ملخص
أظهرت دراسة أجريت عام 2020 على الفئران أن الضغط النفسي يؤدي إلى تحول لون فرائها إلى الرمادي، ولكن حتى الآن لم يتأكد علمياً بأن الضغط النفسي وحده قد يصيب البشر بالشيب.
قبل أن يترشح للرئاسة في الولايات المتحدة كان شعر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أسود اللون، ولكنه تحول إلى الرمادي عند مغادرته منصبه، وبدا أن ضغوط إدارة العالم من البيت الأبيض قد تشيب أي رئيس جديد، وتجعل شعره يتحول إلى اللون الرمادي أو الأبيض كما كتب الدكتور روبرت شمرلينغ، عضو هيئة التدريس العليا في نشرات هارفرد الصحية، في مقالته حول أسباب شيب الشعر مع التقدم في السن.
الدكتور شمرلينغ سأل في مقالته، هل الضغط هو السبب الأول لتحول الشعر إلى اللون الرمادي؟ قبل الإجابة بأن بعض حالات الشيب ترتبط بالضغط النفسي وهي الأقل في الواقع، لأن السبب الرئيس هو توقف بصيلات الشعر عن إنتاج اللون مع التقدم في العمر، ويمكن أن يلعب الجين الوراثي دوراً في التسبب بالشيب، وكذلك في تحديد السن الذي يبدأ فيه ظهور الشعر الأبيض في رأس المرأة والرجل الذي يطاول البياض ذقنه وشاربيه أيضاً.
المرحلة الاكتئابية
الضغط النفسي قد يؤدي إلى حالة شائعة تسمى تساقط الشعر الاكتئابي في القواميس الصحية والطبية، وتتسبب هذه الحالة بتساقط الشعر بسرعة أكبر بثلاث مرات من المعتاد، لينمو من جديد بعد مرور المرحلة الاكتئابية التي يمر بها الرجال في الأربعينيات من عمرهم وتسمى أزمة منتصف العمر، ولكن إذا طال الضغط النفسي الذي تسببه أزمة منتصف العمر فقد ينبت الشعر الجديد رمادي اللون لدى معظم الرجال الأربعينيين، بحسب شمرلينغ. وأظهرت دراسة أجريت عام 2020 على الفئران أن الضغط النفسي يؤدي إلى تحول لون فرائها إلى الرمادي، ولكن حتى الآن لم يتأكد علمياً بأن الضغط النفسي وحده قد يصيب البشر بالشيب.
بيولوجياً عندما يكون الجسم تحت الضغط تفرز الشعيرات العصبية هرموناً يسمى النورإبينفرين داخل تجويف الشعرات، وعندما تتمازج كمية كبيرة من النورإبينفرين مع الميلانين الموجود في الشعرة ينتج منها هرموناً قد يتسبب في تدمير دائم للخلايا التي تنتج الصبغة.
لم ترحم ضغوط البيت الأبيض أوباما وتركت بصماتها على شعره (رويترز)
المتفق عليه بين العلماء وأطباء الجسم والتجميل أن الشيب يترافق مع التقدم في العمر بسبب توقف خلايا الصبغية في الشعر عن إنتاج الألوان لدى الغالبية العظمى من الناس، ومع ذلك في بعض الأحيان يعني تحول لون الشعر إلى الرمادي في سن مبكرة الإصابة بنوع ما من الأمراض، أولها نقص فيتامين B12، ومن ثم بسبب أمراض الغدة الدرقية التي قد تؤدي إلى البهاق، وهو مرض جلدي يؤدي إلى فقدان أو تدمير الخلايا الصبغية الموجودة في قاعدة بصيلات الشعر التي تنتج اللون. وتؤدي أمراض الغدة الدرقية إلى ظهور الثعلبة، وهي مرض جلدي أيضاً ينمو الشعر الرمادي فوقه في جلدة الرأس.
خلاصة الموقف العلمي حول الشيب هو أن انتشار الشيب في شعرنا سببه الأول الجينات التي نرثها من والدينا، التي تحدد أيضاً السن التي تبدأ فيها بالمشيب، وقد يلعب الضغط النفسي دوراً في الأمر.
سوق الشعر الأبيض التجميلية الواسعة
كشفت إيرين بلاكمور في تحقيقها حول تجارة إخفاء الشعر الرمادي بأنها سوق عالمية واسعة تقدر بمليارات الدولارات حول العالم، بعدما أنشأت شركات مستحضرات التجميل سوقاً تجارية عملاقة تحارب بصيلات الشعر الكسولة حين تتوقف عن إنتاج صبغة الميلانين التي تمنحنا لون الشعر الخاص والملائم للون بشرتنا وللون شعر الحاجب، ولون شعر الذقن والشارب للرجال، وهذه المستحضرات التي تغطي ملامح التقدم بالسن تمنح النساء والرجال شعوراً بالشباب أو بالتحايل على التقدم بالعمر، إضافة إلى صبغ الشعر يلجأ عدد غير قليل من الرجال إلى صبغ شعر الذقن والشاربين لإخفاء تقدمهم بالسن حين منذ بدء الشعيرات الرمادية بالظهور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجدت المتخصصة في علوم البيولوجيا أن لون الشعر تطور كجزء من حماية البشرة والجلد من أشعة الشمس، إذ يعتقد أن لون الشعر هو من أكثر السمات الشكلية لدى البشر التي تنتقل بالوراثة ويمكن تحديده بحسب الجينات، ويمكن تحديد ما يصل إلى 99 في المئة من لون الشعر باعتماد علم الوراثة، فيمكن للشخص منذ شبابه أن يعرف ما سيصيب شعره حين يراجع ما أصاب شعر والديه وجديه.
وقالت إن الخلايا الصبغية حين تفقد قدرتها على إنتاج صباغ اللون يمتلئ جوف الشعرة بالهواء، فيظهر اللون الشفاف القريب من اللون الفضي أو الأبيض، ويرتبط التدخين والتعرض للأشعة فوق البنفسجية والتقصير الغذائي والتعرض لتلوث الهواء والإفراط في استهلاك الكحول، بفقدان صبغة الميلانين من الشعر في وقت مبكر. أما الإصابة بظهور الشعر الرمادي في مرحلة الطفولة فهو متلازمة نادرة، تسمى متلازمة غريسيلي وتنتقل بالوراثة.
لون الشعر اجتماعياً
على رغم انقسام العلم حتى اليوم حول كيفية تطور ألوان الشعر لدى البشر تبين أن الذكور والإناث يرون بأن لون الشعر مؤشر إلى الصحة والعمر، وبينت الدراسات النفسية أن الشعر الرمادي أو الشيب قد يؤثر بشكل عميق في الطريقة التي نرى بها أنفسنا، أو الطريقة التي ننظر بها إلى الآخرين أصحاب الشعر الرمادي أو الأبيض خصوصاً منهم الذكور الشباب.
وتشير الإحصاءات إلى أن 23 في المئة ممن تجاوزوا سن الـ50 يتحول لون شعرهم إلى الرمادي، ويشعر هؤلاء بالتمييز تجاههم عموماً من الآخرين، إلى أن برزت ظاهرة بين الرجال أطلق عليها اسم "تأثير جورج كلوني"، الممثل الأميركي المعروف لدى الجمهور العالمي والوسيم ببياض شعر رأسه وذقنه، إذ نقل عدوى التشاوف بالشيب إلى مجتمع الرجال. ويمكن القول إن كلوني أعاد الاعتبار للمقولة العربية المعروفة بأن "الشيبة هيبة" لدى الرجل، لأنها تدل على بلوغ سن الحكمة والهدوء بعد تجربة مديدة، وكان الممثل الفرنسي الوسيم والراحل الأسبوع الماضي آلان ديلون أطلق شعره الرمادي قبل كلوني، إلا أن وسامته التي ظهر فيها ممثلاً شاباً على شاشات السينما العالمية طبعت صورته بطابعها أكثر من مرحلة تلون شعره بالرمادي.
تأثير جورج كلوني لم ينتقل إلى النساء بطبيعة الحال، إذ تشير الإحصاءات أن ما نسبته 75 في المئة من النساء يصبغن شعرهن الرمادي، وحاولت قبل سنوات عدد من الشركات العالمية الشهيرة في أسواق الأزياء والتجميل وصبغات تلوين الشعر تحويل الشعر الرمادي لدى الإناث إلى موضة مقبولة اجتماعاً، ونجحت هذه الحملة لفترة قصيرة قبل أن تعود النساء لصبغ شعورهن بألوان محددة.
عندما استطلع الباحثون آراء النساء اللاتي تخلين عن صبغ الشعر في دراسة أجريت عام 2022 في مجلة Journal of Women Aging وجدوا أن نسبة كبيرة منهن يحاولن الظهور بمظهر أصغر سناً عبر وسائل التجميل الأخرى التي تظهرهن أكثر شباباً ولا تجعل لون الشعر الأبيض يبديهن وكأنهن تخلين عن الاهتمام بأنفسهن مع تقدمهن بالعمر، واستنتج الباحثون أن النساء اللاتي توقفن عن إنفاق كثير من الوقت والمال والجهد من أجل الظهور بمظهر يجعلهن مقبولات اجتماعياً بات ملحوظاً في معظم المجتمعات الحديثة مع بروز أنواع كثيرة من عمليات التجميل التي يمكنها إعادة النساء لتألقهن بعد التقدم في العمر وتغنيهن عن طلب صبغ الشعر، كما فعلت النساء في العقود السابقة حين كانت خيارات تجميل الوجه والجلد ضيقة.
الشعر الأبيض والأعراق والثقافات
يقول مؤلف كتاب "عش وكن أصغر سناً" الدكتور كيمونتو موكايا إن ظهور الشعر الرمادي مع التقدم بالعمر يعتمد أيضاً على العرق، فعلى سبيل المثال يبدأ ظهور الشعر الرمادي لدى الآسيويين في أواخر الثلاثينيات من العمر، أما أصحاب البشرة السوداء فيبدأ ظهور الشعر الأبيض عندهم في بداية الأربعينيات من العمر، أما أفراد العرق الأبيض فيبدأ الشعر الرمادي بالظهور منذ منتصف الأربعينيات من العمر.
شيب الشعر، أو تحول الشعر إلى اللون الأبيض أو الرمادي مع التقدم في العمر، يحمل رمزية ومعاني مختلفة في ثقافات العالم المختلفة، فلدى العرب يدل الشيب على الوقار والحكمة، ويعزز من احترام في المجتمعات العربية التقليدية. أما في الثقافة البوذية والآسيوية فيعتبر الشيب إشارة إلى تغيرات في توازن الطاقة الداخلية أو دوائر "الين" و"اليانغ"، وقد يدل الشيب في بعض هذه المجتمعات على خلل في صحة الشخص العامة، هذا على رغم أن اليابانيين والكوريين يعتبرون الشيب رمزاً للتقدير والاحترام، وبأن تارك الشيب من دون صبغ يعلن فخره بالنضج والتقدم بالعمر.
تعتبر بعض المجتمعات الهندية النساء ذوات الشعر الأبيض كحكيمات العائلات (غيتي)
في بعض القبائل والمجتمعات الأفريقية فإنه كون الشعر الأبيض رمزاً للحكمة والمعرفة، فإنه أيضاً مؤشر إلى الجهوزية لتولي المناصب القيادية أو الاستشارية التي نقلها كبير السن إلى الأجيال اللاحقة.
ثم في الثقافة الهندية الفلكلورية يصور الشيب كجزء من الانتقال إلى مرحلة أعلى من الاستقرار الروحي لدى الرجال، والعكس عند النساء الهنديات المعروفات باستخدامهن لأنواع كثيرة ومتنوعة من زيوت الأعشاب التي تحافظ على لمعان الشعر الأسود وصحته لإبقائه طويلاً منسدلاً حتى أسفل الظهر كأحد مظاهر الاحتفاء بجمال المرأة الهندية مهما تقدمت بالعمر، على رغم أن بعض المجتمعات الهندية تعتبر النساء اللاتي يحافظن على شعرهن الأبيض من دون تلوينه حكيمات العائلة الكبيرة اللاتي يلجأ إليهن لتلقي النصح والإرشاد في الشدائد وحين تظهر تعقيدات الحياة أمام الشباب من الأجيال الصاعدة.