كشفت هيئة التراث في السعودية أمس الإثنين عن استعادتها قطعا أثرية من أميركا وبريطانيا، ضمن أكثر من 54 ألف قطعة مفقودة في الداخل والخارج، تتنوع ما بين نقوش صخرية، وقطع فخارية، وعملات معدنية.
وأكد جاسر الحربش الرئيس التنفيذي لهيئة التراث في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن وزارة الثقافة تتولى ملف الآثار المستعادة وتعتزم نشر ملف يوضح بالتفصيل القطع الأثرية المستعادة وطرق التوصل إليها.
جهود لاستعادة الآثار
وفي سياق متصل، قال مدير عام قطاع الآثار في هيئة التراث السعودية عبدالله الزهراني إن القطع المفقودة خرجت بطريقة غير نظامية قبل تأسيس "الإدارة العامة للآثار" عام 1964، ويصل عددها إلى أكثر من 32 ألف قطعة.
وقال الزهراني على هامش مؤتمر دولي للتراث في جدة غرب البلاد إن عدم وجود أنظمة تمنع إخراج القطع الأثرية من البلاد أدى إلى خروج العديد منها عن طريق الشركات التي عملت مع شركة "أرامكو"، قبل أن تبادر بإعادتها، لافتاً إلى أن السعودية كرمت أفراداً سلموا بعض القطع لسفارات البلدان التي يقيمون فيها.
وصرح المسؤول السعودي لـ "اندبندنت عربية" بأن الولايات المتحدة وبريطانيا من أبرز الدول التي تتواصل معها بلاده لاستعادة آثار تخص السعودية، لافتاً إلى أن هناك دولاً أخرى تعتزم الرياض مخاطبتهم بهذا الشأن.
وتعمل السعودية على استعادة آثارها معتمدةً على قوانين اليونيسكو التي تنص على إعادة القطع الأثرية إلى بلدانها الأصلية، ومنها اتفاقية التراث الثقافي لعام 1970، التي تنص على أحقية الدول في استرجاع آثارها التي خرجت ما قبل هذا التاريخ، وأما في ما يخص الآثار التي خرجت بعد الاتفاقية، فيمكن استرجاعها عبر المفاوضات.
وبدأت أبرز جهود السعودية لاستعادة تراثها في عام 2011 مع إطلاق "حملة استعادة الآثار الوطنية" ومن أشهر الآثار التي تسعى البلاد الى استعادتها "مسلة تيماء" التي تعرض في متحف اللوفر في فرنسا.
مؤتمر دولي للتراث
وجاء الكشف الأخير بالتزامن مع تنظيم السعودية "المؤتمر العلمي للتراث الثقافي المغمور بالمياه" بجدة أمس الإثنين 15 يناير والذي يهدف لاكتشاف الآثار الغارقة في مياه البحر الأحمر والخليج العربي وفي مقدمتها حطام السفن الذي يعود بعضها إلى القرن الـ 18 وفقاً للبضائع التي كانت تحملها وتنوعت ما بين توابل وجرار الأمفورات الرومانية وغلايين دخان من الفخار والخزف الصيني.
وشارك في المؤتمر عدد من المتخصصين من دول عربية وعالمية منها الولايات المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة والأرجنتين وإيطاليا وسلوفينيا والمكسيك وكوريا الجنوبية ومصر والجزائر ولبنان وبلغاريا وأستراليا، لمناقشة الدراسات الخاصة بهذا التراث والمشاريع البحثية، وتسليط الضوء على ضرورة الحفاظ على معالم التراث المغمور بالمياه.
وناقش الباحثون المشاركون في جلسات المؤتمر الحوارية عدداً من المحاور، إذ تناول المحور الأول "مشاريع مسح التراث المغمور في السعودية"، بينما تناول المحور الثاني "نتائج مشروعات مسح التراث المغمور حول العالم"، وفي المحور الثالث ناقش المشاركون "مصادر البحث الأثري والتقنيات الحديثة في المسح والتنقيب عن التراث المغمور بالمياه"، ونوقش أيضاً "بناء القدرات وإدارة التراث الثقافي المغمور بالمياه" في المحور الرابع والأخير.
وقال مدير عام قطاع الآثار في هيئة التراث السعودية إن التراث الثقافي في السعودية جزء منه المغمور بالمياه فالبلاد لها حدود بحرية من الغرب البحر الأحمر ومن الشرق الخليج العربي وخلال العصور القديمة كان هذان الشريانان الوحيدين لنقل التجارة من الشرق والغرب وكانت تلك السفن تأتي من بحر العرب لتطرح تجارتها في الموانئ وتأتي القوافل التجارية تنقل البضائع عبر محيط من الرمال باتجاه المراكز الحضارية وسط الجزيرة العربية وفي غربها وشرقها، ومن عبر تلك الموانئ تذهب البضائع إلى بقية دول العالم، وخلال تلك الرحلات البحرية كانت السفن قد تتعرض الى أعطال فنية وتتعرض لاصطدام في الشعب المرجانية لتسقط في قاع البحر".
وذكر الزهراني "أن الأعمال التي تمت خلال الفترة الماضية من بعاث غوص وعمليات رصد كشفت عن الكثير من المواقع الأثرية كشفت عن كميات كبيرة من السفن الغارقة في المياه بكامل حمولتها من قطع فخارية في مياه البحر الأحمر امتداداً من فرسان جنوباً حتى حقل مروراً بالقنفذة والشعيبة بجدة وأملج ورأس الشيخ حميد، وكذلك رصدت عدداً كبيراً من السفن الغارقة في شرق البلاد في أعماق الخليج العربي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "عمليات البحث عن الآثار الغارقة واكتشافها عملية ليست سهلة كونها تتطلب غواصين متخصصين ووسائل بحرية متمكنة تساعد فريق البعثة على القيام بعمليات الغوص المتكررة للبحث عن السفن والمواقع المغمورة والتي تتطلب إقامة الفريق لمدة أسبوعين في مياه البحر".
مسح التراث البحري في نيوم
وقدمت هيئة التراث خلال المؤتمر ورقة علمية تظهر نتائج أول مسح منهجي وواسع النطاق في نيوم للبحث عن الآثار الغارقة في البحر الأحمر، والتي استعرضت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة نيوم خلال العصور القديمة المتأخرة وأواخر فترة ما قبل الإسلام.
وكشف المسح الذي أجراه فريق من متخصصي الجيوفيزياء وعلماء الآثار في نيوم عن كمية كبيرة من جرار الأمفورات الرومانية المتأخرة من مختلف المواقع المغمورة والجزر وحطام السفن. وتعد مواقع حطام السفن دليلاً قاطعاً على ارتباط تجارة البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي خلال العصور القديمة، مما يؤكد على الاتصالات والتفاعلات المكثفة بين جنوب البحر الأحمر (أدوليس، إمبراطورية أكسوم، جنوب الجزيرة العربية) وشمال البحر الأحمر (مناطق نيوم وخليج العقبة)، والتي تظهر مدى التجارة والصلات بين الإمبراطورية البيزنطية ودول البحر الأحمر والمجتمعات الساحلية والمحيط الهندي خلال تلك الفترة.