بين أنواع متعددة من الرحلات خارج الإطار التقليدي بدأت تنتشر أخيراً في مصر رحلات الرصد الفلكي كواحدة من أكثر التجارب المميزة التي يلجأ إليها قطاع كبير من المهتمين بهذا المجال من غير المتخصصين، فهي تجربة فريدة تجمع بين استكشاف عالم مثير برصد النجوم والكواكب، والاسترخاء والتأمل بالتوجه إلى مناطق تتميز بالهدوء والجمال بعيداً من صخب المدن.
تتنوع المناطق التي يتم منها الرصد الفلكي في مصر مما يؤهلها لأن تكون واحدة من أنواع السياحة التي تتميز بها البلاد، بخاصة أن مجال الفلك له محبون ومهتمون في جميع أنحاء العالم، ولدى مصر كثير من المقومات الخاصة في هذا الشأن، من بينها أن معظم أيام السنة تكون السماء فيها صافية ومثالية للرصد الفلكي، وتقدر عدد الليالي الصافية بأكثر من 200 ليلة خلال العام.
رحلات الرصد
عن رحلات الرصد الفلكي يقول عصام جودة، رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك، "رحلات الرصد تجربة مميزة للمهتمين بالفلك سواء للمتخصصين أو غيرهم، لأن التجربة الفعلية والمعايشة الحقيقية تختلف تماماً عن قراءة ومعرفة معلومات نظرية، والرصد يكون من مناطق على أطراف المدن بعيداً من التلوث، حيث تظهر السماء صافية ويكون مشهد النجوم مختلفاً تماماً، وفي هذه الحال يمكننا رؤية عدد لا نهائي من النجوم يتراوح من 3 آلاف إلى 5 آلاف نجمة، وهو ما يعادل 1000 ضعف عدد النجوم التي يمكن رصدها من داخل المدن.
ويضيف جودة لـ"اندبندنت عربية"، "لا تقتصر الرحلات على مجرد مشاهدة السماء والنجوم، إنما يكون هناك متخصص يقدم معلومات مبسطة عن مواضيع مثل المجموعات النجمية، وتحديد الاتجاهات عن طريق النجوم، وشرح بعض الحكايات والأساطير المرتبطة بالفلك، بخاصة من الميثولوجيا العربية والإغريقية باعتبارهما الأشهر في هذا المجال، ويفضل الرصد الفلكي في الليالي غير القمرية، لأن النجوم تظهر فيها بشكل أكبر وأوضح، كما يمكن رصد الكواكب بتفاصيلها، بينما القمر بتضاريسه يمكن أن يظهر من داخل المدن، وبشكل عام يتم الرصد باستخدام تليسكوبات بسيطة ومعدات غير معقدة تصلح لغير المتخصصين".
عن أبرز الأماكن التي تتم منها رحلات الرصد الفلكي يشير جودة إلى "تنوع المناطق المثالية للرصد الفلكي في مصر، ومن أشهرها محمية وادي الحيتان والصحراء البيضاء وبعض المواقع في سيناء، ويشارك في الرحلات جميع الأعمار إضافة إلى الأسر والأطفال الذين تكون التجربة مبهرة بالنسبة إليهم، بخاصة أن الأجيال الجديدة لديها اهتمام كبير بالفلك والفضاء من خلال مشاهدتهم كثيراً من المحتوي الفلكي عبر الإنترنت ووسائل الإعلام المختلفة".
ويضيف، "بعض مواقع الرصد الفلكي هي أماكن سياحية يمكن أن يتم فيها تنفيذ نشاطات أخرى، مثل المحميات الطبيعية التي تضم أماكن يمكن زيارتها نهاراً والاستمتاع بتجربة الرصد الفلكي فيها ليلاً، وهكذا يكون البرنامج متنوعاً ومتكاملاً".
تصوير الفلك
تجتذب رحلات الرصد الفلكي فئات مختلفة من المهتمين، ومن بينهم كثير من المصورين الذين تكون هذه الرحلات فرصة ذهبية لاقتناص صور مبهرة للسماء، بخاصة عندما يرتبط الأمر بظاهرة فلكية لا تحدث باستمرار، وبالفعل تحقق هذه الصور انتشاراً كبيراً وتنال إعجاب الناس وتقدير المؤسسات العلمية والبحثية المرتبطة بالفلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المهتمين بتصوير الفلك في مصر المصور أسامة فتحي، إذ نشرت له صور في كبريات المجلات المتخصصة بالفلك مثل مجلة "Astronomy" الأميركية، و"BBC sky at night magazine"، كما نشر صوراً على موقع الصور الفلكية اليومية التابع لوكالة "ناسا".
عن تصوير الفلك يقول فتحي إنه "عالم لا نهائي يحتاج إلى مهارات ومعدات خاصة، فالصور الفلكية تكون في المساء حيث تختلف الإضاءة كلياً عن النهار، والتقاط بعض الصور يحتاج إلى ساعات حتى تظهر بشكلها النهائي الذي يراه الناس، وهذا النوع من التصوير هو هواية بالأساس، لكنه يحتاج إلى صبر وشغف، ويحقق متعة كبيرة لصاحبه بخاصة عندما تظهر الصورة ويتم توثيق ظاهرة فلكية معينة من خلالها".
ويضيف، "من الأهداف التي يحققها التصوير الفلكي أنه يقدم المعلومة ببساطة للجمهور العام الذي يشاهد الصور، وهي تحقق انتشاراً كبيراً، وتجذب الناس للتعرف على المعلومة المصاحبة للصورة والظاهرة الفلكية التي تمثلها، وهنا لا تكون مجرد صورة تقدم معلومة علمية، لكنها تصبح مثل الفن الذي يجذب قطاعات كبيرة من الناس بلغة سهلة يمكنهم فهمها من دون مصطلحات معقدة".
ظواهر متعددة
يتم تنفيذ رحلات الرصد الفلكي على مدار العام، لكن هناك أوقاتاً معينة تشهد ظواهر فلكية مميزة، ويمثل رصدها تجربة فريدة، كما أن مثل هذه الأحداث الفلكية يمكن استغلالها كنوع من أنواع السياحة.
يشير فتحي إلى أن "أي حدث فلكي يكون تصويره مهماً باعتباره شكلاً من أشكال التوثيق لهذا الحدث فلا توجد ظاهرة فلكية تشبه الأخرى، وهناك أوقات تحدث فيها ظواهر فلكية مميزة ومبهرة مثل زخات الشهب، وهي فترات في السنة تشهد انتشاراً كبيراً للشهب في السماء، مثل زخة شهب البارشويات التي تأتي في شهر أغسطس (آب)، وزخة شهب الجوزائيات التي تكون في شهر سبتمبر (أيلول)، وظواهر الكسوف والخسوف والقمر العملاق واقتران المشتري والزهرة، وذراع المجرة الذي يكون أفضل وقت لظهوره من مارس (آذار) وحتى سبتمبر، وكثير غيرها من الظواهر الفلكية الفريدة".
ويضيف "أحرص في كثير من الأحيان على أن تجمع صوري بين عالم الفلك والآثار المصرية، لأن ذلك يضيف بعداً آخر للصورة ويمثل شكلاً من أشكال الدعاية السياحية لمصر، سواء الثقافية المتعارف عليها أو سياحة الرصد الفلكي باعتبارها اتجاهاً سياحياً واعداً يمكن لمصر أن تتميز به، وبالفعل هناك أجانب من كثير من الدول أصبح لديهم اهتمام بهذا الشأن، ويأتون لرصد الظواهر الفلكية المختلفة، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الدعم والدعاية والتسويق من جانب المؤسسات المعنية بالسياحة في مصر".