الحماقة أعيت من يداويها

منذ 9 أشهر 159

في كل البلاد التي ذهبت إليها سواء في أوروبا أو أميركا أو آسيا، كنت أستأجر سيارة وأسوقها بنفسي معتمداً على الخريطة الورقية، قديماً وعلى الـ(location) حالياً، ما عدا عندما أذهب إلى فرنسا فإنني أتحاشى أن أسوق، خوفاً من أن أقع في مصيبة حماقة السائقين الفرنسيين.

وما دمنا في هذا الصدد فقد ركبت يوماً تاكسيا في باريس، برفقة صديق سعودي يدرس في جامعة السربون، وكانت حماقته لا تقل عن حماقة السائق، وأخذ يتكلم بتليفونه بصوت يصمّخ الآذان، وطلب منه السائق أن يخفض صوته، غير أنه رفض ورفعه أكثر، فما كان من السائق إلاّ أن وجه له الشتائم، ثم أوقف السيارة وطلب منه أن ينزل فرفض هو ذلك، وبعدها نزل الاثنان ليتعاركا، ومن حسن الحظ أن رجل المرور القريب تدخل بينهما –ولا أدري بعد ذلك ماذا حصل بينهما -، لأنني استغليتها فرصة وخرجت من السيارة، واتجهت نزولاً إلى (الأندر غراوند) تحت الأرض، وركبته وانطلقت إلى سكني (فقيع) قائلاً بيني وبين نفسي: جبان جبان، ولا الله يرحمني –ويا روحي ما بعدك روح - !!

وأحياناً يأخذ التوتر أشكالاً عدة من التصرفات غير اللائقة، فقد اعترف 70 في المائة من السائقين الفرنسيين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم لا يتورعون عن شتيمة السائقين أو حتى المارة الذين يزاحمونهم في الطريق، بل وتصل إلى نعوت بذيئة، وهناك من ينزل من سيارته لكي يدخل في عراك مع السائق الذي ضايقه أو الراكب الذي معه، وهذه النسبة تضعهم أعلى من المعدل الأوروبي بـ15 درجة على سلم السلوكيات أثناء القيادة.

كما كشفت الدراسة أيضاً أن ثلاثة أرباع السائقين الفرنسيين قالوا إنه يحدث لهم أن يحولوا نظرهم عن الطريق أثناء القيادة، وغالباً ما يكون هذا للنظر إلى شاشة التليفون، وهناك من (يهايطون)، ويصفون أنفسهم بالحذر وحسن التصرف والهدوء أثناء القيادة، بينما يصفون الغير بالتهور والعدوانية وعدم الشعور بالمسؤولية.

ولاحظت برناديت مورو، المفوضة العامة للمؤسسة أن الغالبية العظمى من الفرنسيين يتسامحون كثيراً مع أسلوبهم هم في قيادة السيارة، لكنهم لا يتحلون بالتسامح نفسه مع غيرهم من السائقين على الطريق، وهي ملاحظة تدعو إلى التساؤل: هل يصاب الفرنسي بانفصام الشخصية عندما يجلس وراء المقود؟

إنني أعتقد ذلك بل وأجزم عليه، فالسائق الفرنسي والحماقة صنوان لا ينفصلان، وسبحان من خلق وفرق بين السائق الفرنسي الأهوج، والسائق الإنجليزي الذي يجلس وراء مقود السيارة وكأنه قالب ثلج أبكم من شدّة الأدب.