يرافق يوم نحر الأضاحي في المغرب كثير من العادات والطقوس الطريفة والغريبة في الوقت ذاته، والتي تجعل من "العيد الكبير"، كما يسميه المغاربة لتمييزه عن العيد الصغير وهو عيد الفطر، مناسبة دينية واجتماعية خاصة ومميزة في كثير من جهات المملكة.
ومن بين الطقوس الملازمة ليوم النحر في عدد من أرجاء المغرب وضع شيء من الحناء في جبهة الخروف، ودم الأضحية على جبين الطفل الصغير، فضلاً عن "استثمار" جلد الأضحية لتزويج العانس أو استغلال لحم القديد من أجل مساعدة العاقر في الحصول على ذرية.
طقوس الدم
وفي مناطق عدة من المغرب تعمد النساء صبيحة عيد الأضحى أو في الليلة التي تسبقها إلى وضع حناء على جبهة الخروف قبيل موعد النحر، ظناً منهن أنها تُزين لتكون هدية يتم تقديمها إلى الله يوم النحر.
وتعمد أخريات إلى وضع قطرات من دم الأضحية بعد نحرها على جبهة الطفل الصغير أو في يده، اعتقاداً منهن بأن هذا الطقس يحول بينه وبين وقوع الشر له، وبأن ذلك يحميه من أذى الجن مستقبلاً.
وتوضح في هذا السياق الصالحة أوعقا، وهي سيدة في عقدها السادس، أن هذه الاعتقادات الشعبية كانت تسمعها وتعيها مذ كانت طفلة، وبأن أمها تحكي لها أنها كانت تضع لها في الصغر قطرات الدم على جبينها.
وتردف المتحدثة ذاتها بأن هذه العادة يمارسها بعض الناس على رغم أنها لم تعد منتشرة بشكل كبير سوى في الأرياف والبوادي والمناطق الشعبية وأنها عادة لا تضر أحداً، لاعتقاد يخص صاحبه ولا يتعدى نفعه إلى غيره.
وتابعت المرأة الستينية بأن هناك طقساً آخر تقوم به بعض النساء يوم النحر، إذ يتم "رش المكان الذي تتدفق فيه دماء الأضحية بالملح، لأن ذلك يمنح أهل المنزل أمناً وأماناً من الجن والعين وكل الشرور، سواء من البشر أو من الجن" وفق تعبيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الخوف من الجن
ويعلق الباحث في الثقافة والعادات المحلية قدور عبدربه على هذه الطقوس التي تقوم بها بعض الأسر يوم نحر الأضحية بالقول إن "هذه الطقوس والعادات قديمة جداً في المجتمع المغربي، وترتبط ارتباطاً كبيراً بالعلاقة مع الجن، وهي علاقات تتسم بالخوف والفزع من هذه المخلوقات".
وتابع الباحث شرحه بأن "هناك خوفاً طبيعياً من الجن ومن إمكان إيذائه للناس بسبب أو من دون سبب، مما يفسر الاعتقاد الشعبي بفوائد التخضيب بالدماء أو طلي جبين الصغير بدماء الأضحية، فهي مثل عادات يحتمي بها أصحاب هذا الاعتقاد من سطوة الجن عاماً كاملاً بحسب طقوسهم".
وأردف عبدربه أن "طقس رش الملح يمكن فهمه على أن هذه المادة يكرهها الجن ولا يطيقها وفق السائد في الذهنية الجمعية الشعبية"، مشدداً على أن "هذه المعتقدات اللصيقة بالجن تستمر على رغم تقلص حضورها ما دام الخوف من الجن قائماً"، معتبراً أن "هذه الطقوس لا علاقة لها في الواقع بالعلم ولا حتى بالإيمان". وأضاف أن هناك طقوساً أخرى تكشف عن اعتقادات فارغة من أي سند عقلي أو منطقي، ومنها رمي عظام الخروف بعد الانتهاء من نحره وسلخه عند جيران البيت حتى تكسر أوانيهم، كما أن بقاء العظام يسبب كسوراً في المنزل"، مبرزاً أن "هذا الطقس لم يعد حاضراً بقوة لكنه يحمل كثيراً من سوء النية وتمني الأذى للغير".
المرارة تزيل المرارة
وبعيداً من طقوس الجن والدم وغيرها التي تظهر يوم نحر الأضحية، تنتشر طقوس وعادات أخرى لا تقل طرافة وغرابة ولها علاقة أكثر بأجزاء الخروف نفسه، مثل الجلد أو اللحم المجفف (القديد) أو القرون أو المرارة، ومن هذه الطقوس التي ترتبط بعيد الأضحى، وتحديداً أيام النحر، تعليق مرارة الخروف على الحائط، وهي عادة شائعة جداً في كثير من البيوت المغربية، غير أن لها تفسيرات عدة تختلف من منطقة إلى أخرى، فهناك تفسير يقول إن تعليق مرارة الخروف على حائط البيت إلى أن تجف أو إلى أن يمر العام كاملاً ويحل عيد أضحى جديد يحمي الزوجين من الوقوع في "الخصومات المرة ويقي البيت الأضرار والأشرار".
وهناك تفسير آخر يميل إلى ما هو تجميلي خصوصاً عند المرأة، إذ يعتقد كثير من البنات والنساء أن مرارة الكبش لا يجب أن ترمى لأنها نافعة جداً في تقوية الشعر من جذوره، خصوصاً إذا تم خلطها بزيت الزيتون.
ويوجد تفسير ثالث بخصوص مرارة الكبش، فالمرارة الممتلئة تعني في اعتقاد بعضهم أن السنة الفلاحية ستكون مثمرة والأمطار ستكون وفيرة، ولكن إذا كانت المرارة هزيلة فتعني أن العام الزراعي سيكون ضعيف المردود.
قرون وقديد
وأما قرون الخروف فيتم تعليقها ووضعها في مكان عال من البيت أو فوق الأشجار، اعتقاداً بأن إبعادها إلى مكان بعيد من الأيدي يسهم في إقصاء الأرواح الضارة والشريرة عن المنزل والأسرة، كما يبعد عنها الحسد والعين الخبيثة، وفق معتقدات أصحاب هذه العادة.
وتحتفظ أيضاً كثير من الأسر المغربية بجلود الخروف، لأنها بحسبها تسرع في تزويج الفتاة العانس عندما تمسح بها وجهها، بينما يعتقد آخرون أن هذه الجلود تسهم في تجميل جلد البنت وتمنحه نضارة وألقاً، كما يعتقد أن أحشاء الخروف تسهم في علاج أمراض جلدية.
أما القديد فتقام من أجله طقوس وعادات شعبية قديمة في المغرب لا تزال معروفة ومعمول بها إلى يومنا هذا، إذ يتم جمع 100 قطعة من القديد التي يسميها المغاربة "الكديدة"، ويتم طبخها في وجبة الكسكس وتجتمع الأسر لتناولها، اعتقاداً بأن هذا القديد يسهم في منح الذرية للمرأة العقيمة.
لكن في المقابل ينتقد أطباء النساء والتوليد مثل هذا "الطقس العلاجي"، مؤكدين أن الرجوع إلى الفحوص والطب هو الحل الأسلم والوحيد لمعالجة العقم.