الصمغ العربي.. منتج سوداني مستخدم في سلع عدة في العالم مهدّد بالحرب

منذ 1 سنة 142

يتركّز إنتاج الصمغ العربي في الخرطوم حيث المعارك ضارية، ومنها يُصدّر الى الخارج، لا سيما الولايات المتحدة، ويُنتج جزء آخر منه في إقليم دارفور حيث تدور معارك أيضا. ولم تصل المعارك الى القضارف، لكن الأسعار تدهورت بشكل سريع.

قبل الحرب التي إندلعت في منتصف نيسان/أبريل في السودان، كان خمسة ملايين شخص يعتاشون من الصمغ العربي، المادة الأساسية التي تدخل في تركيبة المشروبات الغازية والعلكة. اليوم، إنخفضت أسعار الصمغ في السودان الى النصف، وغادر الأجانب الذين كانوا يشترونه البلاد، بينما تقع مخازنه في وسط المعارك.

في الأبيض، أحد أبرز أسواق الصمغ العربي على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم، يقول التاجر آدم محمد عيسى إنها "كارثة حقيقية للمنتجين".

يُستخلص الصمغ من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو مستحلب ذو أهمية كبيرة يُستخدم في صناعات شتى، من المشروبات الغازية إلى العلكة مروراً بالمستحضرات الصيدلانية.

ويمتد حزام الصمغ العربي في السودان على مساحة تبلغ حوالى 500 ألف كيلومتر مربع من إقليم دارفور في غرب البلاد على الحدود مع تشاد، إلى ولاية القضارف في شرقها قرب الحدود مع إثيوبيا.

قاوم حزام الصمغ كل التحدّيات في السابق: من الحظر الدولي الذي فرض على السودان في تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين، وصولا الة الأزمات وأعمال العنف المتكرّرة التي هزّت السودان منذ سقوط الرئيس عمر البشير، الى التغيّر المناخي.

وكانت الولايات المتحدة استثنت الصمغ العربي من العقوبات التي كانت تفرضها على السودان خلال عهد البشير، لأهميته.

والسودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على حوالى 70% من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية.

"كلنا في مركب واحد"

ويقول رئيس مجلس الصمغ العربي مصطفى السيد خليل لفرانس برس "إذا فقدنا حزام الصمغ العربي سيغرق الجميع.. نحن كلنا في مركب واحد"، في إشارة الى انقسام السودانيين.

ويشهد السودان فوضى عارمة منذ اندلاع المعارك في 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

ويتركّز إنتاج الصمغ العربي في الخرطوم حيث المعارك ضارية، ومنها يُصدّر الى الخارج، لا سيما الولايات المتحدة، ويُنتج جزء آخر منه في إقليم دارفور حيث تدور معارك أيضا. ولم تصل المعارك الى القضارف، لكن الأسعار تدهورت بشكل سريع.

ويقول آدم عيسى "الآن هناك كميات كبيرة معروضة، ولا أحد يريد أن يشتري، لأن أصحاب الشاحنات يخشون المرور، في طريقهم إلى الميناء الواقع في منطقة الحرب في الخرطوم".

ويفيد سكان في الخرطوم أن عددا كبيرا من الشاحنات دُمّر في القصف، بينما قُتل عدد من سائقي الشاحنات. في الوقت ذاته، تضاعف ثمن الوقود عشرين مرة.

وترى منسّقة مشروع دعم هيكلة قطاع الصمغ العربي بالسودان المموّل من الاتحاد الأوروبي فايزة صديق أن "الأزمة الحالية يمكن أن تؤثر على الصادرات، لأننا نواجه نقصا في الوقود يجعل النقل مشكلة".

وتضيف "ينقل الصمغ إلى الخرطوم حيث مراكز التجميع، لأن معظم الشركات المصدّرة تقع في الخرطوم".

وأدى عدم الإقبال على شراء الصمغ بسبب الظروف الراهنة إلى تراجع سعره، وفق ما يقول منتج الصمغ أحمد حسين.

ويتابع "تراجع سعر الطن من 320 ألف جنيه (حوالى 627 دولارا) في نهاية آذار/مارس إلى 119 ألف جنيه (حوالى 233 دولارا) حاليا".

مخزون كاف

ويشير المهندس الزراعي بالوكالة الفرنسية للتنمية فرانسوا جيرودي الذي عمل في السودان في السابق الى أن صادرات السودان من الصمغ العربي بلغت حوالى 60 ألف طن (40 ألف طن من نوع الطلح و20 ألف طن من نوع الهشاب) في العام 2022.

ويصعب، بحسب رأيه، اليوم تحديد كمية الإنتاج أو التصدير.

ويقول "كنا حتى قبل الحرب، أطلقنا صيحة لإدراك التدهور السريع والمريع لبيئة حزام الصمغ العربي".

ويضرب مثلا بولاية القضارف التي كانت على رأس قائمة الولايات الأكثر إنتاجا للصمغ العربي، وباتت "اليوم تأتي في المركز الـ13"، مرجعا السبب إلى ارتفاع أعداد النازحين إليها من الولايات الأخرى.

إلا أن مسؤولا في هيئة المرافىء السودانية قال لوكالة فرانس برس إن عمليات الاستيراد والتصدير تتواصل بشكل طبيعي. لكن عثمان عبد السلام الذي يعمل في أحد مكاتب الشحن البحري يؤكد أن "حركة صادرات البضائع التي تمرّ عبر ولاية الخرطوم من كردفان ودارفور تأثّرت بصورة كبيرة وخصوصا الصمغ العربي".

على الرغم من الأخطار المحدقة بالصمغ العربي، أكدت الجمعية الدولية للترويج للصمغ التي تتخذ من هامبورغ مقرا في بيان، أن لا خطر وشيكا على الصناعات التي تستخدم الصمغ، لأن "الشركات تحتفظ بمخزون كاف من السودان ودول أخرى في مستودعاتها".

وأشارت الى أن تشاد ونيجيريا هما دولتان يمكن أن تشكّلا مصدرين بديلين عن السودان في إنتاج الصمغ.

وبسبب قدرته على التأقلم مع الجفاف والتغير المناخي، راهنت دول عدة على الصمغ للتشجير، في عدد من الدول الإفريقية مثلا. ووُضع مشروع ضخم بزراعة أشجار الصمغ في حزام يمتد من منطقة الساحل الى القرن الإفريقي.