"الشمس مشرقة دائماً": مسلسل أميركي يحافظ على جودته

منذ 1 سنة 125

هل هناك مسلسل لا يزال محافظاً على مكانته بعد مرور 18 عاماً على انطلاقه؟

مسلسل "آل سيمبسون" The Simpsons، العمل ذو الشخصيات الصفراء الذي يعد رمزاً للعروض التلفزيونية المعمرة، والذي وصل إلى موسمه الـ 34 الآن، وبدأ يتراجع بعد ثمانية مواسم فقط ومستمر في هبوطه الحاد منذ ذلك الحين.

واستمر عرض "فريزر" Frasier على مدى 11 موسماً، لكنه بدأ يفقد سحره بعد ستة أو سبعة أجزاء، وكذلك كان دأب "عائلة عصرية" Modern Family و"نظرية الانفجار العظيم" The Big Bang Theory  وغيرهما من الأعمال التي يحتاج استعراضها إلى قائمة طويلة.

يوم الجمعة الماضي عاد مسلسل "الشمس مشرقة دائماً في فيلاديلفيا" It’s Always Sunny in Philadelphia إلى منصة "نتفليكس" في المملكة المتحدة بإطلاق موسمه الـ 16، والآن موسماً تلو الآخر، أصبح العمل التلفزيوني الذي لديه معجبون مخلصون المسلسل الكوميدي الأميركي الحي الأطول عرضاً على الإطلاق، متفوقاً على "مغامرات أوزي وهارييت" The Adventures of Ozzie and Harriet عام 2021، واللافت للانتباه أكثر هو أن المسلسل لا يزال محافظاً على جودته وأصالته بصورة موثوقة على رغم مرور حوالى عقدين من الزمن.

يحكي "الشمس مشرقة دائماً" قصة خمسة أشخاص نرجسيين مختلين، التوأمان دينيس ودي (يؤديهما غلين هاورتون وكيتلين أولسون على التوالي)، ووالدهما بالتبني فرانك (داني ديفيتو)، وتشارلي (تشارلي داي) وماك (روب ماكلهيني)، وهم يديرون حانة متواضعة في جنوب فيلادلفيا.

ومثله مثل عدد من المسلسلات الكوميدية الرائعة ("حدائق ومنتزهات" Parks and Recreation، "ساينفيلد" Seinfeld والنسخة الأميركية من "المكتب" The Office)، واجهت السلسلة صعوبات في سنتها الأولى إلى أن رسخت مكانتها، وانضم ديفيتو في بداية الموسم الثاني، وفوراً صار التناغم بين أفراد المجموعة مثالياً، فشخصية فرانك التي يؤديها في المسلسل الذي يعمل في ترتيب صفقات تجارية غير نزيهة، هي عنصر جذب دائم.

لم يتمتع "الشمس مشرقة دائماً" أبداً بقالب محدد، وفي كثير من الأحيان سنرى أفراد "العصابة" وهم يلقون بأنفسهم في خطة سيئة في محاولة للوصول إلى الثراء، أو تنفيذ انتقام من نوع ما أو لتسلية أنفسهم لا أكثر، ومن الأمثلة على ذلك أنه بدأ دينيس ودي في تدخين الكوكايين من أجل المطالبة بالمعونات الحكومية.

ماك وتشارلي يلفقان خدعة لإقناع البقية بموتهما، ويرتب تشارلي لعرض موسيقي ساعياً إلى إثارة إعجاب النادلة التي كان يتعقبها، ولطالما كان المسلسل ساخراً في جوهره، إذ تجسد الخماسية الفاسدة أبشع جوانب النفس الأميركية متمثلة في التعصب والغطرسة والجشع والجهل.

وتعتبر الحلقة الأولى من الموسم الجديد التي تحمل عنوان "العصابة تتضخم" The Gang Inflates من أفضل الحلقات التي قدمها المسلسل منذ أعوام. ونشاهد خلالها العصابة وهي تتورط في خليط من المخططات الطائشة التي تتعامل بصورة غير جادة مع فكرة التضخم، وعند هذه المرحلة كان "الشمس مشرقة دائماً" قد طور أسلوباً كوميدياً مختصراً وواثقاً بمجرد مرور ثوان فقط على بداية الحلقة حتى تبدأ الأحداث في التكشف بسرعة. ويحاول فرانك شرح التضخم لماك ودينيس اللذين يلعبان هنا دور ساذجين يمكن خداعهما بسهولة، وينجح في الاحتيال عليهما وأخذ أموالهما أثناء الشرح.

في الوقت نفسه يتم طرد دي من منزلها بسبب أسعار الإيجار المتضخمة فتقرر الاحتجاج من طريق إلصاق نفسها بالحائط، وتتصل ببقية العصابة بصورة مستمرة، لكنهم يواصلون إنهاء المكالمة بعد ثوان والعودة لدرسهم الزائف في الاقتصاد، غباء، جشع، كراهية النساء، ونشاهد كل هذا على رغم أنه لم يمض على بداية الحلقة سوى دقيقة واحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هذه النقطة تتحول الحلقة إلى جنون، ويحاول تشارلي إقناع فرانك بالاستثمار في العملة المشفرة، بينما يجرب دينيس حظه مع إطلاق مشروع تجاري لتأجير أثاث قابل للنفخ.

أما ماك الذي يخطئ فهم المثل الذي يضرب عن التوفير "خزّن مثل سنجاب يستعد للشتاء" فيعرض نفسه لحساسية تكاد تودي بحياته بعد التهام عبوة ضخمة من المكسرات التي اشتراها بسعر مخفض. إنها حلقة تتبع تقاليد "الشمس مشرقة دائماً" بامتياز وتأتي من الفكرة الجنونية وغير النمطية للمسلسل، وحقيقة أن المسلسل لا يزال قادراً على ابتكار حلقات كهذه من لا شيء هي شهادة على التناغم الكوميدي النادر بين نجومه، بمن فيهم ماكلهيني وهاورتون وداي الذين أنشأوا المسلسل معاً، إضافة إلى عدد من الطرق الذكية التي يخالف بها العمل معايير التلفزيون.

وأهم هذه الطرق هو القرار الذي اتخذ في وقت باكر بتجنب أي أفكار لتطور المسارات الدرامية أو التطور الشخصي للأبطال، وإحدى المشكلات الأكثر شيوعاً التي تعوق المسلسلات التي يستمر عرضها طويلاً هي ببساطة ميل الشخصيات إلى الوصول إلى طريق مسدودة من الناحية السردية.

وفي "فريزر" مثلاً فقدت الأمور زخمها بمجرد أن حل التوتر الرومانسي بين نايلز ودافني، أما "فريندز" Friends فاستنزف العلاقات الرومانسية بين أبطاله حتى آخر قطرة، إذ تحولت علاقة شاندلر ومونيكا إلى زواج رزين، واستلزمت الحيرة المحيطة بعلاقة روس وريتشل اللجوء إلى كل أشكال العوائق المفتعلة لتأجيل النتيجة النهائية التي ستشهد ارتباطهما.

وعلى كل حال في "الشمس مشرقة دائماً" ليس هناك تطور للشخصيات على الإطلاق، ولا يدخل أي منها في علاقة حب أو ارتباط. (شهد العمل في بدايته زواج دينيس وطلاقه في الحلقة التالية). بينما تسعى معظم العروض إلى جعل شخصياتها محببة للمشاهدين بمرور الوقت فإن "الشمس مشرقة دائماً" يسير في الاتجاه المعاكس، ويزداد سوء سلوك أفراد العصابة ويصبحون أكثر قبحاً وأقل قبولاً بصورة عامة على مر السنين، كما تجنبت السلسلة أيضاً ترابط حلقاتها بعضها ببعض بالمعنى الحقيقي أو القصصي.

(تعد حلقة "بطل أم جريمة كراهية" Hero or Hate Crime الصادرة عام 2017 ويعلن فيها ماك ميوله الجنسية المثلية أحد الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة).

ولو كانت هناك كراسة قواعد حول كيفية صناعة مسلسل تلفزيوني يمتد لأمد طويل، فقد مزقها "الشمس مشرقة دائماً" وصب البنزين على القصاصات وأشعل النار فيها، وكانت الخطوة ناجحة على رغم ذلك.

ويشار إلى أن "الشمس مشرقة دائماً" استفاد من نموذج الأعمال القصيرة في التلفزيون الأميركي المعاصر، ولو أنتج المسلسل قبل عقدين من الزمن عندما كان من الضروري أن يتضمن الموسم الواحد 22 حلقة، فمن غير المرجح أن يستمر لفترة طويلة، وعلى سبيل المثال أنتجت المواسم الستة التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها "العصر الذهبي" لـ "آل سمبسون" 143 حلقة، أي ما يقارب عدد حلقات "الشمس مشرقة دائماً" طوال مسيرته الكاملة، لكن 16 موسماً و170 حلقة ليست شيئاً لا يذكر.

إنها حصيلة تجعل معظم الإنتاجات التلفزيونية البريطانية تخجل من نفسها، ويمكن لبث عمل تلفزيوني لمدة طويلة من الزمن أن يكون نقمة بقدر ما هو نعمة، فنادراً ما تستمر السلاسل لفترات طويلة من دون أن تفقد جاذبيتها، ومع ذلك تظهر حلقات مثل "العصابة تتضخم" أن التراجع الإبداعي ليس مصيراً حتمياً كما يدعي بعضهم في الوقت الحالي في الأقل.

ويتغلب "الشمس مشرقة دائماً" على هذا المصير اللعين، ولعله يستمر في ذلك طويلاً.

 يمكنكم مشاهدة مسلسل "الشمس مشرقة دائماً في فيلاديلفيا" في المملكة المتحدة عبر منصة "نتفليكس".