الصين... هل هي دولة نامية أم دولة ناشئة؟

منذ 2 سنوات 249

فجر نائب فرنسي من حزب الجمهوريين تساؤلاً مزلزلاً عند مناقشة مجلس النواب مشروع القانون المالي لعام 2022 عما إذا كان من الطبيعي أن تستمر الصين في الحصول على دعم مالي من فرنسا، وكأنها واحدة من الدول النامية؟ حيث حصلت في السنة المالية 2020 على مبلغ 140 مليون يورو. صحيح أن هذا المبلغ بسيط مقارنة بإجمالي المساعدات الفرنسية للعالم الثالث 3.9 مليار يورو لعام 2021، ومع ذلك تحتل الصين المرتبة التاسعة بين الدول التي تحصل على الدعم التنموي من فرنسا؟ فالدخل القومي للعملاق الصيني يصنف الصين من بين الدول ذات الاقتصادات المتقدمة أعلى من موقع فرنسا ذاتها؟
وفي الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، طلب في تغريدة له من منظمة التجارة الدولية في 26 يوليو (تموز) 2019 بقوله حين تكون الدول الأكثر ثراءً تؤكد أنها من بين الدول النامية لتفلت من تطبيق قواعد منظمة التجارة الدولية عليها لكي تحظى بمعاملة تفضيلية، يجب أن ينتهي هذا الأمر الآن. وجاء الرد الصيني على تغريدة ترمب بالقول إن تلك التغريدة هي نوع من التكتيك الأميركي الذي سيكون مصيره الفشل، خصوصاً أن المفاوضات التجارية بين البلدين كان مقرراً لها أن تبدأ في شنغهاي في 30 يوليو في العام نفسه.
الصين كدولة نامية تريد عبر تصنيفها هكذا الاستفادة من عدة مزايا، حيث يعني ذلك، وفق قواعد منظمة التجارة الدولية، من ناحية، تخفيض القيود المفروضة على تدفق السلع والخدمات في التجارة الدولية. والاستفادة من إمكان حصولها على قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولهذا حرصت الصين على عدم إضاعة تلك المزايا التي حصلت عليها منذ عام 2001.
السؤال المطروح هنا حول معايير تصنيف «الدول النامية»، هناك اختلاف حول التسمية ذاتها هل مصطلح الدول النامية، أم دول العالم الثالث أم الدول الأقل تقدماً أو الدول الناشئة؟ كما هو واضح التسميات نفسها متعددة. ومعايير التصنيف بينهما متعددة. أحد المعايير يعتمد على معدل الدخل القومي. وعن طريق معدل الدخل القومي يمكن استشراق ومعرفة الدخل الفردي للدولة. وهذا المعيار بذاته لا يمكن الاعتماد عليه، حيث دخل الفرد في دول الخليج النفطية العربية مرتفع جداً كقطر والإمارات، والسعودية، والكويت، وتحتل ضمن أعلى دخل للفرد في العالم. ولكن هذا الدخل في جوهره ناتج عن موارد النفط، وليس عن اقتصاد يعتمد على القطاع الصناعي. وهناك معايير أخرى في تصنيف الدول النامية حول نظامها الصحي، والتعليمي، وحجم التجارة، إلى آخر ذلك.
حين هاجم ترمب الصين في سنة 2019، علق بعض الاقتصاديين على مطلب ترمب، وقالوا إنه كان على حق بعدم اعتبار الصين دولة نامية، لأن حجم ناتجها المحلي حينها كان يحتل المرتبة الثانية على المستوى الدولي، حيث بلغ 14217 مليار دولار، أي بمثابة ثلاثة أضعاف الناتج المحلي لليابان، التي كانت تحتل المرتبة الثالثة على المستوى العالمي، وخمسة أضعاف فرنسا.
والبنك الدولي يعترف أن نحو 40 دولة يمكن تصنيفها بأنها دول الأقل نمواً. ولهذا فقد تخلى البنك الدولي عن تبني معايير التصنيف بين الدول وذلك منذ عام 2016... وبخصوص الخلاف بين الولايات المتحدة والصين، أشارت منظمة التجارة الدولية إلى أن ليس لديها معايير لتصنيف الدول، فهي تعتمد ما تصف به الدول نفسها كدول نامية أو دول متقدمة.
ومن حاول الدفاع عن موقف الصين، أشار إلى الناتج المحلي الصيني، صحيح أنه مرتفع وعالٍ، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار حجم الكثافة السكانية في الصين الأعلى دولياً، ما يجعل نصيب الفرد يصل في عام 2018 وفق البنك الدولي إلى 18 140 دولاراً بعيداً عن نصيب الفرد في دول مجموعة السبعة «G7»، حيث يبلغ نصيب الفرد فيها نحو الضعف والنصف.
وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره، أشار أحد الكتاب الأميركيين جوزيف ناي، الأستاذ في جامعة هارفارد، في مقال له مترجم في هذه الصحيفة، إلى أن الاعتماد المتبادل عميق بين الولايات المتحدة والصين. فقد كان للولايات المتحدة أكثر من نصف تريليون دولار في التجارة مع الصين في عام 2020، مضيفاً أنه في حين تتحدث بعض الأصوات في واشنطن عن «الانفصال»، فمن الحماقة أن نتصور أننا قادرون على فصل اقتصادنا بالكامل عن الصين من دون تكبد التكاليف الباهظة. ولا ينبغي أن نتوقع من بلدان أخرى أن تفعل الشيء نفسه. لأن الصين تعد الآن وفقاً لبعض التقارير أكبر شريك تجاري لعدد من البلدان يفوق عدد بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة.
وأولت الصين اهتماماً خاصاً بتطوير علاقاتها مع دول الجنوب النامي بواسطة مشروعها الاقتصادي، الذي أطلق عليه «حزام واحد، طريق واحد»، واستثمار عشرات المليارات من الدولارات في هذا المشروع.
لا يمكن لأي مراقب تهميش مكانة الصين الدولية، وهي العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، فهي من بين أكبر دول العالم مساحة بعد روسيا، وكندا، والولايات المتحدة. ويبلغ عدد سكانها نحو مليار وأربعمائة مليون نسمة.
ولا شك أن التحدي الأكبر الذي يواجهه الغرب ليس فقط بسبب تلك المعطيات الأخيرة، وإنما بسبب أن الصين، حسب تعبير زعيم الحزب السابق الراحل دينغ زياوبنيغ، في إخفائها قدراتها والوقوف، متأهبة في هدوء، «واليوم تتفاخر الصين بثمار العقود التي قضتها في بناء ذاتها متحدية محاولة الغرب احتواءها تكنولوجياً وعسكرياً، لو بعث ماو زعيمها السابق المؤسس في عام 1949 لن يصدق التقدم السريع الذي أنجزته بلاده من بعده بفضل قوة شخصية قادتها آخرهم الرئيس الحالي شي!