الرصد والتتبع والمراقبة... أهم سمات العصر الرقمي

منذ 2 سنوات 353

تملك الولايات المتحدة أعلى عدد من كاميرات المراقبة للشخص الواحد في العالم؛ إذ تنتشر الكاميرات في الشوارع، والفنادق، والمطاعم، والمراكز التجارية، والمكاتب، وتُستخدم لتصوير الركاب لصالح إدارة أمن النقل. وتضاف إلى ذلك الأجراس الذكية المجهزة بكاميرات في المنازل، وكاميرات المراقبة المنزلية...
تستطيع قواعد البيانات ربط مواقع البيانات من الهواتف الذكية، والكاميرات الخاصة المتزايدة، وأجهزة قراءة لوحات السيارات التابعة للشرطة والمنتشرة على الطرقات، مع تقنية التعرّف على الوجه، حتّى تتمكّن أجهزة إنفاذ القانون من تعقّب أماكن وأوقات وجودكم عند الحاجة. إلا إن استخدام معدّات البحث هذه داخل الهواتف الجوالة يحتاج إلى مذكّرة قضائية تتيح للسلطات وصل هاتفكم بأداة جنائية محمولة لسحب وتحليل جميع البيانات المتوفرة فيه.
ولكنّ سماسرة البيانات يتعقّبون هذا النوع من البيانات ويساعدون في مراقبة المواطنين من دون مذكرات قضائية. وتوجد سوق كبيرة للمعلومات الشخصية تحتوي على معلومات يقدّمها النّاس طوعاً، ومعلومات يفصحون عنها دون قصد للتطبيقات الهاتفية مثلاً، ومعلومات سُرقت في اختراقات إلكترونية. ويتنوّع الزبائن في سوق البيانات غير المنظّمة بالقانون؛ ولكن أبرزها هي أجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية والمحلية والحكومية.


تعقب الأفراد
كيف يجري تعقّبكم؟ قد لا تمرّون أمام عدسة كاميرا مراقبة أو جهاز قراءة لوحات السيارة، ولكنّكم مراقبون من هاتفكم الجوال؛ إذ تُقدم تقنية «GPS» المعلومات عن موقعكم إلى تطبيقي «الأحوال الجوية» و«الخرائط»، كما تستخدم تقنية اتصال الواي - فاي أيضاً الموقع الجغرافي، إضافة إلى أبراج الخدمة الخلوية التي تتعقّب إرسال هاتفكم. يستطيع اتصال البلوتوث بدوره تحديد مكان هاتفكم وتعقّبه، ولعدد من الأهداف منها رصد الاحتكاك بالمصابين على خريطة انتشار فيروس «كوفيد19»، أو خدمة «فايند ماي» من «أبل»، أو للاتصال بالسماعات.
يقدّم النّاس معلوماتهم الشخصية طوعاً لخدمات النقل المشترك والألعاب الإلكترونية مثل «بوكيمون غو» و«إنغرس»، ولكنّ التطبيقات تستطيع أيضاً جمع مواقع المستخدمين ومشاركتها من دون معرفتهم. وتضمّ سيّارات حديثة كثيرة تقنية التتبّع عن بعد التي ترصد مواقع السائق مثل «أون ستار» أو «بلو لينك»، مما يجعل التنصل من التعقّب أمراً مستحيلاً.
هذا الأمر نفسه ينطبق على النشاط الإلكتروني؛ إذ تحتوي معظم المواقع على متعقّبات إعلانية و«ملفات تعريف ارتباط طرف ثالث» تقبع في متصفّحكم عندما تزورون أيّ موقع. تستخدم بعض المواقع أيضاً برامج لرصد ضربات المفاتيح مهمّتها مراقبة حركات الفأرة، والنقرات، والتصفّح والطباعة، حتّى ولو لم تضغطوا على «تسليم».
بدورها؛ ترصد متعقّبات الإعلانات المواقع التي تصفّحتموها ووقت زيارتها، والمتصفّح الذي استخدمتوه، وعنوان الإنترنت الخاص بجهازكم. تعدّ شركتا «فيسبوك» و«غوغل» من أبرز المستفيدين من هذه المتعقبات، ولكن يوجد كثير من السماسرة الذين يحقّقون أرباحاً من تصنيف المعلومات والبيانات وفق الديانة، والعرق، والانتماء السياسي، وملفات التواصل الاجتماعي، والدخل، والتاريخ الطبي.


مراقبو العصر الرقمي
* تعقب الأفراد: تسمح بيانات الموقع الموجودة على مئات ملايين الهواتف الذكية لوزارة الأمن الداخلي بتعقّب أفراد الجمهور، وتترتّب على الأجهزة الذكية القابلة للارتداء المخاطر نفسها، خصوصاً أن العاملين في المجال الطبي لا يبدون اهتماماً كبيراً بأمن المعلومات التي تجمعها هذه الأجهزة. في هذه الحالة، يمكن تشبيه سوار المعصم المخصص للرشاقة من «فتبيت» بسوار القدم الذي يرتديه بعض الأفراد المحاكمين جنائياً للمراقبة القضائية.
* جهات المراقبة: لا أحد يتوقّع أن يكون خفياً على الطرقات والحدود والمراكز التجارية. ولكن ما الجهات التي تستطيع الوصول إلى بيانات المراقبة هذه، وما مدّة تخزينها؟ لا يوجد قانون أميركي واحد للخصوصية على المستوى الفيدرالي، لذا تتعامل كل ولاية من الولايات مع ما يعرف بالـ«ترقيع» التنظيمي. تملك 5 ولايات فقط قوانين لحماية الخصوصية هي: كاليفورنيا، وكولورادو، وكونيتيكت، ويوتاه، وفرجينيا.
يمكنكم طبعاً الحدّ من جمع البيانات على هاتفكم، ولكن لا يمكن تفاديه بشكلٍ كامل. يُفترض بسماسرة البيانات تخبئة البيانات التي تعرّف هوية الشخص قبل بيعها، ولكن «إخفاء الهوية» لا معنى له نظراً إلى القدرة على تعريف الأفراد بسهولة من خلال رصد تقاطع مراجع مجموعات البيانات. يساهم هذا الأمر في تسهيل مهمّة صائدي الجوائز والمتلصصين في اختراق النظام.
ولكن الخطر الأكبر لمعظم الناس يتصاعد مع الاختراقات الإلكترونية للبيانات التي تحدث بشكل متكرر؛ سواء عبر تطبيق يسرّب المعلومات، وشبكة فنادق لا تهتم بخصوصية زبائنها، وبيع إدارة المركبات المتحركة للبيانات، وحتّى قرصنة المخزن السحابي لأحد الوسطاء في عالم سمسرة البيانات.


* أستاذ دراسات الإعلام بجامعة كاليفورنيا - إرفاين
* «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»