السير بمحاذاة الهلاك... السوشيال ميديا تشجع سياحة المناطق الخطرة والمغامرون لا يأبهون بالموت

منذ 1 سنة 138

في 27 فبراير (شباط) الماضي صمت البريطاني مايلز روتليدج عن التغريد، وهو الذي لم يكن يكف عن مناكفة متابعيه على "تويتر"، والذين يتجاوزون الـ150 ألفاً. الشاب الذي أتم لتوه عامه الـ23، أصبح محتجزاً بين يدي حركة "طالبان"، عاشق السياحة المظلمة والأماكن الخطرة المتطرفة يدفع ثمن تهوره وإخلاصه للمخاطرة مرة جديدة، وبعد أن أنقذه الجيش البريطاني في أغسطس (آب) 2021 من رحلة مماثلة إلى أفغانستان أيضاً أعاد الكرة مجدداً، فهل ستكتب له النهاية السعيدة، لا سيما أن الاختفاء الأول هناك كان قبيل استيلاء حركة "طالبان" على الحكم، أما الآن فالوضع تغير، حيث أعلن عن احتجازه في البلد التي يعيش سكانها تحت قبضة حديدية في كنف الحركة الإسلامية المتطرفة. فمنذ مطلع أبريل (نيسان) الجاري، وحتى الآن، لم يعلن سوى عن تطمينات وتخمينات تشير إلى أنه يتلقى على الغالب معاملة جيدة مع بريطانيين آخرين.
حب المغامرة واحتراف زيارة الأماكن غير الآمنة والقيام بأنشطة تحمل قدراً هائلاً من المغامرة مثل التسلق والتدلي من أماكن شاهقة والذهاب إلى مناطق كثيفة الثلوج وغير مجهزة، أصبح يجد رواجاً كبيراً، حيث يحصد أصحابه علامات الإعجاب بسرعة البرق عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحدث فيديوهاته ضجة في لحظات، وذلك على رغم أن الكوارث تأتي أيضاً أسرع مما يتصور أكثر المغامرين ثقة بأنفسهم.

المغامرات المهلكة

الإنجليزي "الشجاع" الذي لا يزال تحت يدي "طالبان"، ذكر المتابعين بواقعة جرت في عام 1982، حينما قاد عشق المخاطرة مارك تاتشر نجل رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر إلى المشاركة في رالي "باريس داكار" لسباق السيارات، وبعدها اختفى في صحراء الجزائر لمدة ستة أيام عانت فيها العائلة أشد المعاناة، واستعانت تاتشر بمحققين دفعت لهم من مالها الخاص لمحاولة العثور على فلذة كبدها، وبحسب الوثائق التي لم يكشف عن كامل تفاصيلها سوى بعد ثلاثة عقود من الحادثة، فقد شاركت في البحث مروحيات لخمس دول من بينها الجزائر، واللافت أن الشاب الذي كان على وشك الهلاك ومعه اثنان من مرافقيه تحدث عقب إنقاذه عن جمال الصحراء الجزائرية معتبراً أنها "وجهة سياحية خلابة". والقصة وثقها الموسم الرابع من مسلسل "ذي كراون" الذي تناول حقبة تولي تاتشر منصب رئاسة وزراء بريطانيا.

مأساة إنسانية على قمة جبل سياحي

حوادث كثيرة رافقت محبي استكشاف الأماكن الوعرة، ولعل مصر شهدت في نهاية شتاء 2014 واحدة من أكثر تلك الوقائع مأسوية، حيث لقي أربع شبان مصرعهم إثر فقدانهم السبيل وهم أعلى قمة جبال سانت كاترين، ووجدوا بعد أربعة أيام من اختفائهم متجمدين في درجة حرارة 10 تحت الصفر. والتفاصيل تشير إلى أن نحو 10 شباب ذهبوا معاً في رحلة سياحية إلى المنطقة التي تقع في قلب محافظة جنوب سيناء، ولكن على ما يبدو أن منظم السفرية (الدليل) لم يكن لديه خبرة كفاية، فلم يتمكن من حمايتهم في كهوف أو مغارات نظراً إلى قلة علمه بأسرار المكان، بالتالي تقطعت بهم السبل وتفرقوا ولم يميزوا طريقاً للعودة إلى نقطة آمنة بفعل العواصف الثلجية. وعلى رغم أن تلك الرحلات عادة ما تنظم بشكل آمن وشائعة للغاية في "سانت كاترين"، فإن عدم الحرص قد يودي بحياة المشاركين بها إلى التهلكة.

سياحة الكوارث أقل خطورة

الأمر في هذا النوع من السياحة يختلف عن ركوب الأمواج التي هي رياضة تتطلب قدرات خاصة قد تقع معها بعض الحوادث بالمصادفة، وكذلك ركوب المناطيد وسياحة السفاري، أو حتى السياحة السوداء المعنية بزيارة أماكن كانت سابقاً مسرحاً لحوادث مروعة، سواء شهدت هياج براكين أو أي كوارث طبيعية أخرى، أو كانت سجوناً للتعذيب، ومنها المعتقل النازي "أوشفيتز" ببولندا الذي شهد عمليات إبادة ممنهجة، وجزيرة روبين بحنوب أفريقيا التي كانت سجناً شديد الحراسة وموقعاً لاعتقال الزعيم الراحل نيلسون مانديلا فيما مرشدوها السياحيون هم سجناء سابقون ذاقوا الأمرين فيها، الأمر ينطبق على معالم أخرى وبينها سجن شروسبوري بإنجلترا وحطام سفينة تيتانيك، وكذلك معالم الخراب المدمر الذي خلفه مفاعل تشرنوبيل بأوكرانيا، فالكارثة النووية التي جرت 1986 لا تزال آثارها حاضرة، بل وتستقطب الزوار. وعند ذكر أوكرانيا فقد كانت من ضمن المحطات التي أعلن مايلز روتليدج عن زيارته لها في نهاية فبراير من العام الماضي، وذلك عبر الحدود البولندية، وأثارت تغريداته وصوره الجدل حينها بين مؤيد ومعارض، حيث أشار إلى أنه يستمتع على رغم كل شيء، وجاءت تدويناته بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية على الدولة التي لا تزال تقاوم على رغم كل الظروف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


السير على حافة الكارثة

وبعيداً من غرابة تفضيل زيارة أماكن "سوداء" تشهد على مآسي إنسانية، فإن هناك أيضاً من يدفعه الهوس بالمغامرة إلى السير على حافة الكارثة بملء إراداته لعله يصنع قصة نجاة أسطورية تشبع فضوله، وما سرده فيلم "أدريفت" Adrift (بلا وجهة) الذي عرض في عام 2018 يعد من أكثر تلك القصص حزناً، حيث يستند إلى واقعة حدثت بالفعل عام 1983 بطلتها تامي أولدهام التي روت الحكاية في كتاب حمل عنوان "السماء الحمراء في الحزن"، فلم تمكن من قول الأهوال كاملة إلا بعد مرور ما يقرب من 20 سنة على ما حدث، حيث صدر الكتاب عام 2002، وتشير التفاصيل إلى أن تامي قررت أن تسافر في رحلة سياحية مع حبيبها ريتشارد شارب، ويبحران معاً إلى المحيط الهادئ في عطلة رومانسية بعيدة عن الصخب، ولكن إعصار ريمون كان بانتظارهما، وهو واحد من أعتى وأشرس الأعاصير، وبين الأمل واليأس تدور الأحداث، فالرحلة استمرت طويلاً من دون أدوات ملاحة لتحديد الوجهة، وفي النهاية تفقد البطلة حبيبها متأثراً بالظروف القاسية فيما هي تنجو بعد أن خاضت أسوأ تجربة سياحية في حياتها، فلم يعتمدا في أثناء المغامرة سوى على نفسهما فقط ولم يستعينا بمتخصصين أو يبذلا جهداً في تأمين احتياجاتهما بصورة أكبر. وحرص الفيلم على رصد الهلوسات الجنونية التي انتابت الثنائي بعد أن تيقنا من شبه استحالة النجاة وأظهر مشاعرهما المتدفقة وهما على وشك الموت، وهي الهلوسات التي رصدها أيضاً بعمق فيلم "127Hours " في عام 2010، الذي قام ببطولته جيمس فرانكو حول قصة حقيقية للمغامر ومتسلق الجبال أرون لي رالستون الذي كاد يفقد حياته في عام 2003 حينما ذهب في رحلة للتنزه والاستكشاف والتسلق في ولاية يوتا الأميركية، ولكن هوايته المفضلة كانت الاستمتاع بالأجواء دون إخبار أي أحد عن تفاصيل وجهته، لكن هذه المرة الأمور لم تسر كالمعتاد، حيث حشرت ذراعه تحت صخرة عملاقة، وفشلت كل محاولاته التي استعان فيها بمعداته البسيطة في انتزاعها فيحاول توثيق ما مر به من خلال كاميرا فيديو صغيرة يحملها، وتمر الأيام بين المقاومة والاستسلام، وتتخلها هلوسات عن مستقبله المظلم، ولكن في النهاية يتخذ قرراً ببتر ذراعه، وبعدها يحاول التحرك بعيداً بعد أن خارج قواه إلى أن تجده عائلة كانت تتنزه في رحلة سياحية، ومن ثم تحضر السلطات على الفور لإنقاذه، وقد كشف أرون عن تفاصيل ما عايشه في كتاب حمل بعض من سيرته بعنوان "بين صخرة ومكان صعب"، صدر عام 2004، فيما رشح الفيلم لست جوائز أوسكار، وهو من إخراج داني بويل.

وجهات الموت والرعب

وفي الوقت الذي يفضل فيه معظم الناس الاستمتاع بالطقس المعتدل والمناظر الجميلة والأماكن الآمنة في العطلات يختار آخرون وجهات غير تقليدية بالمرة على رغم تصنيفها ضمن الأشد خطورة، وبينها "وادي الموت" بكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهي منطقة صحراوية شديدة الحرارة، حيث قد تتجاوز الـ60 درجة مئوية، وسميت هكذا لأن لا أحد يصمد فيها أكثر من نصف يوم بسبب صعوبة أجوائها، ومع ذلك يشهد الوادي الذي يتمتع بظواهر جيولوجية فريدة توافد الزائرين الذين يزيد عددهم على المليون سنوياً.
وعلى النقيض وبالولايات المتحدة أيضاً، يسافر السائحون إلى جبل واشنطن ويخوضون مغامرات قاسية للوصول إلى قمته على رغم التحذيرات المتوالية، إذ تصل سرعة الرياح هناك إلى 376 كيلومتراً في الساعة، وفي حين لقي البعض حتفهم جراء الرياح العاتية والبرودة التي قد تصل إلى 45 درجة مئوية تحت الصفر، فإنه من الوجهات السياحية التي تستقطب المتسلقين ويستقبل نحو 50 ألف مخاطر سنوياً.
كذلك لم يتوقف السائحون عن استكشاف قرية ماوسينرام الهندية، المكان الأكثر رطوبة بالعالم، نظراً إلى تعرضه لأمطار غزيرة تحقق أرقاماً قياسية، وبسبب تلك الأجواء يتعرض زائروه وسكانه لنوبات من الاختناق، لا سيما كبار السن، كما أن الآلاف يزورون بشكل مستمر "حفرة الجحيم" بتركمانستان، وهي حفرة بعمق 20 متراً مشتعلة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتشكل زيارتها خطورة بالغة، إذ قد تهوي بمن بجوارها في أي لحظة، بينما يخاطر أكثر من 25 ألفاً بحياتهم سنوياً للسفر بالدراجات عبر طريق يونغاس، أو "طريق الموت"، الواقع في بوليفيا، فعرضه لا يتخطى ثلاثة أمتار ونصف المتر، فيما يمتد ارتفاعه إلى أكثر من 5000 ألف متر، حيث يفقد المئات فيه حياتهم سنوياً، مدفوعين بروح الإثارة والمغامرة.
وتندرج في لائحة الوجهات السياحية الأشد خطورة أيضاً أماكن مثل "جزيرة الأفاعي" بالبرازيل، و"بحيرة الدم" في تنزانيا، وكهف "ساك أكتون" المائي بالمكسيك، وشاطئ "نيو سميرنا" بفلوريدا الأميركية، المليء بأسماك القرش.