الطريق الصحيحة لحفظ القرآن ومراجعته

منذ 10 أشهر 140

الإجابة:

لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ

فمما لا شك فيه أن القرآن العظيم، هو كتاب الدعوة الإسلامية، ودستورها، ووسيلتها كذلك للهداية والجهاد؛ قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [النمل: 91، 92].

 وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد به الكفار؛ فقال سبحانه وتعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]؛ ففي القرآن الكريم وحده الغناء في جهاد الأرواح والعقول، وفيه ما يأخذ على النفوس أقطارها، وعلى المشاعر طرقها، وفيه ما يزلزل القلوب الجاسية ويهزها هزًا، لا تبقى معه على قرار.

 وما شرع القتال بعد ذلك إلا لحماية المؤمنين من الفتنة، وضمان حرية الدعوة بهذا القرآن، والقيام على تنفيذ الشرائع بقوة السلطان.

أما الدعوة ذاتها فحسبها كتابها المعجز، إنما هي تلاوة القرآن، وتركه يعمل عمله في النفوس، وفق منهجه الدقيق العميق، الذي يخاطب الفطرة في أعماقها، وفق ناموسها المتسق مع منهج القرآن.

أما الطريقة المثلى الصحيحة لحفظ القرآن الكريم، فلابد أن يكون على يد شيخ متمكن من أحكام التجويد ومخارج الحروف، فالقرآن الكريم يحفظ ويؤخذ من أفواه الرجال العدول؛ كما قال بعض أهل العلم: لا تأخذ القرآن من مُصحفي، ولا تأخذ الحديث من صُحُفي، والمُصحفي هو الذي يقرأ القرآن من المصحف الكريم، ولم يتتلمذ على أيدي القراء المتقنين، أو الالتحاق بحلقات القُرآن في المساجد، أو معاهد القرآن.

وأيضًا من أعظم ما يعين على حفظ القرآن الكريم، معرفة فضل حفظ القرآن الكريم وتلاوته، وأنه عبادةٌ عظيمة؛ ومن ثمّ أمر اللهُ تعالى رسولَه مُحَمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم – بها؛ كما قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت: 45]، وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف: 27]، ولقول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((اقرأوا القُرآن، فإنَّه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة))؛ أخرجه مسلم.

وروى الترمذي وغيره أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "مَنْ قرأَ حَرْفًا مِنْ كِتاب اللَّه فَلَهُ به حسنةٌ، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمثالِها، لا أقولُ ألم حَرْف، ولكنْ ألف حرفٌ ولام حرفٌ وميم حرف".

ورَوَى أحْمَدُ وأبو داودَ والتِّرمذي عن عبدالله بن عَمْرٍو - رضي الله عنْهُما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "يُقالُ لقارِئِ القُرآن: اقْرأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنْتَ تُرَتِّل في الدنيا؛ فإنَّ منزِلَتَكَ عند آخِر آيةٍ تقرؤُها"؛ وصححه الألباني.

والمقصودُ بقارئ القُرآن في الحديث: هو الذي كان يتلوهُ في الدُّنيا حقَّ تِلاوتِه ويتدبَّر في معانيه، ويعمل بأحكامه: فيأتَمِرُ بأوامِرِه ويزدَجِرُ عن نواهيه، فهذا قارئُ القرآن الذي يقرؤُه رغبةً فيه.

جاء في "المفهم" لأبي العباس القرطبي (2/ 420): "وصاحب القرآن: هو الحافظ له، المشتغل به، الملازم لتلاوته، ولفظ الصحبة مستعمل في أصل اللغة على إلف الشيء وملازمته، ومنه: أصحاب الجنة، وأصحاب النار، وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -". اهـ.

قال الإمامُ النَّوويُّ - رحِمه الله – في كتابه "الأذكار"(ص: 195، 205): "اعْلَمْ أنَّ تِلاوَةَ القُرآن هي أفضَلُ الأذْكار، والمطلوبُ القِراءة بِالتَّدبُّر ….. ينبَغِي لِلقارئ أن يَكونَ شأنُه الخشوع والتدبُّر والخضوع، فهذا هو المقصودُ المطلوب، وبه تَنْشَرِح الصُّدور وتستنيرُ القُلوب، ودلالَتُه أكثَرُ من أن تُحصَر، وأشهَرُ من أن تُذْكَر، وقَدْ باتَ جَماعةٌ من السَّلف يتلُو الواحِدُ مِنْهُم آيةً واحدةً ليلةً كاملة ومعظم ليلة، يتدبَّرها عند القراءة". اهـ.

كما ينبغي قبل البدء بالحفظ التحلّي بالنّية الصادقة؛ لتحصيل إعانة الله كما قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

الابتعاد عن المعاصي والذنوب والإكثار من الأعمال الصالحة التي يتقرّب بها العبد إلى الله.

قوة العزيمة والهّمة العالية لهما أثر كبير في تسريع الحفظ.

كما عليه البدء بقصار السور، والاستماع إلى السورة المُراد حِفظها من كبار القراء، يُساعد في الحِفظ للتّلاوة بشكل صحيح ، مع اختيار المكان المُناسب، ووقت صفاء الذهن ؛كبعد الفجر أو بعد العشاء.

أما مراجعة القرآن العظيم والمحافظة على ما تم حفظه، فيكون بتعاهده، وذلك بملازمة تلاوته؛ وهو ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كراهة نسيانه، ففي الصحيح: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت"؛ رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر.

فحفظ القرآن إنما يثبت بتكرار قراءته، والصلاة به ليلاً ونهارًا؛ كما في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل، والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه".

وفي الصحيح عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها".

هذا؛ ومن أهم ما يعين على حفظ القرآن، تَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَالصَّبْرِ وَالمثَابَرَةِ، وَنَبْذِ الْكَسَلِ، وَالتَّهَاوُنِ، والْعَزْمِ الصَّادِقِ لِتَحْصِيلِ الْهَدَفِ المحَدَّدِ؛ وَهُوَ إتْقَانُ كِتَاب، والمحافَظَةُ عَلَى الأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ، اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ، والْإِكْثَارُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، وَالْبُعْدُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى، وَالْحَذَرُ مِن تَضْيِيعِ الْوَقْتِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ مِنْهَا، وَالِاسْتِعَاذَةُ الدَّائِمَةُ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ؛ فَالْمُتَكَاسِلُ مُضَيِّعٌ لِوَقْتِهِ، يَخْسَرُ كُلَّ شَيْءٍ، بَلْ يَخْسَرُ حَيَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ هُوَ الْحَيَاةُ، مع الاستعانة بالله تعالى، وصدق اللجوء إليه سبحانه،، والله وأعلم.