كثيرة هي الاكتشافات للحضارات التي سكنت في بلاد الرافدين، التي أسهمت بنقلة نوعية شهدها تاريخ البشرية، إذ ما زالت صناعات السومريين الذين اتخذوا من جنوب العراق موطناً لهم من أقدم الصناعات في التاريخ البشري، إذ يمتلك السومريون الذين عملوا في مجالات الزراعة والصناعة وغيرها، مهارات عديدة في صناعة المجوهرات والمباني فضلاً عن استكشافاتهم في مجالات الهندسة والطب والكتابة والتقويم وغيرها من الاستكشافات التي شكلت نقلة نوعية في الحضارات القديمة.
أدوات سومرية مستخدمة لهذه اللحظة
وقال الخبير الأثري والمهتم بالتسويق لآثار وحضارة العراق وأماكنه السياحية والتراثية عامر عبدالرزاق، إن منطقة الأهوار "هي عبارة عن بيئة سومرية حيث ما زال السياح الذين يزورون العراق يأتون ويركبون في مشحوف (زورق صغير) من صناعة وجذور سومرية، ويشاهدون بيتاً من القصب السومري والتنور (فرن) وحياة المواطن السومري من المأكل إلى المشرب وغيرهما، تجدها كلها في بيئة سومرية ترجع إلى خمسة آلاف عام". أضاف "أنا أشاهد كثيراً من قطع ترجع لحضارات العالم كله، من منازل وآلات وأدوات، أصبحت آثاراً إلا في العراق، فهذه الأدوات ما زالت مستخدمة من العصر السومري إلى يومنا هذا".
المشحوف وسيلة نقل مائية ويحرك لغرض السير بالماء بعصا غليظة تسمى "المردي" (مواقع التواصل الاجتماعي)
وتابع الخبير الآثاري، أن السومريين أسهموا كثيراً في الحضارة الإنسانية "كنت أحد المنقبين في عشرات المواقع الأثرية، وتعرفت على أدواتهم وأعمالهم التي انتشرت ليس في العراق وحسب بل استفادت من هذه الحضارة كل الإنسانية، سواء الأواني الفخارية أو الرقم المسماري وعمليات الرياضيات وغيرها، إضافة إلى أن الأدوات التي كانت تستعمل في العصر السومري تستعمل في أشهر الدول وبالتصاميم السومرية والنقوشات نفسها وحتى في عملية الزجاج والمعدن والذهب".
وأدخل السومريون كثيراً من الأعمال التي انعكست على واقع الإنسان. وكشف الباحث التراثي والأثري سفير التراث ياسر العبيدي عن أن العراقيين، منذ فجر السلالات استغلوا النقل بالمشاحيف التي هي قوامها من البردي وعيدان القصب التي تطلى بالقير في مدينة هيت.
واعتبر الباحث التراثي المشحوف وسيلة نقل مائية ويحرك لغرض السير بالماء بعصا غليظة تسمى "المردي"، ولا يزال المشحوف يستخدم في بلاد الرافدين حيث يتنقل عليه السياح من داخل وخارج العراق أثناء زيارتهم الأهوار.
الصناعات السومرية
من جهته قال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إن الصناعات السومرية والمتمثلة بالحضارة العراقية هي أهم الصناعات في التاريخ البشري لكونها النواة التي انطلقت منها الصناعات وصولاً إلى العصر الحديث والحالي، وتعتبر أساساً للتقنيات والتصميمات في الصناعات. وقال إنها تمثل إرثاً ثقافياً مهماً تبين مدى تطور المجتمع السومري آنذاك وإبداعه في مجال الفن والحرف. وأكد السعدي أن الصناعات السومرية هي من أقدم الصناعات في التاريخ البشري حيث ازدهرت في المنطقة التي تعرف بجنوب العراق في الألفية الرابعة قبل الميلاد، كما ذكر في الكتب أن السومريين كانوا يمتلكون مهارات متقدمة في صناعة الفخار والمجوهرات وعديد من القطع الثمينة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة. أضاف أن صناعة الفخار شملت الأواني والأطباق والمصابيح والتماثيل، وكان الفخار السومري مشهوراً بتفاصيله الدقيقة وزخارفه المعقدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أستاذ الاقتصاد الدولي أن تأثير هذه الصناعات على الاقتصاد الحالي أو الحياة الحالية، بشكل عام، قد يكون غير مباشر، نظراً إلى مرور آلاف السنين وتطور عديد من الصناعات والتكنولوجيا على مر العصور، ومع ذلك، ما زال للصناعات السومرية تأثير ثقافي وتاريخي وتشكل إرثاً مهماً من التراث العالمي. ونوه بأن الزيارات السياحية إلى المدن السومرية القديمة مصدر مهم للدخل السياحي في المنطقة.
وعن التأثير الثقافي والفني، أكد السعدي أن لهذا الإرث تأثيراً كبيراً على عديد من الثقافات والحضارات. ونوه إلى أهمية البحوث العلمية والأكاديمية المستمرة بالبحث في الحضارة السومرية، لا سيما في مجالات الآثار والتاريخ والاقتصاد والدراسات والاكتشافات ما تسهم في فهمنا للنظم الاقتصادية القديمة وتطور الحضارة البشرية بشكل عام. وشدد على أن الاعتزاز بالتراث السومري والاهتمام بتراث الأجداد جزء من الهوية الوطنية للعراق كدولة، مما يعزز مكانتها العالمية أيضاً.
نشاطات أساسية
وفي السياق، قال الباحث الاقتصادي بسام رعد، إن التنقيبات الأثرية أكدت أن سكان بلاد وادي الرافدين هم بناة الحضارة الأولى في تاريخ البشرية، مبيناً أن أول من اخترع الكتابة الصورية ثم الكتابة المسمارية هم السومريون، كما تقدمت الحرف الصناعية في عهدهم إلى درجة كبيرة، وفي نهاية الألف الرابع ومطلع الألف الثالث توصل سكان بلاد وادي الرافدين إلى صناعات معدنية في غاية الدقة، لا سيما في صناعة المجوهرات والتماثيل والآلات والأدوات المختلفة. وأوضح رعد أن الاقتصاد في بلاد وادي الرافدين كان قائماً على ثلاثة نشاطات أساسية هي الصناعات الحرفية والآلات والأدوات التي اخترعها سكان العراق القديم، مضيفاً "يوجد حالياً في متحف اللوفر في باريس عديد من المصنوعات الحرفية لدى سكان وادي الرافدين سابقاً، ومن أشهرها إناء طقوس دينية للملك إينتيمينا حاكم مملكة لكش، وهي مصنوعة من الفضة والنحاس نقشت عليها أشكال مختلفة من النسور والسباع، إضافة إلى القيثارة الذهبية التي تعد من أروع المصنوعات الحرفية في تاريخ البشرية وهي مؤلفة من ثور ملتح مصنوع من الذهب الخالص".