السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشعر بالضيق الشديد وأجد أن الموت راحتي من الدنيا لاأريد منها شيء أكره الدنيا وأكره الناس أشعر بالتيه والتشتت لاأجد أني شخص جيد وليس لي فائدة هل يجوز أن أدعو بالموت حتى أستريح؟
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد دلّ الكتاب والسنة، وآثار سلف الأمة على أن الدعاء، على أن الدعاء ببغي أو قطيعة رحم، أو الدعاء بالموت أو غيره من المكاره= منهي عنه؛ مثل من قال: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة، فعجِّلْه لي في الدنيا، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم، وكقوله -صلى الله عليه وسلم - ((لا تَدْعُوا عَلَى أنفُسِكم إلَّا بخير؛ فإن الملائكةَ يُؤَمِّنون عَلَى ما تقولون))؛ رواه مسلم.
وفي الصحيح أيضًا عن جابر بن عبد الله قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ؛ لا تُوَافِقُوا مِنْ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً؛ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ))؛ أي: لا تدعُوا دعاءَ سوءٍ؛ مخافَة أن يوافِقَ دعاؤكم ساعةَ إجابةٍ، فتندموا، ولا ينفعُكم الندم، وكل هذا من جهل الإنسان، وعَجَلَتِهِ؛ حيثُ يَدعُو عَلَى نفسه، أو أولاده، أو ماله، بالشرِّ عند الغضب، ويُبادرُ بذلك الدعاء، كما يُبادرُ بالدعاء في الخير، ولكن اللهَ اللطيفَ الخبيرَ - بِلُطفه ومنِّه وكرمهِ ورحمته - أخْبَرَ أنه يستجيبُ له في الخير، ولا يستجيبُ له في الشرِّ؛ فقال - سبحانه -: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]، قال مجاهد - كما علقه البخاري في صحيحه -: "قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم لا تُبارك فيه والعنه، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لَأَهلَكَ مَن دُعِيَ عليه، ولَأَماتَهُ".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وَصَلَهُ الفِريابيُّ، وعبدُ بنُ حميد، وغيرهما، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد في تفسير هذه الآية، ورواه الطبريُّ بلفظٍ مختصرٍ قال: "فلو يُعجِّل اللهُ لهم الاستجابة - في ذلك - كما يُستجاب في الخير، لأهلكهم، ومن طريق قتادة قال: هو دعاءُ الإنسان على نفسه وماله بما يكره أن يُستجاب له". اهـ.
وقال - تعالى -: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]؛ أخبَرَ - سبحانه وتعالى - عن عَجَلة الإنسان، ودعائه - أحيانًا - عَلَى نفسه أو ولده أو ماله بالموت، أو الهلاك والدمار واللعنة، ونحو ذلك، فلو استجاب له ربُّه، لهَلَكَ بدعائه، ولذلك؛ نهاه الشرعُ عن التعدِّي في دعائه؛ لأنه ربما يُستجاب؛ كما في الحديث السابق.
هذا؛ وقد ورد النهي عن تمني الموت والدعاء به؛ ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَمَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ، إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ»، وفي لفظ لمسلم: «لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَهُ؛ إنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإنَّهُ لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلا خَيْراً» .
وفيهما وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أصَابَهُ، فَإنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَت الوَفَاةُ خَيراً لي".
وفي الصحيحين أيضًا أن خبابًا مرض اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فقال: "لولا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ"، لأن شأن المؤمن أن يقابل المصائب والمحن الفقر بالصبر، والاحتساب، وانتظار الفرج، وصد الجوء إلى مولاه رجاء كشفها، وإنجائه منها، ولعله إذا طال عمره أن يتزوّد للآخرة، ويستكثر من ثواب الأعمال الصالحة، وإن كان مسيئًا فلعله يتوب ويرجع ويردّ المظالم.
وأيضًا فيخشى أن يكون الدعاء بالموت منافيًا للصبر والرضا والتوكل، فاستعن بالله ولا تعجز، وأصدق الفرار إليه بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، وحافظ على قراءة القرآن العظيم بتدبر وتفهم، وأدمن الذكر، وتحر أوقات الإجابة واشكوا كل ما تجده وتشعر به من تيه وغيره بقلب موصول بالله؛ كما حكى القرآن العظيم عن نبيه يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86]، فنبيه الله يعقوب عليه السلام وهو في واقعه الظاهر الميئس من يوسف وأخيه، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً على عودته إلى أبيه، واستنكار بنيه لهذا التطلع بعد هذا الأمد الطويل في وجه هذا الواقع الثقيل، إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور النبي الصالح، وحسن ظنه بربه؛ فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلم بنوه المحجوبون عن تلك الحقيقة، وهذه قيمة الإيمان بالله، واليقين في قدرته وقدره، ورحمته ورعايته، وإدراك شأن الألوهية مع العبيد الصالحين، ومن ثمّ قال: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، والقلب متى وفق لهذا وذاق هذا المذاق لا تبلغ الشدائد منه- مهما بلغت، فلا يأس من الله وفرجه ورحمته؛ {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]،، والله أعلم.