الرياضات الدموية الأكثر شهرة... توثيق للهوية أم دعوة للعنف؟

منذ 1 سنة 189

تعتبر إسبانيا منشأ رياضة مصارعة الثيران ويوجد بها أكثر من 400 حلبة تجتذب عشرات ملايين المشاهدين (أ ف ب)

تحارب المواثيق الدولية ممارسة أشكال العنف كافة، وتطالب بالتحضر في حل الخلافات، وحتى في عقاب من هم أكثر إجراماً، دعوات إلى وقف الحروب لا تنتهي، وتظاهرات احترام حقوق الحيوان والرفق به تتسع رقعتها ومؤيدوها في تزايد، لكن على جانب آخر وفي دول قطعت شوطاً كبيراً في التقدم بأشكاله كافة، نجد تمسكاً غير عادي بأشكال صادمة من العنف الذي يمارس ضد الحيوانات وبمشاركة البشر أيضاً الذين عادة ينالهم نصيب من الدم، من خلال تصرفات وحشية تسمى "رياضة".
أحياناً يبدو من غير المفهوم بالمرة كيف يمكن أن يتوافق هذا المستوى من الحضارة مع أشكال من الرياضة التي تستبيح الدم، فحتى المصارعة الحرة التي تنظم على مرأى ومسمع من العالم وتندرج في قائمة رياضات الألعاب التي تتمتع بدوريات قوية، بعض أشكالها أيضاً تبدو متابعته صعبة للغاية بالنسبة إلى قسم من الناس، حيث يمكن الاستماع إلى صوت ارتطام العظام ومشاهدة الإصابات بشكل يجمع القسوة بالمنافسة بهدف الفوز باللقب والمال، وعلى رغم كل ذلك هناك قواعد وقوانين تحدد سير تلك اللعبة.
لكن من ينقذ الحيوانات من عبث البشر الذين يلهون بها منذ مئات السنوات، ولا يرغبون في التوقف، ما بين ثيران وديوك ودببة، وأسود.. نزالات لا تنتهي ومستمرة بنجاح ساحق في بعض مناطق العالم بمباركات رسمية، حيث لا يتوقف القتل في تلك المباريات إلا بإراقة الدماء، وهي اللقطة التي يعتبرها المشجعون الذين يتدفق الأدرينالين لديهم بأضعاف مضاعفة، بمثابة المكافأة بعد انتظار طويل في المدرجات.

مصارعة الثيران: عنف يعبر عن الهوية

حتى اليوم لا يزال فيلم "المصارع" Gladiator من بطولة الممثل راسل كرو وإخراج ريدلي سكوت الذي عرض قبل 23 سنة من أشهر الأفلام التي تناولت رياضة المصارعة بشكلها التقليدي إبان الإمبراطورية الرومانية، ومشاهد القتال فيه تبدو بالنسبة إلى كثيرين شرسة للغاية. وعلى رغم أنها مشاهد صارخة في الوحشية، لكن في عصور كانت فيها بنود التنافس والاستمتاع شحيحة والوعي بحقوق الكائنات الحية محدوداً، كان مفهوماً أن يتم اللجوء إلى بعض الوسائل الغريبة، إلا أن غير المفهوم هو التمسك ببعض من أشكالها حتى الآن، فبعد مرور كل تلك العقود لا يزال هناك من يستمتع بمتابعة مواقف مشابهة في عصرنا الحالي، وقد تكون مصارعة الثيران هي الأشهر والأخطر هنا، فليس الثور فقط هو من يعذب، بل أيضاً المصارع "الماتادور" يخرج بإصابات حتى أن بعضهم فقد حياته بالفعل، جراء مواجهة قوة غاشمة مثل الثور الضخم الذي يشترط أن يكون بصحة جيدة وبقرون حادة إذ يتم إطلاقه في حلبة على مرأى آلاف الذين يشاهدون المنافسة بين قوتين غير متكافئتين. ومع ذلك يلقى الثور ألواناً شتى من الأذى حيث تتم إصابته على ثلاث مراحل، الأولى من راكبي الخيول الذين يرمونه بالرماح، ثم يقوم عدد من المشاركين والمساعدين برمي الأعواد الخشبية عليه لإصابته وإضعافه، تمهيداً لدور الماتادور، المصارع الرئيس، الذي يأتي حاملاً سيفه ومختالاً بزيه الأحمر الذي يستفز الحيوان ويجعله أكثر هيجاناً، وتكون مهمته هي ضربه في مقتل، وبالطبع لم يسلم الأمر من حوادث كارثية فعلى مدار أعوام طويلة دفع مصارعون كثر حياتهم ثمناً لتلك اللعبة وكان من بينهم الإسباني فيكتور باريو الذي طعنه الثور في عام 2016 وتوفي إثر تلك الإصابة.
وتعتبر إسبانيا منشأ هذه الرياضة ويوجد بها أكثر من 400 حلبة مصارعة تجتذب عشرات الملايين على مدار حوالى ثمانية أشهر من كل عام يقتل خلالها حوالى ثلاثة آلاف ثور. وعلى رغم المطالبات المتكررة بحظر تلك الرياضة التي يرى مناهضوها أنها عبارة عن محض عنف ضد الحيوانات، ولكن الإقبال عليها يجعل من الصعب اتخاذ هذا القرار. كما أن إسبانيا تعتبرها أحد أكثر روافدها الثقافية شهرة وسلوكاً يمثل الشجاعة والجرأة والإقدام، وتعبيراً بارزاً عن هويتها وتقاليدها العريقة، فقد تم توثيق مراسمها في كثير من اللوحات العالمية، باعتبارها معلماً متفرداً حيث نشأت تقريباً منذ القرن الثامن الميلادي ولا تزال محل جدل.
ورغم توقفهاً موقتاً في بعض العصور إلا أنها كانت تعود في كل مرة بقوة وتتم إضافة بعض التعديلات والتحسينات على سيرها، واللافت أن هذا النوع المصارعة الذي يعتقد أنه انطلق أولاً لمحاكاة ما يحدث في ملاعب المصارعة الرومانية القديمة، ينتشر أيضاً في بلدان عدة ويحظى بشعبية وبينها المكسيك التي تضم عاصمتها مكسيكو سيتي أكبر حلبة مصارعة ثيران بالعالم. وتنشر بصورة أقل في فنزويلا وكولومبيا والبرتغال وبعض المناطق في فرنسا والولايات المتحدة، ولكن في الأخيرتين شرط إقامتها مرهون بعدم إراقة الدماء.

معركة بين الديوك

في الموازاة تواجه مصارعة الديوك أيضاً حملات متواصلة تهدف إلى إيقافها، إلا أنها لا تزال مزدهرة في عدد غير قليل من البلدان، ومن بينها الفيليبين التي عرفت هذه المعارك منذ آلاف السنين، ولا تزال تلقى رواجاً، حيث تقام النزالات في قاعات مخصصة، وتشمل رهانات بآلاف الدولارات، وتنتهي المعركة دوماً بأن يسيل أحد الديكة دماء الآخر ويجعله يهرب، فيما المتابعون يتفرجون وسط حماس وتشجيع على مزيد من الدموية. ويعتبر الفليبينيون "مصارعة الديوك" تقليداً وطنياً لا يمكن الاستغناء عنه، يشمل أيضاً بعداً اجتماعياً حيث تختلط الطبقات الاجتماعية المختلفة أثناء حضور هذا الطقس شديد العدائية بين الحيوانات، وتحاول جمعية "المعاملة الأخلاقية للحيوانات" في الفيليبين القيام بدورها عن طريق المناشدات التي تطالب بحظر هذا التقليد ولكن انتشاره شعبياً يحول دون ذلك.
وكان لافتاً تعبير كثير من الفيليبينيين عن سعادتهم بعد عودة هذه الممارسة مرة أخرى منذ أواخر العام الماضي، وذلك بعدما أوقفتها السلطات لمدة سنتين بسبب الاجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا. وعلى رغم أن من يديرون هذا الصراع يكونون في مأمن مقارنة بمصارعة الثيران، ولكن هذا لم يمنع أيضاً وقوع بعض الخسائر البشرية، حيث لقي شرطي فيليبيني مصرعه في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 إثر مطاردته تجمعاً يمارس فيه هذا التقليد، وذلك بعد هاجمه ديك وتسبب بقطع أحد شرايينه فتعرض لنزف حاد وفقد حياته. وتمارس تلك العادة حتى الآن في بلدان أخرى من بينها مصر، حيث تجرى في بعض القرى على نطاق ضيق، وكذلك في مدغشقر وتايلند.

000_32L864M.jpg


اللهو بالحيوانات

كانت الحيوانات على مدار التاريخ مصدراً للتلاعب بمصائرها وهدفاً دائماً للتمثيل، فقد عرفت البشرية فنوناً من قتال الحيوانات تتميز بالدموية الشديدة، وبينها مصارعة الأسود التي عرفها الرومان قديماً، وفيها يتبارز الرجال مع الأسود ويحاولون قتلها بالأسلحة المعروفة آنذاك، وتطور الأمر إلى إشراك أنواع مختلفة من الحيوانات، بينها الخنازير البرية والتماسيح. أيضاً، عرفت بريطانيا خلال القرن الـ18 صراعات بين القرود والكلاب تميزت بالشراسة والدموية، وتستمر المباراة بين قرد مدرب وعدد من الكلاب ثم ينتهي الأمر بإصابات بالغة للطرفين. كما أقيمت مباريات بين الدببة المقيدة ومجموعة من الكلاب الشرسة وكانت تحظى بمتابعة كبيرة بين الطبقات كافة. وراجت في أوروبا خلال القرن الـ17 رياضة ضرب الثعالب التي كان يشترك بها فريقان لدى كل منهما ثعلب، والفائز هو من يتمكن من قذف ثعلبه في الهواء لمسافة أكبر مما يتسبب في تعذيب الحيوان بشدة. بالطبع تلك الرياضات الأكثر عنفاً ألغيت بعد صراعات استمرت طويلاً بين محبيها وبين من يحاولون وقف التصرفات الوحشية ضد الحيوانات.
مع ذلك لا يزال بنو البشر متمسكين بطرق أخرى لقتال الحيوانات يحيط بها الجدل من كل صوب، وأبرزها الصيد والقنص، فبحسب ما يأتي على الموقع الرسمي للأمم المتحدة فهناك تدابير كثيرة تقيد هذا السلوك بموجب حماية الحيوانات، إذ يتم السماح به في أضيق الحدود بخاصة للحيوانات المهددة بالانقراض، وقد جاء نصاً أيضاً في تلك التدابير، أنه "في ما يتعلق بالأفيال الأفريقية، فقد اتفق المشاركون في المؤتمر على خطة عمل طموحة لاتخاذ إجراءات صارمة في الأسواق المحلية التي تتاجر بالعاج المهرب خصوصاً في بعض البلاد الأفريقية والآسيوية"، ولكن واقعياً الالتزام بتلك المحاذير يكون نادراً، وطرق التحايل عليها متشعبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العنف المقنن

على جانب آخر لا يزال الإنسان بطلاً لمجموعة أخرى من الرياضات التي توصف بالعنيفة والدموية، وبينها "قتال القفص" أو ما يطلق عليه الفنون القتالية أو فنون القتال المختلطة (MMA)، وهي تجمع أنواعاً عدة من الرياضات العنيفة وفيها يتصارع مقاتلون، ويصل الأمر إلى إصابات شديدة تسبب عاهات مستديمة وربما ما هو أكثر، وقد تم تقنين شروطها قبل سنوات ووضع سقف لما هو مسموح في الحلبة وما هو ممنوع وذلك في محاولة للحد من وحشيتها، أما رياضة الفنون القتالية النيجرية فهي أكثر غرابة حيث يتعين على الملاكمين القتال بيد واحدة فقط، ولا تنتهي إلا بهزيمة أحدهما أرضاً كما يمكن للمشاركين استخدام الساق في الركل والإبعاد. وعلى رغم أن رياضة السومو المعروفة في اليابان منذ عشرات القرون تسير وفق قوانين صارمة إلا أنها لا تخلو من العنف حيث تقوم على أن مهمة الخصم هي إبعاد غريمه عن الحلبة برميه أرضاً، وهي تعتبر رمزاً ثقافياً وتراثياً لليابان وتحظى بشعبية لا مثيل لها هناك، وفي إيطاليا لا تزال رياضة الـ"كاليتشو ستوريكو" لها جمهورها، وهي تجمع بين كرة القدم والرغبي مع الفارق أنها بلا قوانين تقريباً، حيث من حق الفريقين استعمال الوسائل كافة ضد الخصم في سبيل إحراز الأهداف.