السياحة تجدد شباب "السكن التشاركي" القديم في السعودية

منذ 2 أشهر 42

قد يجهل بعضهم أن السعوديين بدأوا فكرة السكن التشاركي منذ عقود، وهذه الفكرة تعود بجذورها لمواسم الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ القدم، إذ كان المطوفون يقومون بأدوار عدة ليس فقط كمرشدين للحجاج، ولكن أيضاً كمضيفين يقدمون لهم السكن في منازلهم في وقت لم يكن معروفًا هذا النظام على نطاق واسع، لأنه كان محصوراً في منطقتين رئيستين.

وخلال الأعوام الأخيرة ومع التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد في مجال السياحة، بدأ السعوديون بتطوير أساليب جديدة للسكن التشاركي، فمنهم من يستضيف بمنزله الخاص السائح في مقابل رمزي كفرد من أفراد العائلة، مما يمنحه تجربة ثقافية غنية، ومنهم من اتجه الى منصات التأجير الإلكتروني.

وفي هذا الصدد ظهرت منصات محلية عدة، إلا أن كثيرين ظلوا يعتمدون على المنصات العالمية كونها معروفه لدى السائح الأجنبي، في حين يتوقع الخبراء نمو هذا القطاع مع استضافة البلاد مناسبات عالمية خلال الأعوام المقبلة.

استضافة بلا مقابل

أصبح من الشائع في السعودية أن يستضيف المواطنون السياح في منازلهم الخاصة، مما يتيح تجربة فريدة تعكس كرم ضيافة المجتمع السعودي، إذ يتشارك السائح مع مضيفه جميع جوانب الحياة اليومية، بدءاً من تناول الوجبات المشتركة إلى السكن مع الأسرة، غير أن اللافت أن هذه الضيافة تكون من دون مقابل مادي في بعض الأحيان.

واستحوذت "المساكن الخاصة" على نسبة لا بأس بها من خيارات السكن للسياح الوافدين إلى السعودية، بحسب آخر تقرير إحصائي صدر من وزارة السياحة السعودية لعام 2023، إذ شكل السكن الخاص 21 في المئة من خيارات السكن للسياح الوافدين إلى البلاد، ويقصد بها مساكن الأقارب أو الأصدقاء.

وتروي رهف يزيد، وهي طالبة في قسم اللغة الصينية بجامعة الملك سعود، أنها التقت خلال جولتها في معرض الكتاب بالرياض مجوعة من الزوار الصينيين كانوا من دار نشر شهيرة أتوا لتقديم أعمالهم الأدبية واستكشاف الثقاقة السعودية، فانتهزت الفرصة للتحدث مع معهم وممارسة لغتها الصينية، وحينها لاحظت أن تفاعلها كان ممتعاً للجميع فقررت دعوتهم إلى اكتشاف المدينة بشكل أعمق، وعرضت عليهم الإقامة في منزل عائلتها بلا مقابل مادي، مما دفع الزوار إلى تمديد رحلتهم، وخلال الأيام التالية أخذت رهف ضيوفها في جولات شملت الأسواق التقليدية مثل المتحف الوطني وسوق الزل والحمام، لدرجة أنها تقول "عائلتي استقبلوهم بحرارة وشاركونا يومنا كجزء من العائلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إقبال قوي  

ومع تزايد الاهتمام بالسياحة في البلاد بدأ كثير من المواطنين السعوديين في استغلال الفرص التجارية المتاحة من خلال منصات التأجير مثل Airbnb ونظيرتها المحلية "جاذر إن"، في وقت بلغ فيه عدد السياح عام 2023 بحسب وزارة السياحة السعودية 27.4 مليون سائح وافد من الخارج، من أصل 109 ملايين في الداخل والخارج قدموا للسياحة في السعودية العام الماضي.

هذا الإقبال الكبير أدى إلى زيادة الطلب على أماكن الإقامة مما دفع المواطنين لعرض منازلهم أو شققهم للإيجار عبر منصات متخصصة في هذا المجال، على رغم أنه لا يزال في مراحله الأولى قياساً بتوقعات المهتمين لنشاط الحركة السياحية في الإقليم.

وأعاد المتخصصون أسباب ذلك لتنوع مناخ وتضاريس السعودية والمواسم الترفيهية والمناسبات الرياضية والثقافية فيها إلى جانب استعدادها لاستضافة أحداث عالمية الكبرى مثل "كأس آسيا 2027" و"إكسبو 2030" و"كأس العالم 2034"، وهي بعض الفعاليات التي ينتظر أن تضاعف الطلب على الإقامة الفندقية وغير الفندقية.

ويعلق فواز الشلاحي، وهو مدون وصانع محتوى في مجال السفر والسياحة، بأن "قطاع السكن التشاركي بمعنى تأجير جزء من المنزل له مستقبل كبير في السعودية ولا يزال في بداياته، ويتوقع أن نشهد مواكبة كثير من المطورين العقاريين ذلك بإنشاء وحدات سكنية تتناسب مع يبحث عن الاستثمار في مجال السكن التشاركي".

أما بالنسبة لتفضيلات المواطنين فيعلق الشلاحي بأن Airbnb يتفوق بالأقدمية وسمعته الكبيرة حول العالم، فالسائح الأجنبي القادم للسعودية قد لا يستخدم "جاذر إن" بسبب عدم معرفته بالتطبيق "لذلك أتمنى من 'جاذر إن' السعي إلى التوسع عالمياً، وتفعيل تسويق خدماته من طريق معارض السفر والمطارات، والتركيز أكبر على الأسواق المستهدفة"، وهو ما قال التطبيق السعودي إنه يستهدفه بعد مضي وقت من توسعه دائرة عملائه المحليين.

ولكون منصة Airbnb غير مسجلة في السعودية رسمياً، فإن حقوق المالك والمستأجر تجري بحسب السياسات والاتفاق الموقع بين المالك والمنصة، وبحسب عقد الإيجار بين المنصة والمستأجر، ولو حصل أي خلاف بين الطرفين فهم يعودون للمنصة نفسها، وذلك بحسب إجابة وزارة السياحة عن أسئلة "اندبندنت عربية" حول حقول المستخدمين لهذا التطبيق.

بدأت من الطوافة

منذ أواخر القرن السابع الهجري، الـ 12 الميلادي، بدأت مهنة الطوافة وكانت أكثر من مجرد توفير خدمات دينية للحجاج، إذ توارث المطوفون وهم أفراد توارثوا المهنة جيلاً بعد جيل في مكة المكرمة والمدينة المنورة خدمة الحجاج منذ وصولهم الى مكة وحتى مغادرتهم، وقد تمت أخيراً مأسسة تلك الخدمات ليصبح للطوافة مؤسسات تتسم بمزيد من الحوكمة والفعالية بإشراف وزارة الحج السعودية.

وقد كان الحجاج عندما يصلون إلى مكة يتحول لهم بيت المطوف إلى منطقة استقبال قبل أن ينتقلوا الى مساكنهم الخاصة، إذ يروي المطوف وجدي محمد، وهو من مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا، كيف كانت الطوافة قبل 50 عاماً عندما كانت تقوم على مجهودات فردية من قبل المطوف.

ويقول في حديث مع وكالة الأنباء السعودية، "كان يناط بالمطوف حينها السفر للدول قبل فترات طويلة وإحضار الحجاج ومن ثم استقبالهم وتسكينهم في منزله، وتقديم الطعام لهم مما يطبخه أهل البيت واصطحابهم في رحلة الحج حتى مغادرتهم".

ويؤكد أنه كان يغلب على تقديم الخدمة طابع الحميمية والعلاقات الأسرية التي تتكون بحكم التعارف والتعايش سوياً طوال فترة الحج، حتى إن الحاج يعد أحد أفراد أسرة المطوف.

ويضيف وجدي أنه "مع التطور الكبير وزيادة أعداد الحجاج تطورت علاقة الحاج بالمطوف من شكله الفردي الاجتهادي إلى شكل مؤسسي منظم تقدم فيه الخدمة بترتيب وتنظيم عال، من دون المساس بالعلاقة الشخصية التي بقيت تربط المطوف بالحاج وإن كانت بشكل أقل بحكم زيادة الأعداد".