو».
من بالي إلى بانكوك مروراً بسيول، آفاق عالم جديد أمام شركاء وأبناء القارة الآسيوية. رسالة الأب وحلم الابن.