الخلط بين الفاعلية والفعالية

منذ 1 سنة 194

يقول الأب الروحي للإدارة في العصر الحديث بيتر دراكر، إن «الفعالية (effectiveness) هي فعل الأشياء على نحو صحيح، والفاعلية (efficiency) هي أن تفعل الأشياء الصحيحة». هذه المقولة التي لا تخلو منها كتب الإدارة قد تبدو لأول وهله مبهمة أو فذلكية، غير أنها في الواقع تفسر الخلط الجاري بين المفهومين في حياة الأفراد والمؤسسات.

فعندما نقول إن إجراءات التصنيع وإرضاء العميل كانت فعالة (effective)، ثم نكتشف أن الموظف قد تجاوز إجراءات قانونية ولائحية وربما دفع هدية أو رشوة ليقبل عميله بالتسوية، فإنه قد وصل بفعالية إلى مبتغاه وهو إرضاء الزبون، أو إنتاج منتج مرغوب، لكنه في الواقع قد خالف أبسط تعليمات الصحة العامة والقوانين. وهناك مثلاً من يهبط بالطائرة أو يرسو بالسفينة إلى بر الأمان، لكنه ارتكب خطأ جسيماً خالف به كل قواعد السلامة. «فليس كل مرة تسلم الجرة» كما يقال. ولذلك وضع ديوان المحاسبة (المراجعة) أو لجان التدقيق للتأكد من طمس أي مظاهر للتخبط أو «الفهلوة».

إذن الفعالية (effectiveness) هي الوصول إلى نتيجة مقاربة للمرجوة أو ملتوية، في حين يقصد بالفاعلية (efficiency) تحقيق مبتغانا بأقل الموارد المتاحة والجهد والوقت.

وهناك طرق عديدة لقياس الفاعلية أو الكفاءة؛ منها مؤشرات الأداء أو أفضل التطبيقات. وربما الأشهر محاسبياً مصطلح «نسبة الكفاءة» (Efficiency Ratio)، وهي تقيس مدى استخدام الشركة لأصولها المتداولة والتزاماتها لتولد دخلاً مجزى يراعي مسألة الوقت المستغرق عموماً في العمل وفي تحصيل الأموال من العملاء. وكذلك نسبة دوران الأصول والمخزون وغيرها.

ومن أقوى أمثلة الفاعلية ما يحدث في المصانع اليابانية من نجاعة إجراءات التصنيع، المبنية على فاعلية كل خطوة. ومنها خرجت مفاهيم مثل «6 سيغما» و«الإدارة الرشيقة» (lean) التي نجحت فيها «تويوتا» بتصنيع أجود أنواع السيارات بأقل الجهود والتكاليف المادية. ولذلك تخطت مبيعات «تويوتا» عمالقة تصنيع السيارات الأميركية في عقر دارها.

بل يروى أن السيارة الشهيرة كرسيدا توقف تصنيعها لأنها لا تكاد تتعطل. وإن صحت هذه المعلومة فهذا سبب وجيه لوضع وكيل السيارة في الكويت على قمة برج بارتفاع يتجاوز نحو 150 متراً في معرضها الرئيسي. كان البرج أشبه بالمزار الذي يشاهده القاصي والداني في حقبة الثمانينات.

وربما أبسط مثال للمقارنة بين المفهومين، ما يردد بأن السيارة وسيلة فعالة لنقل الركاب من منطقة إلى أخرى، لكنها قد لا تكون «أكفأ» وسيلة فاعلة بسبب حرقها للوقود والتسبب في تلوث دخاني وضوضائي! مشكلتنا ليست بالفعّالية بل بغياب الفاعلية (الكفاءة)، حيث نستنزف «كثيراً من مواردنا» لإنتاج ما يمكن أن ينتجه بضعة أفراد وموارد.