الزبيب اليمني... حكاية ثروة عمرها ألفي عام

منذ 2 أشهر 32

ملخص

كانت أصناف العنب اليمني كثيرة وتتراوح بين 20 و30 صنفاً، لكنها تناقصت مع مرور الزمن وتغيرت مناطق زراعتها وأصبحت 13 نوعاً فقط، والأكثر انتشاراً البياض والأسود والرازقي والعاصمي الذي يجمع بين اللونين البنفسجي والأحمر.

للعنب حكاية لافتة في اليمن ماضياً وحاضراً، فقد ارتبطت هذه الشجرة منذ ظهورها في حقول البلاد الخصبة "السعيدة" في الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، بوجدان اليمنيين وحضاراتهم الإنسانية والزراعية والثقافية والدينية، وظروف معيشتهم كمصدر دخل يسير.

كتب عن الشجرة الشعراء وغناها الفنانون وتوارثت الأجيال زراعتها جيلاً تلو آخر، واشتقت منها صناعات أخرى مثل النبيذ وجففت كي تصبح "زبيباً" يباع طوال العام، وسميت قديماً "كرماً".

وفي المجمل كانت تعد بمثابة دليل زراعي محسوس يشي بالكرم والعطاء والهيبة والشجاعة عند صاحبها، فإذا ما وصل اليمني إلى درجة من القوة والمكانة زرعها في الحقل، رمزاً لذلك وتفاخراً، كما ارتبطت بالوجود اليمني بكل تعبيراته.

مصدر رزق لآلاف اليمنيين

ويشكل العنب اليمني سواء المجفف "الزبيب" أو عنب المائدة مصدر رزق لآلاف اليمنيين في البلد المعذب بالحرب، ففي موسم قطف العنب والذي يمتد بين الفترة من يوليو (تموز) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، تضج الأسواق المحلية بأصنافه المتنوعة في حين يعمل كثير من المزارعين على تجفيف بعض أنواعه بطرق تقليدية وتحويله إلى "زبيب" ليباع طوال العام.

وفي سقائف العنب بمنطقة "بني حشيش" شرق صنعاء، إحدى أشهر مناطق زراعة العنب، يعمل مزارع وبائع العنب علي جارالله (36 سنة) على قطف العنب من مزرعته ومن ثم تجفيفه في عملية تستغرق أسابيع عدة، وبيعه بعد ذلك "زبيباً" في الأسواق.

موسم قطف العنب

وبحسب علي جارالله فإن زراعة العنب تبدأ في فبراير (شباط) كل عام، وفي مارس (آذار) يبدأ المزارعون تقليمه وسقيه والاعتناء به حتى تنضج عناقيده، وفي موسم العنب من يوليو وحتى نوفمبر يتم قطفه وبيعه في الأسواق إما عنب مائدة أو "زبيباً" بعد تجفيفه.

طرق تقليدية

وليس كل العنب يتحول إلى"زبيب" إذ إن أنواعاً معينة هي التي يتم تجفيفها وهي البياض ذاو الحبة الدائرية والرازقي ذو الحبة الطويلة والأسود.

20210715_170821_resized-01.jpeg

 وعادة ما يستخدم المزارعون الطرق التقليدية في التجفيف بعد إحضارها إلى "العوشة"، وهو المكان الذي يتم فيه تجفيف فاكهة العنب حتى تصبح "زبيباً" إذ ترص عناقيد العنب إلى جانب بعضها بعضاً وتغطى بالقش، وبعد ذلك يتم تعريضها لأشعة الشمس والهواء الجاف، وتستغرق عملية إنتاج الزبيب نحو شهرين من قطف العنب وحتى إتمام عملية التجفيف.

أدبيات الجودة

ويتميز الزبيب اليمني بجودته ومذاقه وألوانه وقيمته الغذائية العالية وعدم وجود التدخلات الكيماوية عند عملية تجفيفه، إذ لا يزال المزارعون يحافظون على الطرق التقليدية أثناء تحويل فاكهة العنب إلى "زبيب".

وتقول أدبيات الجودة والبيع والشراء في الفاكهة الشهيرة المجففه إنه كلما كانت حبة الزبيب كبيرة ونقية وتميل إلى اللون الذهبي كلما كان الصنف ذا جودة وسعره مرتفعاً.

ويعتبر الزبيب البياض أفضل الأنواع اليمنية، يليه الرازقي والأسود، ويتراوح سعر الكيلو الواحد من هذه الأصناف ما بين 3 آلاف ريال و20 ألف ريال يمني (ما بين دولارين و21 دولاراً).

أشهر الأسواق

في قلب صنعاء القديمة يمكن للزائر أن يستكشف مجموعة من الأسواق التجارية والحرفية المتخصصة التي لا تزال نابضة بالحياة بفضل نشاط وكفاح الإنسان اليمني، وتمثل رمزاً للأصالة والتاريخ العريق.

وتعد سوق الزبيب أحد أشهر أسواق المدينة التاريخية، وهي سوق تجارية مركزية تباع فيها أنواع الزبيب اليمني بالجملة والتجزئة، ويقصده البائعون والمشترون من مختلف مناطق اليمن.

التغير المناخي

وقال رئيس مؤسسة "أصل العنب" علي جارالله، وهو صاحب أول مؤسسة خاصة في اليمن تعمل على تجفيف الزبيب وعرضه والترويج له بطرق حديثة، إن "المنخفض الجوي التي تشهده اليمن يشكل تحدياً جديداً وخطراً إلى جانب جملة من التحديات على مزارع العنب، وهذا بدوره سيؤثر في الزبيب داخل السوق المحلية".

الأمطار والفيضانات

وأوضح جارالله في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن "موسم الأمطار خلال الآونة الأخيرة تغير، فمن قبل كانت الأمطار تتوقف قبل نضوج فاكهة العنب، أما هذا الموسم فالعنب نضج أولاً وبعد ذلك جاءت الأمطار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت المتحدث إلى أنه وخلال هذه الفترة لا يحتاج العنب إلى الماء بل إلى قليل من الشمس والجو الجاف، وعندما تمتص الشجرة كميات كبيرة من الماء في الوقت الذي لا تريد فقد يفسد المحصول ويخرب "الفقأ"، والمزارع نفسها تتضرر من كثرة السيول والفيضانات.

وتشهد اليمن سيولاً جارفة كل عام بسبب أمطار غزيرة في وقت تُفاقم ظاهرة التغير المناخي وتيرة هطول المتساقطات وشدتها.

التجارة المحلية

وأشار جارالله إلى أن تجارة الزبيب المحلية تواجه تحديات كثيرة بسبب الحرب التي زادت كلف الإنتاج ورخص المنتج المستورد سواء الصيني أو الإيراني أو الأفغاني الذين غزوا الأسواق اليمنية، وكذلك الركود الاقتصادي وعدم دخول الماكينة الحديثة وارتفاع المشتقات النفطية، مع توقف مصادر التصدير وإغلاق المنافذ التي أدت بدورها إلى صعوبة بيعه في الأسواق المحلية والخارجية.

وفي ما يخص عملية التصدير أضاف جارالله "لم نستطيع إيصال العنب إلى السعودية ودول الخليج بسبب ارتفاع كلفة الشحن والأخطار الموجودة في النقاط العسكرية والجبايات الموجودة من الأطراف اليمنية سواء من حكومة صنعاء أو الحكومة الشرعية".

سلالات العنب القديمة

ولا يزال اليمنيون يحافظون على السلالات اليمنية القديمة لشجرة العنب مما يفسر سر المذاق والجودة التي يتمتع بها الزبيب اليمني عن غيره من المستورد، وفق جارالله الذي أكد أن العنب المجفف (الزبيب) لا يزال يفتقر إلى التسويق الذكي والحديث بما في ذلك طريقة العرض، فضلاً عن عدم دخول الصناعات على قطاع العنب، والبيع التقليدي المكشوف في الأسواق، وهذا يقلل من جودته.

20221005_174506-01.jpeg

وكانت أصناف العنب كثيرة تتراوح بين 20 و30 صنفاً، لكنها تناقصت مع مرور الزمن وتغيرت مناطق زراعتها إلى 13 فقط، أما الأنواع الرئيسة الأكثر وجوداً في البلاد فهي البياض والأسود والرازقي والعاصمي الذي يجمع بين اللونين البنفسجي والأحمر"نسبة إلى زراعته في ضواحي العاصمة صنعاء".

مناطق زاعة العنب

ويزرع العنب في المناطق ذات الطقس البارد المعتدل، وتعد المناطق المحيطة بمدينة صنعاء أشهرها، ومنها بني حشيش (30 كيلومتراً شرق صنعاء) وهي من أخصب مناطق زراعة العنب، وبني الحارث ووادي ظهر شمال صنعاء، وكذلك سنحان وسعوان وخولان جنوب شرقي ومحافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء) ومحافظة صعدة شمال البلاد، إضافة إلى بعض المناطق في محافظة الجوف.

تاريخ

والعنب تاريخ وليس مجرد فاكهة عادية، إذ ارتبط بالحضارات اليمنية القديمة مثل سبأ وحمير وذو ريدان، حيث وجدت نقوش وجداريات أثرية تثبت حضور الفاكهة في حقول البلاد منذ آلاف السنين، ومنها لوحة "ذات مزر" التي تصور ما يقال إنها آلهة الخمرة في اليمن القديم، ولا تزال صورتها تتصدر العملة النقدية الورقية من فئة 20 ريالاً، و"ترنيمة الشمس الحميرية" وهي لوحة تجسد صورة من الأدب.

وذكر عالم التاريخ والآثار محمد مرقطن أن اليمنيين القدماء قبل الإسلام عرفوا نبيذ العنب للطعام وصناعة الزبيب، وكانوا يقومون بكبسه وتقطير العصارة منه والتي يمكن شربها أو تخميرها، بل والتصدير إذ كانت هناك مراكز لإنتاجه ومنها نبيذ "شبام" الأحمر.