على رغم أنه لباس بسيط أزرق اللون يتكون من قميص ببضعة أزرار قماشية مع بنطال واسع، إلا أن "الدنقري" يشد اهتمام التونسيين ويحوز مكانة في قلوبهم.
ويعود تاريخ هذا اللباس لبدايات القرن الـ 20، وعلى رغم أن أصوله صينية فقد أدخل عليه المصممون التونسيون بعض الإضافات والأكسسوارات المستلهمة من اللباس التقليدي كالخمسة والشاشية والبلغة (حذاء جلدي بسيط التفاصيل مغلق من الأمام ومفتوح من الخلف)، إضافة إلى الكوفية الفلسطينية من أجل أن يلقى رواجاً أوسع في السوق، مما أسهم في تطويره وبات هذا اللباس جزءاً من الهوية التونسية.
الدنقري رمز التفاني في الصين
والمفارقة أن هذا اللباس الذي يرمز إلى الطبقة الكادحة والمنبوذة، باعتباره أيضاً يحيل إلى فئة من المجتمع تعرف بـ "الباندية" أي الفتوة، وهم عادة من خريجي السجون إلا أنه يرتدى في الحفلات والمناسبات بعد أن تضاف إليه اللمسة التقليدية.
و"الدنقري" يصنع من القطن لعمال الصين في بداية القرن الـ 20 في مدينة دنجيري وراج خلال الثورة الثقافية الصينية التي قام بها الزعيم الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ في عشرينيات القرن الـ 20، ويرمز إلى التفاني في العمل "من أجل الصين الشعبية الاشتراكية"، وكان في الأصل لباساً لعمال الأرصفة والموانئ.
الموضة غيرت وجه الدنقري
ويؤكد أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية في الجامعة التونسية الأمين البوعزيزي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "اللباس هو أحد عناصر تحديد الهوية وأحد معايير التصنيف الديني والهوياتي، وفي العصر الحديث لم يعد اللباس يحدده رجل الدين من خلال الحلال والحرام، بل باتت الموضة وأدواتها هي من تتحكم وتوجه الذائقة العامة في اللباس وفي سلوكنا اللباسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف باحث الأنثروبولوجيا أن "هذا اللباس كان في البداية مداناً باعتباره لباساً للمنبوذين إلا أن الموضة استطاعت أن تحوله من لباس منبوذ خاص بفئة العمال إلى لباس عصري حديث يتهافت عليه الشباب ويغيرون رمزيته وهويته الأصلية".
واستحضر البوعزيزي "قدرة رأس المال على أن جعل من الزقوقو (الصنوبر الحلبي) وهو في الأصل مخصص للفقراء، أكلة للأغنياء وبات يفتقده الفقراء"، لافتاً إلى "قدرة الموضة على أن تجعل من لباس العمال لباس موضة حديث يقبل عليه الشباب ويتم ارتداؤه في المناسبات، وبات باهظ الثمن يتراوح سعره بين 60 و120 ديناراً (30 و40 دولاراً)".
وحول إدخال الإضافات التقليدية على اللباس يجيب أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية أن"هناك فرقاً شاسعاً بين التراث والتتريث"، أي تحويل مادة غير تراثية إلى تراثية، مشدداً على أن السوق اليوم مفتوحة ويمكنها أن تستوعب هذا اللباس على أساس أنه تقليدي، إلا أن المتخصصين في التراث لا يرون فيه أي جانب هوياتي ولا علاقة له بالهوية التونسية".
الدنقري جزء من الذاكرة الجماعية في تونس
في المقابل هل تشفع الفترة التي انتشر فيها الدنقري في تونس لاعتباره لباساً تقليدياً؟ يعتبر أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة التونسية رمزي المحواشي أن الدنقري "جزء من الذاكرة الجمعية التونسية ويجب المحافظة عليه مثل اللباس التقليدي، لأنه عمّر لأكثر من قرن من الزمن وبالتالي وجبت المحافظة عليه تماماً مثل الجبة والبرنوس والكدرون والشاشية والسفساري واللحفة"، ويوضح أن "رمزية الدنقري تكمن في أنه يحيل إلى مجموعة من قيم الرجولة والقوة والنضال السياسي والنقابي".
مسلسل "علي شورب" روج للدنقري
ويظهر "الدنقري" في تونس ويختفي بحسب السياقات التاريخية والاجتماعية، ويرى خالد المزوغي، وهو صاحب محل لبيع هذا اللباس في السوق العتيقة في العاصمة تونس، أن "عرض مسلسل ’علي شورب‘ في رمضان العام الماضي أسهم في ازدهار تجارة الدنقري، وراج هذا اللباس بشكل لافت إلا أن ذلك كان ظرفياً، وشخصية ’علي شورب‘ ترمز إلى الفتوة والقوة ودائماً يرتدي الدنقري".
ويضيف المزوغي أن "القدرة الشرائية للتونسيين باتت تعوزهم عن شراء اللباس التقليدي التونسي فيلجأوون إلى لباس يشبه الزي التقليدي أو فيه جزئيات منه".
تصاميم مختلفة للدنقري
وعن هذه التصاميم الجديدة والإضافات في لباس الدنقري يقول المصمم أحمد العبيدي في تصريح خاص إن "الدنقري في شكله الأصلي لا يجد رواجاً كبيراً مقارنة بالدنقري الذي تتم إعادة تصميمه وإضافة الأكسسوارات التونسية المعروفة".
ويضيف أن "الدنقري يحوي نسبة 100 في المئة من القطن ويتميز بلونه الأزرق المشرق، وحتى تكون صبغته ثابتة يتم نقعه في مياه البحر أو الخل مدة 24 ساعة، ولا ينصح بنشره تحت أشعة الشمس". ويعرض أحمد العبيدي في محاله جملة من التصميمات المستوحاة من الدنقري بألوان حمراء وبيضاء وخضراء، إلا أن اللون الأزرق هو الأكثر رواجاً ربما لأن التونسي تعود على هذا اللون في الدنقري".