من يراقب سلوكَ السعوديين اليوم في التعاطي مع ما تتعرَّض له بلادهم من حملات إعلامية أو هجمات مُنظّمة، يُدرك حقيقةَ بلوغِهم مستويات عاليةً من الثقة بالنفس، لدرجة أنَّ رأياً عابراً، وإن كانَ يتجاوز النقد إلى القدح، أو يتجاوز المقبول إلى اللامقبول، لن يتوقفوا عنده كثيراً، أو ربما لن يلتفتوا إليه أصلاً، وما كان يستفزهم في الماضي بدافع من الوطنية أصبح لا يعنيهم في الحاضر بدافع من الوطنية أيضاً، فالسعوديون عايشوا خلال السنوات القليلة الماضية حملاتٍ إعلامية شعواء، لو استهدفت أي دولة أخرى غير السعودية لكانت قد نالت منها أو أثّرت عليها، غير أنَّها لم تزد السعودية إلا قوة وثباتاً ورسوخاً بفضل من الله، ثم بفضل قيادة واثقة استطاعت أن تحوّل كلَّ ذلك إلى فرص نجحت معها في تحقيق مكاسب سياسية تليق بمكانتها وثقلها في المنطقة والعالم، فهل أصبح السعوديون غير مكترثين فعلاً بما يُقال عنهم، أم أنَّ الأمر يتعلق بما وصلوا إليه من مناعة ذاتية تجاه محاولات الاستهداف والتجريح؟
عدم الاكتراث ليس دليلاً على الأنا الفوقية أو الشوفينية التي نراها في بعض القوميات أو الشعوب، بل هو لأنَّ السعوديين لا يملكون الوقت للنظر إلى الخلف، فالمزاعم التي يُثيرها البعض اليوم بشأن «تحسين الصورة» لا تتجاوز التنظير؛ لأنَّ الأهم هي الصورة التي يعيشها ويعايشها اليوم المواطن والمُقيم والزائر، الذين يقفون أمام نموذج سعودي جديد وفريد، قوامه الإيمان بالله والاعتزاز بالهوية الوطنية الإسلامية العربية، والثقة المُطلقة بالقيادة السياسية، وما يتبع ذلك من استقرار على كل الأصعدة ومشاريع تنموية عملاقة ومنجزات ملء السمع والبصر في عالم مضطرب ومنطقة ترزح تحت أتون الفتن والانقسامات.
الشعور بعدم الاكتراث، وكيف ينظر إلينا الآخرون، تحول لدى السعوديين إلى كيف نرى نحن العالم والمستقبل، وكيف يمكن أن نؤثر فيه عبر رؤيتنا التي أصبحت نموذجاً يحتذى، وهو ذات التوجّه الذي سعى عرّاب «رؤية 2030» وحارسها الأمين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى ترسيخه في لقائه مع شبكة «فوكس» حين ردّ على نموذج من ذلك التشغيب الذي نسمعه كثيراً بعبارة «we don›t care»... ونحن كما قال ولي العهد لا نكترث إلا بأنفسنا ونجاحاتنا. وفي ذات الوقت، يدنا ممدودة للشراكات والتعاون وتحسين مستقبل العالم، وكان آخر ذلك ما قاله أيضاً وزير الدولة للشؤون الخارجية والمبعوث الخاص بالمُناخ، عادل الجبير، في تعليقه بمؤتمر «دافوس» تعليقاً على مخزون اليورانيوم السعودي الذي تم تداول الأخبار بشأنه حيث قال: «لا يتعلق الأمر بتغيير الصورة عنّا بل بتحسين كوكبنا وجعله أكثر أماناً لأبنائنا وأحفادنا».
الثقة العالية لدى السعوديين بأنفسهم لم تأتِ من فراغ، وعدم الاكتراث ليس رديفاً للإهمال أو التعالي، بل هو إيمان قوي وصلب كجبل طويق الذي نستعيره للدلالة على الرسوخ للمكانة الاستثنائية التي وصلت إليها المملكة العربية السعودية، وهي أيضاً سلوك اكتسبناه من المواقف الصلبة لولي العهد وحديثه الواثق بالله وبالوطن وأبنائه، كما الحال مع مقدرات هذه الأرض وهويتها التي تعانق الجغرافيا فيها التاريخ كونها قبلة الإسلام والمسلمين وملاذ الحضارة العربية ومقدراتها المتجددة من الطاقة والفرص الاقتصادية والاستقرار السياسي والأمان الذي نفاخر به العالم.
صعود السعودية اليوم هو حصيلة الأرقام، وليس الأوهام، والرياض اليوم هي عاصمة الأمل للشرق الأوسط، وبوصلة النجاح في ريادة الأعمال والمال والمشاريع العملاقة للعالم كله... لذلك ببساطة؛ نحن لا نكترث!