دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أظهرت أدلة جديدة من أحد أكبر المسوحات الكونية التي أُجريت حتى الآن، أنّ الطاقة المظلمة الغامضة قد تتطوّر بطرق قد تغيّر كيفية فهم الفلكيّين للكون.
يستخدم العلماء مصطلح الطاقة المظلمة لوصف طاقة أو قوة تسرّع من تمدّد الكون.
وذكر مصطفى إشاك-بوشاكي، وهو أستاذ الفيزياء والفلك في جامعة تكساس بمدينة دالاس الأمريكية والرئيس المشارك لمجموعة العمل الخاصة بالتعاون مع أداة الطيف للطاقة المظلمة (DESI) أنه رغم أنّها تُمثّل 70% من طاقة الكون، إلا أن الباحثين لا يعرفون تحديدًا ماهية الطاقة المظلمة.
دخلت أداة الطيف للطاقة المظلمة عامها الرابع في مسح الكون، حيث تتمتًع بقدرة على مراقبة ضوء 5000 مجرة في وقت واحد. وعند الانتهاء من المشروع العام المقبل، ستكون قد قيّمت ضوء حوالي 50 مليون مجرة.
يُشارك في هذا التعاون أكثر من 900 باحث، وقد نُشرت أحدث بيانات بالسنوات الثلاث الأولى من ملاحظات DESI، بتاريخ 19 مارس/ آذار.
بين هذه النتائج التي توصلوا إليها، قياسات لقرابة 15 مليون مجرة وكوازار، وهي بعض من ألمع الأجرام السماوية في الكون.
وساعد إشاك-بوشاكي في قيادة تحليل بيانات DESI الأخيرة، التي أشارت إلى أنّ الطاقة المظلمة، وقد أطلق عليها العلماء مصطلح "ثابتة كونية" لاعتقاد الفلكيين بأنّها ثابتة، تتصرّف بطرق غير متوقعة، وقد تشهد تراجعًا بمرور الوقت.
صرّح ديفيد وينبرغ، وهو أستاذ الفلك في جامعة ولاية أوهايو، الذي ساهم بتحليل بيانات DESI، أن "اكتشاف الطاقة المظلمة، قبل حوالي 30 عامًا، كان أكبر مفاجأة في حياتي العلمية". مضيفًا أن "هذه القياسات الجديدة تقدم أقوى دليل حتى الآن على أن الطاقة المظلمة تتطوّر، وهذا تغيير مذهل آخر في فهمنا لكيفية عمل الكون".
تجلب هذه النتائج الفلكيين خطوة إضافية نحو كشف الطبيعة الغامضة للطاقة المظلمة، وهو ما قد يعني أن النموذج القياسي لفهم كيفية عمل الكون قد يحتاج أيضًا إلى تحديث بحسب العلماء.
نظرة عميقة إلى الكون
تنتصب أداة الطيف للطاقة المظلمة (DESI) على قمة تلسكوب نيكولاس يو. مايال ذات الأربعة أمتار، التابع لمؤسسة العلوم الوطنية، في مرصد كيت بيك الوطني بتوسان، في ولاية أريزونا الأمريكية.
تحتوي هذه الأداة على 5000 "عين" من الألياف البصرية، ولديها إمكانات واسعة في المسح، ما يمكّن العلماء من بناء أحد أكبر الخرائط ثلاثية البعد للكون، وتتبّع كيفية تأثير الطاقة المظلمة، وتشكيلها للكون على مدى الـ11 مليار سنة الماضية.

يتطلّب الضوء الصادر عن الأجرام السماوية مثل المجرات، وقتًا للسفر إلى الأرض، ما يعني أنّ أداة الطيف للطاقة المظلمة (DESI) يمكنها بشكل فعّال رؤية شكل الكون في نقاط زمنية مختلفة، بدءًا من مليارات السنين الماضية حتى الحاضر.
وقال جون موستاكاس، وهو أستاذ الفيزياء بكلية سيينا والمشارك في الإشراف على إصدار البيانات: "تعتبر DESI فريدة من نوعها مقارنة بأي آلة أخرى من حيث قدرتها على ملاحظة الأجرام المستقلة في الوقت ذاته".
تشمل النتائج الأحدث بيانات عن أكثر من ضعف الأجرام السماوية التي تم مسحها وعرضها في أقل من عام مضى. وقد أظهرت تلك الاكتشافات الخاصة بعام 2024، لأول مرة دلائل على كيفية تطور الطاقة المظلمة.
أفاد أندريه كوتشو، الباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر لورانس بيركلي الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، والذي يدير DESI، ورئيس مجموعة العمل الخاصة بـ"لايمان ألفا" في DESI، في تصريح له: "نحن في مجال السماح للكون بأن يُخبرنا كيف يعمل، وربما يخبرنا الكون أن الأمور أكثر تعقيدًا مما كنّا نظن"، مضيفًا أنّه "أمر مثير للاهتمام ويزيد من ثقتنا رؤية العديد من خطوط الأدلة المختلفة تذهب في الاتجاه عينه".
الأدلة الكونية المتزايدة
يمكن لأداة الطيف للطاقة المظلمة (DESI) قياس ما يُطلق عليه العلماء الاهتزازات الصوتية الباريونية أو مقياس BAO، وهو ببساطة كيفية ترك الأحداث التي وقعت في المراحل المبكرة من الكون أنماطًا في توزيع المادة عبر الكون.
ينظر الفلكيون إلى مقياس BAO، الذي يتضمن فواصل بين كتل المادة تقدر بحوالي 480 مليون سنة ضوئية، كأداة قياس معيارية.
أوضح بول مارتيني، وهو منسق التحليل وأستاذ الفلك في جامعة ولاية أوهايو أن "مقياس الفصل هذا يشبه المسطرة الضخمة جدًا في الفضاء التي يمكننا استخدامها لقياس المسافات، ونحن نستخدم مزيجًا من هذه المسافات والانزياحات الحمراء (سرعة الأجرام السماوية التي تبتعد عنا) لقياس تمدّد الكون".
يظهر قياس تأثير الطاقة المظلمة عبر تاريخ الكون كيف كانت قوة مهيمنة طوال الوقت.
بدأ الباحثون في ملاحظة أنه عند دمج هذه الملاحظات مع قياسات أخرى للضوء عبر الكون، مثل النجوم المتفجرة، والضوء المتشوّه بفعل الجاذبية من المجرات البعيدة، والضوء المتبقي من فجر الكون المعروف بالخلفية الميكروويفية الكونية، فإن بيانات DESI تُظهر أن تأثير الطاقة المظلمة قد يكون في حالة ضعف مع مرور الزمن.
قال إشاك-بوشاكي لـCNN: "إذا استمر هذا الأمر، فإنّ الطاقة المظلمة في النهاية لن تكون القوة المهيمنة في الكون".
وأضاف: "لذلك سيتوقف تمدّد الكون عن التسارع وسيستمر بمعدل ثابت، أو في بعض النماذج قد يتوقف ويبدأ في الانهيار مجددًا. بالطبع، هذه السيناريوهات بعيدة جدًا وسوف تستغرق مليارات السنوات لتحدث"، موضحًا: "لقد عملت على مسألة التسارع الكوني لمدة 25 عامًا، ومن وجهة نظري، إذا استمرت هذه الأدلة في النمو، ويرجّح أن تستمر، فإن ذلك سيمثل تحولًا هائلًا لعلم الكونيات وكافة فروع الفيزياء".

حل لغز مستمر
لا يوجد حتى الآن دليل كافٍ لإعلان اكتشاف مغيّر للقواعد يمكنه التأكيد بشكل قاطع أنّ الطاقة المظلمة تتطور وتضعف، لكن هذا قد يتغيّر خلال بضع سنوات.
وتساءل مارتيني: "هل سنستمر في رؤية أدلة على تطور الطاقة المظلمة مع تحسن قياساتنا بشكل مستمر"؟
يمكن أن يساعد الإصدار الجديد من البيانات أيضًا الفلكيين في فهم كيفية تطوّر المجرات، والثقوب السوداء، وطبيعة المادة المظلمة.
رغم أنّ المادة المظلمة لم يتم اكتشافها بشكل مباشر بعد، إلا أنه يُعتقد أنها تشكل 85% من إجمالي المادة في الكون.
وأكدّ مايكل ليفي، وهو مدير DESI، والعالِم في مختبر لورانس بيركلي الوطني: "أيًا كانت طبيعة الطاقة المظلمة، فإنها ستشكل مستقبل الكون".