الرجل الذي يستطيع خلع نتنياهو

منذ 9 أشهر 136

قبل أكثر من 100 يوم بقليل، كان بيني غانتس زعيم حزب معارض إسرائيلي صغير. والآن، في مكتب مشترك في مبنى عاديّ داخل مجمع وزارة الدفاع بتل أبيب، يساعد «السيد» غانتس في قيادة حرب إسرائيل على «حماس» في غزة بصفته عضواً في حكومة الحرب التي شكَّلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

يُمضي غانتس أيامه في استعراض الخطط العملياتية، ليس فقط للحملة الجارية في غزة، وإنما تحسباً أيضاً لحرب قد تندلع مع «حزب الله»، الجماعة الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، على الحدود الشمالية لإسرائيل.

لكنَّ التحدي الأكثر تعقيداً الذي يواجه غانتس يجلس معه على طاولة مجلس الوزراء للحرب: نتنياهو. وقد اتهم رئيس الوزراء مرات عدة في الماضي بتقسيم المجتمع الإسرائيلي. ومنذ بدء الحرب، تراجع رأي غانتس في نتنياهو -وتقديره للضرر الذي يسببه لإسرائيل- وفقاً لمساعدي غانتس وحلفائه السياسيين الذين جرت مقابلتهم بشأن هذه المقالة. كما أُجريت مقابلات مع مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين أجانب عدة بشأن غانتس.

يعيش غانتس (64 عاماً) في وضع فريد ومتناقض. وهو الآن، وبالأساس، الشخص الناضج في غرفة الحكومة الإسرائيلية. إن الكثير من الإسرائيليين، إن لم يكن معظمهم، وكذلك حلفاء إسرائيل، يتطلعون إليه لمنع التحركات المتطرفة التي يحث عليها أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف. وفي الوقت نفسه، ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإنه أيضاً الرجل الأكثر احتمالاً لأن يحل محل نتنياهو وحكومته الكارثية. إنّ إدارة هذا التحول وتمهيد الساحة لتولي رئيس وزراء ناجح سوف يتطلبان قدراً عظيماً من اللياقة السياسية، والقسوة، وفي المقام الأول من الأهمية الإحساس الحاد بالتوقيت.

في مسيرته السياسية حتى الآن، لم يثبت بعد أنه يحظى بتلك الصفات إلى الدرجة اللازمة.

عملياً، ومنذ اللحظة التي دخل فيها معترك السياسة عام 2018، وجد غانتس نفسه هدفاً لحملة تشويه نظّمتها شبكة من أنصار نتنياهو. ورغم ذلك، وافق على الانضمام إلى حكومة طوارئ مع نتنياهو لمساعدة إسرائيل في مكافحة جائحة كوفيد - 19 في عام 2020، وقد تسبب هذا القرار في انقسام حزبه (الذي كان يسمى آنذاك حزب «الأزرق والأبيض») وكلّفه جانباً كبيراً من الناخبين، وانهارت الحكومة في غضون بضعة أشهر. وبعد ثلاث سنوات، عاد غانتس مع نتنياهو مرة أخرى. وعلى ما يبدو فإن الحرب لم تترك له أي بديل آخر. في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومع ظهور حجم الهجوم المدمر المفاجئ الذي شنته «حماس»، قال غانتس لنتنياهو إنه على استعداد للانضمام إلى حكومة طوارئ. وإذا كان لديه أي قلق، فمن الواضح أن الأمر يتعلق بوجود قادة من أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف.

بإمعان النظر في استطلاعات الرأي، كانت هذه الخطوة السياسية الصحيحة لغانتس. لقد انخفضت شعبية نتنياهو. وإذا أُجريت الانتخابات الآن، فإن حزب الوحدة الوطنية الذي يتزعمه غانتس سيحصل على أكبر عدد من الأصوات حتى الآن. فقد يتمكن بسهولة من تشكيل ائتلاف حاكم.

كثيراً ما يحكي غانتس قصة مكالمة هاتفية مع والدته «مالكا»، الناجية من معسكر «بيرغن بيلسن» للاعتقال النازي، بعد أن سقطت صواريخ من غزة على ساحة منزل طفولته في أثناء حرب سابقة مع «حماس».

وكما روى، قالت والدته: «إذا لم يؤذِك ذلك، فإن كل شيء على ما يرام. إذا كان الأمر مؤلماً، فلن تشعر به على أي حال. إنني أطلب منكم شيئاً واحداً فقط: لا تتوقفوا عن القتال، ولكن أيضاً لا تتوقفوا عن توفير الطعام لهم. وقد أصبح ذلك إرثي الأخلاقي».

إنها قصة تضعه بشكل مثالي في الوسط السياسي الإسرائيلي: جنرال حازم بأخلاقيات موروثة من والديه الناجيين من المحرقة. كان ناحوم غانتس، والد بيني، عضواً نشطاً في حزب العمل، وفي مرحلة ما كان مرشحاً محتملاً للكنيست. بيد أن غانتس نفسه حاول جاهداً ألا ينحصر في أيٍّ من جانبَي الطيف.

في الواقع، إذا كان غانتس يحمل أي آراء سياسية خلال فترة خدمته العسكرية التي تزيد على 37 عاماً، فإنه نادراً ما يُظهرها. أمضى النصف الأول من حياته العسكرية إلى حد كبير في لواء المظليين الشهير، حيث صعد في الرتب العسكرية ليصبح قائد لواء. كانت معظم خبرته القتالية في محاربة المنظمات الفلسطينية المسلحة، ومن ثم «حزب الله» في لبنان.

يصفه الجنود تحت قيادته بأنه شجاع على خط النار ولكنه متأنٍّ في اتخاذ القرار خارج ساحة المعركة، ويفضّل توافق الآراء. حتى إنه اكتسب لقب «بينيهوتا»، وهو اسم مستوحى من اسمه وكلمة آرامية عبرانية تعني «المُستتر».

كان بالنسبة لرؤسائه مثال الضابط المظليّ: يحترم السلطة، ويقود بضرب المثال والقدوة من دون رفع صوته. ترقى سريعاً عبر سلسلة من المناصب القيادية. في سن 42 رُقِّي إلى لواء، وبعد عام، في عام 2002، صار مسؤولاً عن القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي.

لكن بعد ذلك بدا أن مسيرته تتعثر، مع تجربتين فاشلتين في المعترك السياسي. بدا كأنه يفتقر إلى الطموح القوي والحنكة السياسية اللازمة للوصول إلى قمة التل السياسي الزلق. لقد نجح في الوصول إلى هناك على أي حال.

أدى نزاع في عام 2009 بين وزير الدفاع إيهود باراك، ورئيس أركان القوات المسلحة الإسرائيلية غابي أشكنازي، حول مَن سيصبح نائب رئيس هيئة الأركان، إلى مرشح حل وسط: غانتس. كان من المفترض أن يكون آخر منصب له، وقد تقاعد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010، ولكن سلسلة من الفضائح لطخت المرشحين الرئيسيين للمنصب رفيع المستوى، وجرى استدعاؤه من جديد ليتولى منصب رئيس الأركان. ومرة أخرى، وليس للمرة الأخيرة، فإن طباع غانتس وحساسيته هي التي أوصلته إلى ذلك المنصب.

رغم أن الكثير من الرجال الذين سبقوه كقائد للقوات المسلحة ترشحوا لمناصب بعد الابتعاد عن الجيش، فإن مستقبل غانتس في السياسة -عندما انتهت ولايته التي استمرت 4 سنوات في هذا المنصب- كان بعيداً عن اليقين. اعتقد الكثيرون أنه لم يكن يملك الشجاعة الكافية. رغم أنه كانت لديه على ما يبدو تحفظات -كرئيس أركان الجيش- بشأن خطط نتنياهو وباراك لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، كما أكد لي وزير في مجلس الوزراء، إلا أن خلافاته المهنية مع سادته السياسيين ظلت مخفية عن الرأي العام.

مع اقتراب انتخابات 2019 أسفر غياب مرشح ليسار الوسط عن قدرة على تحدي نتنياهو مجموعة من النشطاء السياسيين وتشجيع غانتس بقوة على الترشح. وبوصفه رئيس أركان الجيش سابقاً، كان يحظى باحترام واسع النطاق من التيار الرئيسي الإسرائيلي.

كان مرشحاً نموذجياً من يسار الوسط، لدرجة أنه، بصفته زعيم حزب الصمود، أجبر الحزب الوسطي الآخر، حزب يائير لابيد، على الاندماج مع حزبه، وشكّل حزب الأزرق والأبيض. كاد الحزب الجديد يدفع أحزاب اليسار الصهيوني الأخرى، حزب العمل وحزب ميريتس، إلى الانقراض الانتخابي.

مع ذلك، فإن السنوات الأولى لغانتس في السياسة لم تكن مصدر إلهام للثقة. لقد فشل في زرع الشعور بالوحدة في المعسكر المعارض لنتنياهو. وكان الاقتتال الداخلي المستمر بين الفصائل الكبرى في حزبه الجديد وفريقه الخاص من الاستراتيجيين الخارجيين تتصدر عناوين الصحف الرئيسية.

* خدمة «نيويورك تايمز»