الصعود السعودي وكسر القالب

منذ 1 سنة 235

صعود سعودي مستمر نحو العلى أشبه بقطار سريع نحو المستقبل، محطته الأساسية «رؤية 2030»، ومساره مفتوح على كل الاتجاهات صوب المستقبل؛ من تعزيز الهوية السعودية وإعادة بنائها بعد تخليصها مما شابها عبر عقود، إضافة إلى ربطها بقيم أصيلة وممتدة إلى عمق التاريخ، وصولاً إلى محفزات البناء الداخلي المتمثل في تشريعات الحفاظ على المواطنة، ومكافحة ثلاثية التطرف والفساد والمحسوبيات؛ إذ لا أحد فوق القانون، ثم الأهم إعادة بلوة وبناء المؤسسات لتوائم مرتكزات الرؤية الطموحة التي «كسرت القالب»، بحسب تعبير كتاب «لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر» لدارن أسيمجلو وجيمس ربنسون؛ إذ يؤسس تلك النظرية من خلال البناء السريع، وترميم مؤسسات الدولة للحفاظ على الملكيات، وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وتشجيع التنمية الاقتصادية، وإصلاح السوق واستقلالها، وحث كل سياسات النمو المبكر للقطاعات غير المفعلة، ومنها الثقافة والسياحة، واستغلال العمق التاريخي للسعودية.
الكتاب عبر فصوله المتعددة يغوص عميقاً في مفارقات الفشل والنجاح بالنسبة للدول من خلال تجاوز الأرقام والجغرافيا والتاريخ إلى قراءة عميقة للمقاربات التي تتخذها الدولة للخروج من مهدد الفشل، أو ما يصفه بالسياسات الفاشلة التي تجعل عدداً كبيراً من الدول تفشل في تحقيق التنمية المستدامة.
المؤسسات هي عمدة التحولات في السعودية، ويضاف لها التحول الرقمي الهائل والذي نافس الدول المتقدمة، لا سيما في أزمة «كورونا»، وقبلها في المصرفية المتقدمة وإدارة الأحوال الشخصية، وصولاً إلى القضاء والجلسات عن بعد.
بحسب نظرية الفشل الذي أسسها الكتاب، فالمؤسسات التي تتبناها الدولة كائن حي لا علاقة له بالموقع الجغرافي، ولا تحديات المكان أو عوائق التاريخ أو نجاحاته، فالدولة الغنية دولة الرفاه هي التي تطور مؤسساتها باستمرار، وتسعى إلى انفتاح المجتمع لكسر القوالب التي تعوق أداء المؤسسات وترسخ القانون، ودون امتلاك مؤسسات فاعلة وحيّة، قوامها التعددية وضخ الدماء الجديدة والشابة وتعزيز الابتكار؛ فإن شبح الفشل نتيجة حتمية.
والحال أن السعودية واجهت صورة نمطية سلبية مجحفة تبرز إلى السطح كلما تصدَّر اسم المملكة شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت وسباق النشرات، وبشكل يتجاوز الحقيقة أو الاقتراب منها في فهم طبيعة وحراك المجتمع السعودي، بسبب ذلك التبسيط المخلّ المرتبط بالتعميمات المرسلة عن بلد فيه من التنوع والتعقيد وتداخل السياق القبلي بالديني بالعِرقي بالمناطقي، ورغم ذلك استطاعت المملكة عبر مسيرتها الطويلة في التصدي للأحداث والصراعات السياسية والاستهداف، أن تتجاوز حفر الصور النمطية، بل تحويلها إلى فرصة ومناخ صحي لاستجلاب الفرص وإعادة ترسيم السعودية كرائدة في أهم مسألة يواجهها العالم، وهي ملف تفشي التطرف والعنف وغياب منطق الدولة .
اليوم منسوب المواطنة في وضع ممتاز يسعى للكمال بشكل مستمر، هذا المفهوم - أعني المواطنة السعودية القائمة على الاعتزاز بالهوية والتاريخ وخدمة الحرمين الشريفين وقيم الإسلام المعتدل - هو صمام أمانها في الأزمات في ظل غياب مفهوم المواطنة في كثير من تجارب الدولة الوطنية التي مسها الكثير من التغير والتغيير بسبب عوامل كثيرة، كانت «الثورات» بما تخلقه من فوضى طبيعية أحد أهم تحدياتها، وعكس ما كان في السابق من احتياج الباحث في الاجتماع السياسي والمفاهيم المجتمعية العامة إلى جهد ووقت كبيرين لفحص عينات من تحولات أفكار الفاعلين في المجتمع.
بالأمس دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الإيراني إلى زيارة المملكة، وأعرب عن ترحيبه بالاتفاق بين البلدين، وطالب بتعزيز التعاون الاقتصادي والإقليمي بين البلدين، وقبل هذه الخطوة منذ سنوات أطلقت السعودية مبادرة «أهلاً بالعالم» عبر هيئة السياحة التي تترجم أهم مرتكزات «رؤية 2030»، ومهندسها سمو ولي العهد الذي يسابق الزمن لاستنطاق مكامن الثراء السعودي الثقافي والهويّاتي، وتحويله إلى رساميل اقتصادية كبرى لا تعتريها مضائق الأسعار وتحولات الاقتصادات التقليدية.
الترحيب السعودي اليوم بالعالم لزيارة تنوعها وثرائها هو أكبر عملية «كسر للقالب» تتجاوز الأطر النمطية لتحفيز الاقتصاد والمؤسسات، وفي ذات الوقت هو أكبر رد على المنتفعين من تكرس «الصورة النمطية». ما فعلته الرؤية ببساطة هو أنها أبرزت الحقيقة وقدمتها للعلن وفي الهواء الطلق، وفتحت المجال لاكتشاف المجتمع السعودي سياسياً وثقافياً واجتماعياً، وفهمه بشكل دقيق خارج أقواس الصورة، وداخل قلب المعنى السعودي الذي ما زال يحصد الكثير من الإعجاب، ولديه الكثير مما يبهر ويفاجئ به العالم، والقادم أجمل!