"الشعوذة الإلكترونية" في الجزائر... استغلال آلام الناس لكسب الثروة

منذ 1 سنة 117

على رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تسهيل التواصل بين الأفراد والجماعات داخل الجزائر وغيرها من الدول، إلا أنها باتت لدى فئات من المجتمع بيئة خصبة لنمو ظواهر سلبية، ومنها الشعوذة، الأمر الذي استدعى دق ناقوس الخطر صحياً وعائلياً في ظل المشكلات التي باتت تسجل في كل مرة.

وانتشرت فيديوهات لبائعي الأعشاب والبخور وبعض الأحجار الملونة، تشرح كيفية تحضير خلطات سحرية لطرد "النحس وجلب الحظ وعلاج أمراض مستعصية وأزمات نفسية"، بشكل يكشف عن "ضعف" في المجتمع تسببت فيه المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية.

وفي وقت يتفق الجميع على أن اللجوء إلى الشعوذة إنما يعبر عن يأس، يبقى الذين يقفون وراء صفحات مختلف وسائط التواصل الاجتماعي يستهدفون كسب الثروة.

وتعد سهولة نشر المعلومات والتواصل مع أكبر عدد من الأشخاص وصعوبة وصول الجهات الأمنية، من بين أهم الأسباب التي دفعت المشعوذين إلى نقل طقوسهم نحو وسائط التواصل الاجتماعي، فهي أيسر السبل وأقلها كلفة، وعلى قدر انتشار الآفات الاجتماعية وطغيان الماديات، وتفكك العلاقات الأسرية مع ارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة والخيانات الزوجية، عادت في مقابل ذلك مظاهر الجهل والاعتقاد بالخرافات.

الخريطة الاجتماعية والتكنولوجية السابقة أنعشت الشعوذة "الإلكترونية" في الجزائر التي بات اللجوء إليها تجنباً للحرج وتخفياً عن العائلة والمجتمع، بدل قصد البيوت والأماكن المشبوهة التي كانت مقار ممارستها في وقت سابق.

مشاهير وأثرياء أيضاً

لم يعد الأمر مرتبطاً بفئة معينة من المجتمع مثلما كانت الحال من قبل مع الفئات الهشة والقرويين وكذلك أصحاب المستويات التعليمية المحدودة والأميين، بل تعداه إلى المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين والرياضيين والمشاهير والأثرياء، وكل من يبحث عن الحفاظ على مصالحه ومنصبه وسلطته.

وتحولت أعمال السحر والشعوذة إلى شماعة يعلق عليها الأشخاص أخطاءهم وفشلهم في التعامل مع بعض الأمور الحياتية، مثل تأخر الزواج أو عدم الإنجاب أو الطلاق أو الفشل الدراسي أو طول مدة البطالة، أو عدم النجاح في مشاريع وغيرها من المواضيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما شجع هذه الطقوس على الانتشار، دخول تجار الأعشاب وبائعي العقاقير والزيوت العطرية على الخط عن قصد أو دون قصد، وذلك من خلال عرض خلطات طبية تشفي من الصداع أو الأورام أو الحروق والأمراض الجلدية وغيرها، وأخرى تصنف في خانة السحر والشعوذة، تجلب الحظ والزوج والزوجة، وتبعد العين والحسد وغير ذلك، وهدفهم لا يخرج عن دائرة تسويق منتجاتهم ليس إلا.

هؤلاء اختاروا لأنفسهم أسماء لا تفضح قبحهم، على غرار "الشيخ الروحاني" و"الروحانية" و"النوراني"، وكذلك "قارئة الحظ"، وغيرها من الأسماء التي تخفي اسم "ساحر"، والهدف إغراء ضعاف النفوس بجلب الحبيب خاضعاً ذليلاً، ورد المطلقة لزوجها رغماً عنه، وتزويج العانس وجلب الخاطب وفك الرصد وإخراج السجين وإلحاق الأذى بالغير والتدمير، إذ يضع هؤلاء أرقام هواتفهم للتواصل معهم على "واتساب" و"إيمو"، وغيرها من وسائل التواصل.

استقطاب الشباب واستغلال آلام الناس

هنا يرى أستاذ علم الاجتماع، رضوان قروم، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن اختيار هؤلاء المشعوذين لمواقع التواصل الاجتماعي، الغرض منه استقطاب الفئات الشابة واستغلال آلام الناس لا سيما المرضى، مضيفاً أن الإحباط يدفع الإنسان إلى اعتبار كل الطرق مباحة للخروج من النفق المظلم، سواء تعلق الأمر بمشكلات زوجية أو عاطفية أو مهنية أو صحية، وهؤلاء من يقعون ضحايا المشعوذين الذين يوهمونهم في البداية بالرقية الشرعية، ثم يجدون أنفسهم يدفعون مبالغ مالية معتبرة لشراء الوهم.

ويواصل قروم، أن حملات الترويج للأعشاب والخلطات وبعض العقاقير عبر وسائط التواصل الاجتماعي والفضائيات وراء انتشار ظاهرة الشعوذة، مشيراً إلى الصراعات النفسية والضغوط الاجتماعية وطغيان الماديات والأحقاد، محذراً من أن استمرار اللجوء إلى الشعوذة الإلكترونية الذي من شأنه إثارة مشكلات صحية على اعتبار أن الخلطات ليست مبنية على طرق علمية، ما يترتب على ذلك انعكاسات صحية قد تودي بحياة طالب الصحة، أو تزيد من معاناته.

وتابع، "كما أن المشكلات العائلية تبقى أيضاً من محصلات اللجوء إلى هذه الظاهرة التي قد تتسبب في خصومات بين أفراد البيت تنتهي بجرائم أو حالات طلاق، على اعتبار أن هذه الحلول غير واقعية قد تدفع الزوج أو الزوجة في حال علمه بالأمر إلى التصرف بغضب وانتقام، كما قد تؤدي هذه الوصفات المشبوهة إلى أمراض يصعب علاجها".

الطريق إلى الشعوذة سهلا

من جهته، قال إمام مسجد "حيدرة" في العاصمة الجزائرية جلول قسول، إن ارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة وانعدام الثقة بين الأزواج والمنافسة على التفوق في الدراسة والعمل للتفاخر والمشاحنة بين الأهل والأقارب والجيران، جعل الطريق إلى الشعوذة سهلاً، بخاصة أن هؤلاء المحتالين من المشعوذين يختبئون تحت عباءة الرقية الشرعية التي يستعملونها في البداية كطعم لاصطياد ضحاياهم.

وعبر قسول، عن أسفه من استغلال بعض المشعوذين لوسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، إذ يتم تقديمهم على أنهم رقاة أو معالجون لأمراض عضوية باستعمال خلطات أعشاب، أو بما يسمى بـ"القطيع"، وأنهم متخصصون في التنمية البشرية، وختم بدعوة وزير العدل إلى قوانين ردعية وصارمة ضد السحرة والمشعوذين.