لا يمكن أن يكون المكان مفهوماً ما لم يتم العيش فيه، وإدراك تفاصيله، أما أن يأتي أحدٌ ما ويكتب عن بيئة لم يعش فيها يوماً واحداً فهذه نكتة. هذا هو بالضبط ما حصل في مسلسل «الزافر»، الذي يحاول أن يصور البيئة الجنوبية في منطقة الباحة تحديداً. وبرغم محاولة مسؤولي العمل التنصل من حالة الإحراج التي تسبب فيها السيناريو تمت إضافة استدراك في مقدمة كل حلقة يشير إلى أن العمل «لا يمثل أي قبيلة أو منطقة... إلخ»، إلا أن من بديهيات أي عمل تلفزيوني هو أنه لا يمكنك أن تحشد كل الأيقونات الدلالية على المكان والبيئة (الملابس، اللهجة، الفلوكلور... إلخ)، بما في ذلك عنوان المسلسل الذي يشير إلى معنى عمود البيت في منطقة الباحة، ثم تقول: إنه لا يمثل أي بيئة أو منطقة!
الكارثة في سيناريو مسلسل «الزافر»، أن كتابته تمت متجاهلةً كل العناصر الانثروبولوجية للإنسان والمكان، فبصرف النظر عن تلك الانتقادات التي طالت اللهجة والديكورات والملابس، يقع المسلسل في مطبات جوهرية تتعلق بواقعية المكان وامتداده الانثروبولوجي، حيث يتضح بسهولة أن العمل لا يهدف إلى تقديم قصة تجذب المشاهد بقدر ما يهدف إلى رسم مجرد صورة على الشاشة تتعلق بأزياء ونمط حياة سكان منطقة معينة لمداعبة خيال من تبقى من (شيبان وكهيل) تلك المنطقة.
خلاصة القول، إن المنطقة تمتلئ بأعمال أدبية وروائية حكت بصدق عن تفاصيل الإنسان والمكان، فعلياً لا أفهم لماذا تم تجاهل كل ذلك الإنتاج الجاهز والقفز إلى كاتب سيناريو لا يمت للمنطقة، ولا تراثها، ولا قيمها، ولا عاداتها بصلة؟ ليأتي ذلك الاستدراك الكسول في مقدمة كل حلقة ليحاول ترقيع فجوة حجمها من أول حلقة إلى آخر المسلسل.