ملخص
الرسم بالرمال واحد من الفنون التراثية الشهيرة التي تتميز بها منطقة واحة الداخلة جنوب مصر
أنواع وأنماط مختلفة من الفنون التراثية تزخر بها مصر من الشمال للجنوب، تتنوع وتختلف بحسب الطابع العام للبيئة في المكان الذي توجد فيه وأهم الخامات التي يمكن أن يستخدمها الفنانون في ابتكار قطع فنية فريدة مستوحاة ومستلهمة من المكان.
يأتي الرسم بالرمال واحداً من الحرف التراثية الفريدة لمنطقة الواحات الداخلة بمحافظة الوادي الجديد جنوب مصر (600 كيلومتر جنوب القاهرة) وتعد أكبر محافظات مصر من حيث المساحة وتضم مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية والجبال التي تحوي درجات متنوعة ومختلفة الألوان من الرمال والصخور مختلفة الأحجام التي رأت عين الفنان أن تحولها للوحات تشكيلية تعكس ملامح متنوعة من طبيعة المكان.
الفنان أحمد وهبة استخدم رمال الواحات الداخلة في إبداع أعمال فنية متنوعة على مدار عشرات السنوات، وعرضت أعماله في كثير من المعارض والمحافل الفنية داخل مصر وخارجها ويعد الأشهر في ما يتعلق بفن الرسم على الرمال بمسيرته الطويلة.
يقول وهبة لـ"اندبندنت عربية"، عملت بخامات متنوعة ومختلفة بينها الجواش والباستيل، لاحقاً وجدت نفسي في الرسم بالرمال فكنت أبحث عن شيء معين أتميز فيه ويكون خطاً متفرداً عن المتعارف عليه في مجالات الفنون فبدأت في هذا المجال مع بداية التسعينيات وما زلت مستمراً فيه طوال أكثر من 30 سنة أنتجت فيها لوحات تمثل طابع محافظتي الوادي الجديد وتعكس تراثها الثقافي.
يضيف، نتيجة لطبيعة المنطقة وامتداد الصحاري والجبال لمسافات شاسعة تنتشر الرمال بدرجات وألوان متفاوتة أجمعها وأنتقي مجموعات من الصخور لسحقها واستخدامها في بعض التدرجات اللونية مع الأخذ في الاعتبار اختيار ما يلائم اللوحات التي أرغب في تنفيذها ودرجات الألوان التي ستتوافق معها وتكون أكثر ملاءمة.
وأشار إلى أنه لا يستخدم أي شكل من أشكال الأصباغ ويعتمد على تدرجات الألوان المتاحة في الرمال ليكون العمل حقيقياً وطبيعياً ويعكس الخامات المتاحة في البيئة المحيطة من دون تدخلات صناعية، فهذه الرمال بتدرجاتها اللونية من السمات الفريدة للواحات الداخلة.
مشاهد من الواحة
نخيل وصحارى ومنازل مبنية بطابع تراثي ومشاهد من حياة أهل الواحة مثل الحصاد والخبيز أو التجمعات المعتادة لأهل المنطقة بأزيائهم التراثية هذا هو المضمون الغالب على اللوحات التي يحرص الفنان على أن تعكسها أعماله الفنية التي يستلهم كل مفرداتها من بيئته المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمر اللوحة الرملية بمراحل متعددة حتى خروجها في الشكل النهائي باعتبار اختلاف طريقة تنفيذها عن الرسم التقليدي بالفرشاة والألوان. يقول وهبة، أبدأ بتجهيز الأرضية ثم وضع طبقة من الرمال البيضاء كأساس يتم التنفيذ عليه ومن ثم أبدأ في رسم اللوحة بالدرجات المختلفة للرمال التي أقوم بلصقها بالغراء الأبيض ثم تركها لتجف، واعتمد بشكل كامل على توصيف حياة الواحة بكل ما فيها ونقل مشاهد منها ليتعرف الناس على الطابع التراثي للمنطقة من خلالها لتخرج اللوحة في النهاية تحمل جانباً من التراث الثقافي المصري بخامات كلها من البيئة المحيطة ومعبرة عنها شكلاً ومضموناً.
يضيف، أقوم بتنفيذ اللوحات على نوع معين من الأخشاب يأتي من شجر الدوم وينتشر في البيئة المحلية وله بعد تراثي وتاريخي، فأصل أهل الواحات أنهم رحل جاءوا من مناطق متعددة واستوطنوا المنطقة، فبعضهم جاء من المغرب العربي، وبعضهم من شبه الجزيرة العربية، وجانب منهم نزحوا من مناطق مختلفة من صعيد مصر واستوطنوا هذه المنطقة التي كانت غنية بالعيون الرومانية القديمة، إذ كان يزرع القمح بكثافة في هذه المنطقة ونما بجواره شجر الدوم الذي استخدمت أخشابه في حاجات الحياة اليومية، مثل الأثاث وسقف المنازل، فشجر الدوم إلى جانب كونه معمراً يعد من المفردات المحلية الرئيسة للواحات.
جزء من الهوية
الفنون التراثية بصورة عامة تثير إعجاب الجمهور بخاصة عندما تعرض على أشخاص بعيدين من المنطقة التي تمثلها سواء كانوا في البلد ذاته أو في دول أخرى وتمثل أحد أوجه التواصل بين الشعوب والتعرف على ملامح من تاريخها وثقافتها.
في هذا السياق يوضح وهبة، عرضت أعمالي في كثير من المعارض داخل مصر وخارجها ولاقت إعجاب الناس واندهاشهم في بعض الأحيان من إمكانية تنفيذ التفاصيل الدقيقة بالرمال ومن توافر كل هذه الدرجات اللونية، ويحرص البعض على اقتناء اللوحات باعتبارها عملاً مميزاً يختلف عن الرسم بالصورة التقليدية فإحساس الرمال يعطي اللوحة شكلاً وملمساً مختلفاً لا يستوعبه الناس إلا بمشاهدة اللوحة على الطبيعة، فالصور الفوتوغرافية لا توضح الملمس والتفاصيل الدقيقة للرمال مثل تأمل اللوحة على الحقيقة.
يتابع الفنون التراثية جميعها تمثل جزءاً من الهوية يجب أن نهتم بالحفاظ عليها إذ تكون قطعة فريدة من نوعها ليس لها مثيل ولا يمكن تكرارها ومن هنا فإنه لا بد أن يكون هناك اهتمام من الأجيال الجديدة بإدراك قيمة التراث، والعمل على وجود جيل يستكمل المسيرة في الفنون التراثية كافة ويستوعب أنها تمثل جانباً رئيساً من الهوية الثقافية.