تتجه النساء في المغرب إلى تفضيل الدخول في تجربة الزواج المختلط أكثر من الرجال، خصوصاً من الأزواج ذوي الجنسية الفرنسية في مرتبة أولى والجنسية السعودية في رتبة ثانية، ثم التركية في مركز ثالث.
هذا المعطى الذي أعلن عنه تقرير حديث للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب، كشف أيضاً عن أن نسبة الزواج المختلط عادت للارتفاع عام 2021 بعدما شهد انخفاضاً خلال فترة جائحة كورونا.
وفي وقت تروى قصص نجاح الزواج المختلط، سواء زواج مغاربة بأجنبيات أو زواج مغربيات برجال أجانب، فإن هناك مشكلات عدة تقف حجرة عثرة أمام هذا الزواج، الأمر الذي يفسر جنوح السلطات المغربية إلى التعامل بحذر ويقظة مع طلبات الزواج المختلط.
يفضلن الفرنسيين
أفاد تقرير جديد من إصدار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب بأن عدد حالات الزواج المختلط لنساء مغربيات يتجاوز عدد حالات الزواج المختلط للرجال بثلاثة أضعاف خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 2017 و2021.
المصدر الرسمي نفسه أظهر أن نسبة حالات زواج الأجنبي بسيدة مغربية بلغت 73 في المئة، بينما وصلت نسبة حالات زواج الرجال المغاربة بنساء أجنبيات 27 في المئة.
وتبعاً لإحصاءات التقرير الرسمي الحديث، فإنه خلال الفترة الزمنية ذاتها عرفت محاكم الأسرة التابعة لوزارة العدل المغربية تقديم 27.626 طلب لتوثيق الزواج المختلط، سواء بأجانب أو أجنبيات أو معتنقي ومعتنقات الإسلام.
واعتبر التقرير أن طلبات الزواج المختلط في المغرب خلال فترة الأعوام الخمسة المذكورة يشكل زهاء 2.34 في المئة من إجمالي طلبات توثيق الزواج بمختلف محاكم البلاد.
واختارت المغربيات في الزواج المختلط خلال عام 2021 رجالاً من جنسية فرنسية في الرتبة الأولى، ثم السعودية وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وكندا.
وأما الرجال المغاربة، فاختاروا خلال السنة نفسها في المرتبة الأولى نساء فرنسيات، ثم من الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا وبولندا وكندا وإيطاليا وهولندا.
ووفق المصدر الحكومي، فإن عام 2017 عرف تقديم 5.571 طلب للزواج المختلط ليرتفع العدد في 2018 إلى 6.298 طلب، ثم عام 2019 بلغ العدد 7.266، قبل أن ينخفض بشكل واضح في 2020 بـ3.244 طلب جراء تداعيات وباء كورونا، قبل أن يرتفع من جديد عام 2021 بـ5.247 طلب للزواج المختلط.
بين النجاح والفشل
تختلف مسارات الزواج المختلط في المجتمع المغربي بين قصص ناجحة وأخرى فاشلة، إذ يعتمد هذا الزواج بالأساس على مدى تفاهم وانسجام الطرفين الآتيين من بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة وخلفيات نفسية وعاطفية متفرقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الصدد، يقول عبدالغفور، في عقده الرابع، إنه يعيش حالياً مع زوجته الإسبانية التي ارتبط بها قبل سبعة أعوام في مايوركا حيث اشتغل وعاش هناك قبل أن يعود نهائياً إلى بلاده"، مورداً أن "علاقة الزواج المختلط التي جربها ناجحة إلى حد كبير".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أنه "وجد في البداية بعض الصعوبات في التواصل مع زوجته الأجنبية جراء اختلاف الذهنيات والعادات الاجتماعية"، لكن مع "مرور الوقت بدأت زوجته تتأقلم مع بيئتها الجديدة، خصوصاً عندما قررت العيش معه في الديار المغربية".
وتبعاً لهذا الزوج المغربي، فإن الزواج المختلط يمكن أن يكون قصة ناجحة إذا ما توافرت له مقومات النجاح واجتياز المطبات والعواصف العائلية التي تحصل بسبب تباين العقليات بين أسرتي الزوجين، وذلك بالرفق والحلم وعدم التسرع واتخاذ القرارات الغاضبة الفجائية.
وبخلاف ما سرده عبدالغفور، تحكي فاطمة ذات الـ30 ربيعاً تجربتها الشخصية التي وصفتها بالفاشلة مع زوجها ذي الجنسية الفرنسية الذي أعلن إسلامه قبل عقد القران بها قبل خمسة أعوام.
وقالت فاطمة في تصريح خاص إنها تعرفت إلى زوجها عن طريق صديقتها قبل أن تجد نفسها ارتبطت به زوج بعدما أعلن إسلامه لإرضائها"، مضيفة أن "المفاجأة الكبرى كانت بعد الزواج إذ إنه تغير رأساً على عقب، كأن ما كان يظهره قبل الزواج من حب وود مجرد تمثيل بارع فقط، فبدأ يتعمد شرب الخمر أمامها وطفلها، بل كان يتجرأ على ضربها والتنكيل بها لينتهي هذا الزواج المختلط بالفشل الذريع".
أسباب وتداعيات
يرى خبراء ومهتمون أن دوافع عدة تقف وراء الرغبة في الزواج من أجنبي أو أجنبية، منها رغبة الرجل أو المرأة في الاستقرار خارج البلاد على شكل هجرة نظامية تتخذ شكل الزواج، فضلاً عن عامل ثانٍ يتمثل في الرغبة بتحقيق وضع اقتصادي ومالي أفضل، لا سيما بالنسبة إلى مغربيات يخترن الزواج بجنسيات أجنبية بعينها.
ومن العوامل الأخرى التي تتيح إبرام زيجات مختلطة بشكل أكبر تأثير شبكات التواصل الاجتماعي وزحف التكنولوجيا التي قربت المسافات بشكل غير مسبوق، إذ صار التعارف بين المغاربة والأجانب سهلاً ويسيراً لتنشأ علاقات عاطفية بين الجنسين قد ينتهي بعضها بالزواج المختلط.
وتعد مشكلات الزواج المختلط كثيرة ومعقدة، فيقول الناشط الحقوقي عبدالإله الخضري إنها "نتيجة الاختلاف الثقافي والاجتماعي والسلوكي بين الزوجين، كما ترتبط أحياناً بالوضع السياسي لدول الأزواج، كما هو الشأن بالنسبة إلى المتزوجات بسوريين أو ليبيين أو يمنيين".
وأوضح الخضري في تصريح خاص أن "عدداً من الأسر ذات الزواج المختلط تعيش حالاً من التخبط المستدام بسبب التأخير في البت القضائي بملفات النزاع المعروضة على العدالة، كما أن الأبناء هم أكثر عرضة لتداعيات النزاع الحاصل بين الزوجين من زواج مختلط، بحيث يتم تهريبهم من طرف أحد الزوجين ليحرموا من رؤية الطرف الآخر".
وأشار الناشط الحقوقي إلى أن "كل هذه الإشكالات تؤدي إلى مآسٍ حقيقية تؤثر بشكل مباشر في حياة الأبناء، بل كثيراً ما تقع نزاعات تنتهي بجريمة قتل بسبب غياب فرص التوافق بين الزوجين"، لافتاً إلى أنه "نادراً ما تحقق القوانين سواء الوطنية أو قوانين بلد الطرف الآخر الإنصاف المرجو، بل العكس هو الذي يحصل".
ولمحاصرة تنامي ظاهرة الزواج المختلط في المغرب، عمدت السلطة القضائية قبل ثلاثة أعوام إلى مطالبة القضاء بـ"جمع المعلومات بكل دقة حول جنسية الشخص الأجنبي الراغب في الزواج وديانته ومهنته ودخله ووضعيته العائلية والقانونية لوضعها رهن إشارة القضاء".
ونبهت النيابة العامة في المغرب إلى كون الزواج المختلط يطرح مشكلات اجتماعية عدة، مثل مدى استقرار الزوجة المغربية التي تلتحق بزوجها الأجنبي خارج البلاد، أو الإجراءات الإدارية في دول الاستقبال، أو لأسباب تضر بالمصلحة الفضلى للأطفال ثمرة الزواج المختلط.