تشهد محافظة أسيوط بوسط صعيد مصر إقبالاً من قبل فتيات المحافظة على تعلم رياضة ركوب الخيل بعد افتتاح أول مدرسة فروسية معتمدة لتعليم الفتيات والبنات، تلك الرياضة التي كانت محظورة على الفتيات طيلة السنوات الماضية لطبيعة العادات والتقاليد بالمتحفظة ذات الطابع القبلي.
عدسة موقع "اندبندنت عربية" زارت مدرسة الفارسات لتعليم الفروسية للفتيات والبنات بمحافظة أسيوط، بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور عدد من فتيات أسيوط وهن يركبن الخيول بمهارة واقتدار داخل شوارع المدينة.
بداية الفكرة
قال مؤسس المدرسة مصطفى أحمد فراج إن "الفكرة جاءت منذ قرابة عام، ولم يكن الهدف تحقيق أرباح بقدر الوصول إلى المساواة في ممارسة الرياضة، ثم تواصل معي عدد كبير من الفتيات ممن لديهن الرغبة في تعلم رياضة ركوب الخيل، وبخاصة من طالبات كلية التربية الرياضية، وتأسست المدرسة بثمانية خيول متنوعة، وشهدت إقبالاً متزايداً على مدار العام من قبل فتيات وسيدات من مختلف الأعمار، وباتت المدرسة حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف فراج أن "المدرسة تواصل النجاح في تعليم فتيات أسيوط اللائي تجاوز عددهن 250 فتاة، على رغم العوائق التي تواجه تربية الخيول بعد ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث بلغ سعر الإردب الواحد 700 جنيه مصري (29 دولاراً أميركياً) وارتفاع أسعار العلاج البيطري لها".
كسر حاجز الخوف
عن قواعد تعليم ركوب الخيل للفتيات والسيدات ذكر عرفة عثمان (مدرب بمدرسة الفارسات) أن "أهم القواعد التي نبدأ بها في تعليم الفتيات رياضة ركوب الخيل هي كسر حاجز الخوف، وبخاصة أن الخيول معروفة بتقلب المزاج وكثرة الانفعالات، فقبل ممارسة الرياضة تقدم كل فتاة الطعام للخيل حتى نسهل عملية طاعة الفرس للفتاة، حتى تنشأ حالة من الثقة بين المتدربة وفرسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف عرفة، "نكثف جلسات تعليم الفتيات قواعد المشي البطيء على ظهر الخيل، ثم كيفية الاتجاه يميناً ويساراً، بعدها الهرولة والرمح السريع بالخيل، وللمحترفين نكثف تدريبهم على القفز فوق الحواجز والرقص بالخيل، واستطاعت فتيات أسيوط أن يحققن إنجازاً في إتقانهن السريع لرياضة ركوب الخيل، بل منهن من اشترت فرساً خاصاً بها عقب إنهائها دورة التعليم".
وأشار إلى أن فترة الدورة التدريبية الأولية تستغرق من شهر إلى ثلاثة أشهر، وتخضع المتدربة في نهايتها لاختبار عملي، وعند اجتيازه تحصل على شهادة تفيد منحها دبلومة في الفروسية، كما يجري التدريب داخل مناطق زراعية وصحراوية بهدف إزالة الرهبة لدى المتدربات، لافتاً إلى أن "من أهم شروط تعلم رياضة ركوب الخيل أن تكون المتدربة لديها الرغبة الجادة لأن التدريب يحتاج إلى صبر وعدم انفعال، وبخاصة أن الخيول متقلبة المزاج".
فارسات الصعيد
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من ألبومات الصور الخاصة بسباق عدد من الفتيات على ظهر الخيول، الأمر الذي دفع البعض للتشكيك أن يكون السباق قد جرى على أرض أسيوط.
ندا جمال (متدربة داخل مدرسة الفارسات) تحدثت عن تجربتها مع الخيول لـ"اندبندنت عربية"، قائلة، "بدايتي كانت سلبية بمنطقة الأهرامات في الجيزة على رغم حبي لها. اقتربت من الخيل من الخلف، لكني استقبلت رفسة قوية في قدمي، حفزت فضولي لتعلم تلك الرياضة، وعند الإعلان عن افتتاح مدرسة متخصصة لتعليم الفتيات الفروسية بأسيوط بادرت بالانضمام إليها".
عن أسباب عنف بعض الخيول وتمردها أوضحت ندا أن "عنف الخيول وتمردها يأتي من خلفية المعاملة السيئة لها، بالضرب المبرح والتشويك، لكن إذا أقام الفارس جداراً من الثقة مع الخيل فسيصبح الفرس له كالابن المطيع، لذلك نبدأ يومياً قبل ركوب الخيل بإطعامها وتدليلها، بهدف تحسين استجابتها خلال الرياضة وإزالة الخلفيات السيئة لدى الخيول من بعض البشر".
ريهام فتحي (متدربة داخل مدرسة الفارسات) تقول إنه كان لديها صورة نمطية لممارس تلك الرياضة، وأنه لا بد أن يكون شخصاً ذا قدرات عضلية فائقة، ربما بسبب تناول بعض الأعمال الدرامية، لافتة إلى أن تعلمها أكسبها مزيداً من الصبر والكياسة في التعامل مع كل من حولها، معتبرة انفعالات الخيل تشبه البشر إلى حد كبير، فلا بد لراكب الخيل أن يحتوي تلك الانفعالات ويتكيف معها.
نظرة المجتمع
قالت صفاء فتحي (متدربة داخل مدرسة الفارسات)، إنه على رغم إقبال عدد كبير من الفتيات والسيدات لتعلم رياضة الخيل، فإن "المجتمع ما زال ينظر إلى الأمر بنظرة استغراب، وكأن بعض الرياضات خلقت من أجل الرجال فحسب، لذلك فعلى وزارة الشباب والرياضة أن تسعى إلى تطبيق حق المساواة في ممارسة جميع أنواع الرياضات على أرض الواقع في جميع الأقاليم والمحافظات المصرية، دون النظر إلى أعراف أو عادات وتقاليد".
وذكر سيد أحمد (مدرب معتمد لتعليم ركوب الخيل) أن عدداً كبيراً من أولياء الأمور كانوا يعترضون في بادئ الأمر على تعلم فتياتهم تلك الرياضة بدافع الخوف عليهن من السقوط من فوقها أو من رفسات الخيل وتمرده، لكن بمجرد بدء الدورة التدريبية سرعان ما تتبخر هذه المخاوف بعد مشاهدة وسائل الأمان والتدريب المكثف والمنضبط".
وأبدت فاطمة محمد (متدربة داخل مدرسة الفارسات) دهشتها من بعض التعليقات بمواقع التواصل الاجتماعي على صور ركوب عدد من المتدربات الخيول ببعض شوارع أسيوط، قائلة، "أحدهم كتب أن هذه الصور مزيفة عبر تقنية (الفوتوشوب)، والآخر شكك في قدرة فتيات الصعيد على ركوب الخيل، والثالث اعتبر ركوب الفتيات للخيل حراماً شرعاً".
وترى فاطمة أن فتيات الصعيد قادرات على تحقيق أي إنجاز طالما توفرت لديهن الإرادة والدعم مهما كانت العوائق، بدليل تجاوز 250 فتاة الدورة التدريبية في مدرسة الفروسية، مناشدة وزير الشباب والرياضة إنشاء مدارس لتعليم الفروسية بجميع المحافظات المصرية على أن تتحقق المساواة في ممارسة الرياضة مهما كان نوعها أو صعوبتها.