أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وخدمة كوبرنيكوس الأوروبية للأرصاد الجوية أنهما أصبحتا تمتلكان ما يكفي من المعطيات لإعلان أن يوليو (تموز) 2023 "أحر شهر سجل على الإطلاق"، وذلك بعد أسابيع من الحر الشديد الذي عانته عدد من عواصم القارة العجوز ومناطق أخرى من العالم بالتزامن مع انتشار حرائق مدمرة، خصوصاً في حوض المتوسط وكندا.
بينما تتمتع منطقة جنوب السعودية صيفاً بمقومات سياحية مناسبة، وتتضمن تنوعاً ثقافياً وتراثياً وطبيعة خضراء ودرجات حرارة منخفضة، إلا أن بعض السعوديين فضل السياحة الأوروبية على المحلية، على رغم التحذيرات عن حرارة الأجواء فما الأسباب؟
سياحة متكاملة
يقول المتخصص الاقتصادي سليمان العساف لـ"اندبندنت عربية" أن "اتجاه السعوديين للسياحة خارجها له أهداف مختلفة عدة، أولها استكشاف أماكن جديدة والتمتع بالأجواء الأوروبية عامة بغض النظر عن موجة الحر التي تجتاح المنطقة، إضافة إلى التسوق وسهولة الوصول إلى الخدمات في بلد متطور يملك البنية التحتية الجيدة، فكل ما يريده السائح يجده في أوروبا. أما جنوب السعودية فلدينا المناظر الطبيعة، لكن ما زالت الخدمات لا ترقى إلى المستوى المأمول".
ويستطرد العساف "الأمر الآخر أن الناس يعشقون التباهي، فهناك اختلاف من يقول أنا متجه إلى أوروبا عمن يقول أنا متجه إلى جنوب السعودية من أجل التباهي والتفاخر".
حجم الإنفاق
تشير بيانات ميزان المدفوعات من البنك المركزي السعودي إلى ارتفاع إنفاق السعوديين على السفر للخارج بنسبة 310 في المئة خلال الربع الرابع من 2022 إلى 7.16 مليار دولار، مقارنة بالربع المماثل من 2021، فيما ارتفع بنسبة 1348 في المئة مقارنة بعام 2020.
وعن حجم إنفاق السياح السعوديين في الخارج يقول العساف نتمنى أن يقتطع ما لا يقل عن نصف هذه المبالغ في دعم السياحة الداخلية، فالسياح السعوديون مثلهم مثل غيرهم من الخليجيين ينفقون أكثر من المتوسط العالمي، فتسوقهم مختلف ويبحثون عن المطاعم وأماكن الترفيه وأماكن جديدة لا تتوفر في جنوب البلاد.
يضيف "نأمل في المستقبل أن تكون هناك أماكن أفضل، خصوصاً أن الدولة ستضخ مئات المليارات في قطاع السياحة خلال العقد المقبل لجذب السياح من أجل إنعاش السياحة الداخلية وتعظيم الفائدة المحلية وإعادة تدوير الأموال بالداخل السعودي".
مقارنات وتحديات
ويرى الكاتب والمتخصص في السياحة والسفر ثامر الحربي أن "السعوديين يسافرون إلى أوروبا بهدف اكتشاف قارة مختلفة في طبيعتها وثقافتها، وهي تعد نقاط جذب سياحية".
يضيف "هناك قلة في الخيارات المطروحة خلال التجارب السياحية جنوب السعودية، إذ إنه في أوروبا تستطيع أن تعيش تجربة سياحية متكاملة، في يوم تعيش تجربة التخييم بين الطبيعة، واليوم التالي تكون في أفخم الأسواق العالمية للتسوق، واليوم الثالث تكون في منطقة أثرية، وهذا ما يجذب السياح في أوروبا كونها وجهة سياحية مترابطة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد الحربي "أن جنوب السعودية يمتلك المقومات الطبيعية والسياحية التاريخية والتراثية، ولكن من أبرز التحديات التي تواجه السياحة جنوب السعودية هي ضعف البنية التحتية".
وأشار الكاتب أحمد الجبير في مقالة منشورة له عن التحديات التي تواجه السياحة الداخلية، وعد منها ارتفاع الأسعار، إذ يقول "قضاء يوم واحد في أحد الفنادق المحلية يكلف المواطن مبلغاً مالياً وقدره، وقد يتجاوز ما يصرفه في أحد الفنادق الخارجية لأيام عدة، مما أدى إلى ابتعاد كثير من المواطنين عن السياحة الداخلية والتوجه لنظيرتها الخارجية نظراً إلى غلاء الأسعار وانخفاضها في فنادق الدول الأخرى، وتوفر جودة الخدمة المقدمة ووسائل النقل وبرامج الترفيه".
يضيف "السياحة الداخلية غير موجهة للمواطن السعودي على عكس نظيرتها الخارجية، إذ يقوم عديد من وكالات السياحة داخل السعودية بالترويج للسياحة في الدول العربية والإسلامية والأجنبية، وبأسعار مخفضة تنافس السياحة المحلية، وجذب المواطن عن طريق العروض التسويقية والإعلانات، مما جعل المواطن يبتعد عن السياحة الأولى".
وعن أسباب ارتفاع الأسعار
وعن أسباب غلاء الأسعار بالمناطق السياحية جنوب المملكة قياساً بنظيرتها في أوروبا، أرجعها الحربي إلى "أن غياب المنافسة وقلة المعروض في الخدمات السياحية له الأثر في ذلك، ومع غياب بعض الخدمات في المدن المحلية وارتفاع أسعارها بعضها من ناحية أخرى، نجد أن ثقة السائح المحلي لم تكسب بعد".
وجهات سعودية باردة
تعد مدن وقرى جبال السروات الممتدة من محافظة الطائف شمالاً وحتى مدينة أبها جنوباً ضمن المزارات السياحية الصيفية، بسبب أجوائها الباردة وتضاريسها الجبلية التي تكسوها أشجار الصنوبر البري.
ومنها مدينة الباحة جنوب غربي السعودية، التي تقع على ارتفاع شاهق في منطقة الحجاز وتعد مقراً للأبراج العالية والغابات الخضراء الكثيفة والوديان الملتوية وأجوائها الباردة.
وتشتهر منطقة عسير بطبيعتها وأجوائها المميزة والباردة في المواسم كلها، ويوجد بها أكثر من 4 آلاف قرية تقليدية ومئات المواقع الأثرية، وتتنوع فيها التضاريس والأماكن المهيأة للاستثمار السياحي.
وتمتلك مدينة أبها موقعاً مثالياً جنوب غربي السعودية، على ارتفاع 2200 متر بين قمم جبال السروات، إذ يمنح موقعها فرصة معانقة السحاب والتجول بين قممها الجبلية مترعاً بالدهشة والانبهار، فيما تنتقل عبر أزمنة تتجاوز مئات السنين عند مشاهدة القلاع والقصور المشيدة من مكونات بيئتها البكر، ومع مناورات الضباب وظهوره حتى في فصل الصيف، لن يمنعك ذلك من اكتشاف سهولها ومنحدراتها وتنوعها الثري.
وتعتبر طرق الطائف الجبلية الطويلة والمتعرجة مقدمة مثالية لهذه المنطقة الفاتنة، مروراً بأسواق الفاكهة ومزارع الورد والأودية العميقة قبل الوصول إلى الهضبة التي تقع عليها الطائف. وترتفع عن سطح البحر نحو 1700 متر، ويزداد ارتفاعها كلما اتجهت نحو مناطقها الريفية جنوباً، حيث مزارعها الغنية وتقاليدها المليئة بالحياة ليصل ارتفاعها إلى 2400 متر.
مدينة الطائف التي غالباً ما يشار إليها باسم مدينة الورد، تشتهر بالزهور العطرة الشهيرة التي تنمو في الوديان والجبال المحيطة بها، وبفضل ارتفاعها فإنها بمثابة ملاذ بارد من الطقس الحار. تزدهر الطائف إلى حد بعيد في أغسطس، فهو توقيت مهرجان سوق عكاظ الثقافي ومهرجان ولي العهد للإبل.
تتسم أيضاً بفرص كبيرة وواعدة في مجال السياحة، وتشتهر بأسواق الفاكهة والوديان ذات المناظر الخلابة، وتعد خياراً هادئاً ومريحاً لتمضية موسم الصيف.
بدورها كشفت الهيئة السعودية للسياحة في مايو (أيار) الماضي عن برامج حملة صيف السعودية تحت شعار "لا تروح بعيد.. روح السعودية"، وتهدف إلى تقديم مجموعة واسعة من العروض والمنتجات السياحية المميزة، لإبراز تنوع الوجهات الصيفية (الجبلية والبحرية)، وما تتضمنه من فعاليات وأنشطة نوعية لجذب الزوار من الداخل والخارج، إذ تستهدف الحملة عدداً من الأسواق العالمية.
تأسيس شركة "أسفار" للاستثمار السياحي
من جانبه أعلن صندوق الاستثمارات العامة الأسبوع الماضي تأسيس الشركة السعودية للاستثمار السياحي "أسفار"، وتهدف إلى تعزيز قدرات القطاع السياحي المحلي والاستثمار في إنشاء المشاريع السياحية بمختلف مدن السعودية، والعمل على تطوير الوجهات الجاذبة في قطاعات الضيافة والترفيه والتجزئة والأغذية، إلى جانب الاستثمار في منظومة السياحة المحلية.
وستعمل "أسفار" على تمكين القطاع الخاص من خلال استثمارات مشتركة واستحداث فرص للمقاولين والموردين المحليين، إضافة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة للمساهمة في تطوير المشاريع والوجهات السياحية وخلق بيئة تنافسية، مما سيسهم في تحسين نوعية وجودة الخدمات المقدمة.
وستشمل خطط شركة "أسفار" مختلف مناطق السعودية باختلاف تضاريسها وثقافاتها، مما يعزز تنويع وإثراء التجارب السياحية واستقطاب سياح الداخل والخارج، والمساهمة في تحقيق مستهدف رؤية السعودية للوصول إلى 100 مليون زائر بحلول عام 2030.