♦ الملخص:
فتاة تذكُر أن حياتها فارغة ولا شيءَ فيها، وليس لها أي دورٍ إيجابي في الحياة، وتُلح عليها فكرة الانتحار، وتسأل عن حلٍّ.
♦ التفاصيل:
طالما بحثت عن طريقة ما تنتزع من عقلي فكرة الانتحار، يبدو أن الأمر محال على تتابع المحاولات واختلاف الطرق، أنا واعية تمامًا خطرَ الأمر، واعية عواقبه، لكن لم تعد تهزني العواقب، أريد فقط أن ينتهي وجودي هنا، نفد صبري في انتظار الأجل، حياتي فارغة، منعزلة عن كل العالم، أكره أن أرى النور، أكره رؤية الناس والتفاعل معهم، لا أظن أن حياتي ستثمر خيرًا، أعيشها بمشقة، والأيام تمر على قلبي ثقيلة كثقل الجبال، أقضي جل وقتي ها هنا على موقع الألوكة، أريد أن تنتهي حياتي بأسرع ما يمكن، ما الحل؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلتكِ تتلخص في أنكِ تعرضتِ لمشاكل كثيرة، لم تستطيعي الصمود أمامها، ففكرتِ في الانتحار والمخدرات، وكلها أوهام تظنين أنها تنقذكِ، وهي في الحقيقة تزيدكِ تعاسة وشقاء وعذابًا، ويبقى السؤال المهم: ما علاج مشكلتكِ؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو واضحًا أن إيمانكِ ضعيف، ونتيجة لهذا الضعف نفد صبركِ، وفكرتِ في اللجوء لآفات هي من كبائر الذنوب، ومن أسباب التعاسة الأبدية دنيا وآخرة؛ ولذا فلا بد من أن تلازمي كل ما يقوي إيمانكِ؛ ومن ذلك:
• الإكثار من الصلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن، والعلم النافع، ومجالسة الصالحات، والاستغفار، والاسترجاع، والصدقة.
ثانيًا: تقوية التوحيد في قلبكِ، وخاصة الإيمان بأسماء الله الحسنى، وما تدل عليه، والعمل بمقتضاها، وكذلك تقوية الإيمان بالقدر والصبر، وكل ذلك يتم بالعلم النافع، والإكثار من تلاوة القرآن بخشوع، مع معرفة معانيه، وهو سبب عظيم لسكون النفس وطمأنينتها وصبرها؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وبالدعاء.
ثالثًا: اعلمي أن قتل الإنسان نفسه كبيرة من الكبائر، متوعدٌ فاعلها بالخلود في النار، فهي في ظاهرها راحة للمبتلى، لكنها حقيقة لا تزيده إلا بلاءً أعظمَ وشقاءً جسيمًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يَجَأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده، يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ وهذا الحديث ثابت في الصحيحين.
وهذا الحديث يدل على وعيد شديد لمن قتل نفسه، أعاذكم الله من ذلك.
رابعًا: ومما يُسليكِ العلم اليقيني بأن كل ما أصابكِ، فهو بقدر سابق؛ ابتلاءً وامتحانًا لكِ، ولتقوية إيمانكِ، وتكفيرًا لخطاياكِ، ورفعًا لدرجاتكِ في الجنة، بشرط الصبر وعدم الجزع والتسخط؛ قال عز وجل: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وقال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل - وتعم المرأة - تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيصبر ويحتسب".
خامسًا: لكِ أجر عظيم في عنايتكِ بجدتكِ؛ فلا تتأفَّفي من ذلك، بل احتسبي حتى يُكتب لكِ الأجر العظيم، وما تدرين ربما رفعكِ الله بخِدْمتكِ درجات عظيمة في الجنة، وربما كفر الله بها خطاياكِ، وربما كانت سببًا لتفريج كُرَبكِ.
سادسًا: المخدرات من كبائر الذنوب، وليست سببًا للسعادة، بل هي سبب للتعاسة في الدنيا والآخرة، فاحذري منها أشد الحذر.
وانظري للصحابة رضوان الله عليهم كيف أنه لما أنزل الله سبحانه تحريمه للخمر في قوله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
قالوا فورًا بدون أي تردد وتعظيمًا لأمر الله سبحانه: انتهينا يا ربنا، انتهينا، وأراقوا قِلال الخمر التي كانت في بيوتهم، والمخدرات أشد حرمة وتحريمًا من الخمر.
شفاكِ الله، وجمع لكِ بين الأجر والعافية، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.