من الصعب أحياناً أن تكوني امرأة، ولنأخذ مثال الضجة التي أثارتها إطلالة ميغ راين الأخيرة خلال عرض الفيلم الوثائقي ستيل (Still) الخاص بمايكل جاي فوكس.
قد تذكرون راين باعتبارها شخصية رئيسة في أفلام الكوميديا العاطفية من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومع أنها ظهرت في أعمال أخرى منذ ذلك الوقت فهي تبقى بعيدة من الأضواء معظم الوقت هذه الأيام، لكن منذ فترة قريبة حضرت عرض فيلم ستيل الوثائقي على سبيل تقديم الدعم لصديقها فوكس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفقاً لصحيفة "دايلي ميل" كان هذا العرض "المرة الأولى التي تخرج فيها راين منذ ستة أشهر"، لكن ليس هذا كل ما قيل عن الموضوع، وقد تعتقدون أن حضورها العرض موضوع ليس ذي أهمية كبرى، إذاً ها قد خرجت راين لحضور حدث دعماً لرفيقها، وهو حضور ثانوي في فعالية بسيطة نسبياً، ومع ذلك تصدرت العناوين.
ما السبب؟ هل أدلت بتصريح فاضح؟ هل كان تعليقاً عميقاً يتعلق بوثائقي فوكس؟ هل تعمل على مشروع جديد ومشوّق؟ لا تتساخفوا فالجواب متوقع جداً ومحبط.
على ما يبدو ظهرت راين التي تبلغ اليوم 61 سنة بشكل "لا يشبهها أبداً" في صور المناسبة، لكن ما تعنيه عبارة "لا تشبه نفسها أبداً" في الحقيقة هو أن إحدى الشخصيات المشهورة والبارزة إما خضعت لعملية تجميل أو ازداد وزنها أو كبرت في السن فقط، وما عاد شكلها مثلما كان عليه منذ 30 سنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا شك في أن راين تبدو مختلفة حتى أنها ربما "أجرت عمليات تجميل"، من يعلم (وهل أتجرأ أن أقولها: من يهمه ذلك؟)، لكن عليّ أن أسأل، أليست المشكلة هي اهتمامنا بمظهرها في المقام الأول؟
إن ملاحقة فكرة الجمال "المثالي" معقدة، فهي تستمد جذورها من عقود (إن لم نقل قروناً) من الاحتكاك الاجتماعي وتوقعات المجتمع واستغلال عدم ثقة النساء بأنفسهن لأغراض الربح التجاري، وما علينا سوى النظر إلى هذا الصعود الصاروخي لقطاع مستحضرات التجميل وقطاع الموضة كما مفهومنا "للجمال" المنتشر على اللوحات الإعلانية كافة، فجميعنا نخضع بدرجة أو بأخرى للرغبة في أن نبدو أصغر سناً وأكثر رشاقة وأجمل، وهذا الأمر ينطبق على الرجال أيضاً.
ربما لا عجب في ارتفاع عدد الأشخاص الذين يحصلون على حقن بوتوكس (قُدر عدد الحقن التي أجريت في بريطانيا سنوياً عام 2021 بـ 900 ألف حقنة).
قد يطرح بعضهم الحجة القائلة بأنكِ لو غيرت شكلكِ فستلفتين النظر إليك، وهذا جزء مما "عليك" أن تتوقعينه، لكن طالما جميعنا "نفعلها" (بدرجات متفاوتة)، فلماذا هذا التركيز الهائل على أشخاص مثل راين؟
هي ليست وحدها في هذا الأمر، كما أنها لا ترتكب أي خطأ ولا يقف الأمر عند ميغ راين.
في الآونة الأخيرة نشرت الصحف الصفراء صور أيقونة هوليودية أخرى من تسعينيات القرن الماضي، إذ التقطت صور لبريدجت فوندا، نجمة أفلام كلاسيكية مثل امرأة بيضاء عزباء (Single White Female) وجاكي براون، وهي تقوم بمهماتها اليومية الاعتيادية، ومرة جديدة أُلصق عنوان "لا تشبه نفسها" بالصور. تقاعدت فوندا من مهنة التمثيل وابتعدت من الأضواء منذ سنوات وما عادت الشابة الثلاثينية الفاتنة نفسها كما نتذكرها وهي تسير على السجاد الأحمر، لكن من الذي يبقى على حاله؟ ألا يختلف مظهركم أبداً عما كنتم عليه منذ 10 سنوات أو 20 سنة؟ أنا مظهري مختلف.
أنا أعترض على هذا التطفل المستمر على المساحة الشخصية للنساء والشعور المريع بأن شخصاً ما يلاحقك ويصورك ويتفحصك من دون إذنك، وهذا يحدث حتى مع غير المشاهير، وانظروا إلى طريقة الكشف عن التفاصيل الشخصية "للفتاتين اللئيمتين" اللتين ظهرتا في خلفية فيديو انتشر بشكل واسع، ويبدو بأنني لست الوحيدة التي سئمت من هذا الوضع.
شاركت مقدمة البرامج كيرستي آلسوب مقالة تتناول شكل راين "التي لا تشبه نفسها" على "تويتر"، وذيّلته بتعليق "هذا اسمه التقدم في السن أيها الأوغاد عديمي الرحمة، وهذا النوع من المقالات هو الذي يدفع النساء في الفضاء العام إلى التصرف بتطرف، وهذا النوع من الأمور يجعل دمي يغلي".
أنا أؤيد كيرستي في هذا الموضوع ودمي أيضاً يغلي حالياً، ويبدو أنه لا يمكن الاحتفاء بالنساء سوى إن حافظن على شكلهن تماماً ولم تظهر عليهن علامات التقدم في السن، وتنجح اللواتي اسمهن جنيفر في التعامل مع هذا الوهم المستحيل على أفضل نحو ممكن بالنسبة إليهن.
يجب أن يبدو الجلد مثل سطح حلوى توفي ثورنتون، ناعماً لونته أشعة الشمس بسمرة متجانسة حتى في منتصف العمر، ويجب ترويض الشعر الطويل المموج اللامع بلون الكراميل بحيث يظهر أشبه بستارة عسلية براقة أو على شكل أمواج البحر التي تعكس ضوء الشمس الذهبي، على أن يختفي منه أي أثر للون الرمادي.
تبدو النساء اللواتي نحتفي بهن بعد بلوغهن منتصف العمر يافعات وفاتنات بشكل طبيعي تماماً، لكن هذا المظهر الطبيعي يتطلب كثيراً من الجهد ويجب تخصيص قدر كبير من الوقت والمال للحفاظ على بشرتنا الذهبية اللامعة، ذلك المزيج المستحيل من النعومة والملامح المحددة.
ليس من السهل أبداً أن تظهر المرأة مثيرة بكل بساطة وأن يخلو جسدها من السيلوليت وهي ترتدي سروال جينز قصير وسترة بيضاء مذهلة وقرطين فضيين دائريين في منتصف الخمسينيات من عمرها، ولا أن تحافظ على ذلك الوهم المثالي والمحبط لإمكان تحقيق هذا، وتلك هي المسافة المناسبة تماماً بين المستحيل والمعقول.
إن السخرية من نجمات مشهورات لم تنجح فعلياً عمليات التجميل التي أجرونها، أو لم يحافظن على رشاقتهن وعضلاتهن المصقولة من خلال تأدية التمارين الرياضية منذ الفجر مع اتباع حمية غذائية قاسية، تشكل عبرة لغيرهن من النساء.
هذا ما يسمونه فشلاً، وهكذا يجب أن يكوّن أو ألّا يكوّن مظهرك برأيهم، ويجب أن تصبح النساء عينات مجمدة ومحفوظة في الكهرمان، وأن يغيرن مسار التقدم في السن لكي "يبدن مذهلات بالنسبة إلى أعمارهن"، ولا بد من إجراء بعض التعديلات طبعاً.
يا إلهي، ستُجرى كميات كبيرة من التعديلات لكن لا يجب أن يظهر أي دليل على وجود تدخل جراحي تحت أي ظرف من الظروف، ما خلا عملية تجميلية للأنف منذ عقود بعيدة من أجل تصحيح "انحراف حاجز الأنف"، لأن إحدى القواعد المعروفة وغير المكتوبة هي أنه على النساء ألا يعترفن أبداً بإجراء أي نوع من التدخلات الجراحية.
فيما قد تبين الصور الملتقطة قبل عصر الشهرة بأن النساء المشهورات أصبحن مصقولات ولامعات ومشدودات ومذهبات ومتغيرات، فمن يحافظ على وهم الأنوثة المثالية هو هؤلاء النساء المشهورات اللواتي يتظاهرن بأن بشرتهن تخلو من أية تجعيدة بفضل ترطيبها باستخدام زيت الزيتون، أو أن إشراقتهن التي تعمي الأبصار تنبع من سعادتهن لأن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل، ويبعننا وهماً بأن أية واحدة من بيننا قادرة على التألق مثل النجمات على البساط الأحمر إن استخدمت المنتجات الملائمة واتبعت النظام الملائم وتبنّت السلوك الملائم.
نعم تُجري بعض النساء عمليات تجميل باختيارهن، ونعم من المهم الاعتراف بخيار النساء ومسؤوليتهن عن / تواطئهن في الحفاظ على معايير جمال غير واقعية البتة.
لكن كل هذه الجعجعة بسبب صور شخص لا يرقى إلى هذه المعايير، تزيد أيضاً الضغوط على النساء لكي يخضعن لعمليات تجميل وتدخلات جراحية تعطيهن الإحساس بأنهن مقبولات في المجتمع، وتحقق لهن هذا القبول أيضاً.
كما قلت سابقاً، أحياناً من الصعب أن تكوني امرأة.