الساعة المختلّة

منذ 1 سنة 201

على مدى السنين وأنا أبذل جهداً مهنياً حقيقياً لتفادي الكتابة عن الشؤون اللبنانية. أولاً، احتراماً لجريدة يقرأها العرب في كل الأرض، ولهم أولوياتهم التي لم تعد ترهات لبنان السياسية من بينها. وثانياً، لأن أخبار لبنان لا تتغير، مثل البحث عن رئيس حكومة يتلقى إهانات رئيس الجمهورية. وثالثاً، لأن لدى الشعوب الأخرى قضايا حياتية أكثر أهمية بكثير من صورة رئيس الجمهورية مكفهراً على الدوام يستقبل رئيس الحكومة 16 مرة متتالية ليبلغه أنه غير راضٍ عن التشكيلة الوزارية التي يحملها. ففي هذا السلوك الكيدي احتقار للوطن، والدولة، وجميع الشعب، وليس لسعد الحريري، أو نجيب ميقاتي.
رغماً عني أعود أحياناً إلى المسائل اللبنانية عندما تُلزمنا بذلك تفاهة الأخبار ومهازل الانقسام وظواهر الانحطاط والانهيار، خصوصاً الأخلاقي. وأنا لم يعد يفاجئني أي انقسام أو نزاع أو ارتكاب أو حقد أو صراع أو تفاهة. لكن أن ينقسم اللبنانيون، بهذه الحماسة والشراسة، بسبب التوقيت الصيفي، فهذا أمر تعدّى حتى مستويات الهبوط اللبناني. وتخطى «تتفيه الشر» الذي تحدثت عنه حنة أرندت في دراسة الجانب التمساحي في النفس البشرية.
لا يخفف من وطأة هذه السماجة تحويلها إلى هزل ونكات ونقد ضاحك لبكائيات البلد. جوهر المسألة لا يزال نفسه، وهو أن اللبناني ليس مستعداً للتأمل لحظة واحدة فيما هو أمامه قبل أن يندفع خلف نداءات الانقسام والتفكك. شعب منهوب، جائع، يقفز فوراً إلى حلبة الصراع بسبب ساعة لا شأن له في تقديمها أو تأخيرها. وقرار اتخذته الحكومة «لمساعدة الصائمين» وكأن السعودية ومصر وإندونيسيا لا تريد مساعدة صائميها. كان الأحرى بالحكومة أن تساعد الصائم في تدبير إفطار وتوفر الخبز ومساعدة دور العجزة، في رد ظلم الشيخوخة، وظلم الدولة، واحتقار السياسيين لآلام الناس.
قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية الزائرة إنها تستنكر لا مبالاة المسؤولين والسياسيين عموماً تجاه ما يجري لبلدهم. وقد وصلت من واشنطن بالتوقيت العالمي، وغادرت بتوقيت بيروت، والفارق ألف عام. لو كانت المسألة هي حقاً الصوم، لاعتمدت الحكومة توقيت مكة وجنبت لبنان والمسلمين هذه الصورة. اتقوا الله فيما أنزلتم ببلدكم.