الحمار في المغرب "حمّال الهموم" ولكن لا يلقى الاعتراف

منذ 1 سنة 118

من ضمن أكثر المشاهد التي أثارت الانتباه عند متابعة أحداث الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب في الثامن من سبتمبر (أيلول) الحالي، مشاهد الحمير جماعات وفرادى وهي تحمل المساعدات والمؤن إلى منكوبي هذه الكارثة الطبيعية.

ولجأ متطوعون وسكان القرى النائية في جبال الأطلس الكبير التي ضربها الزلزال إلى خدمات الحمير التي لعبت أدواراً جليلة في هذه المحنة، نظراً إلى وعورة الطرق التي لا يمكن أن تمر منها المركبات والشاحنات.

وأعاد هذا الحيوان المظلوم في الذاكرة المجتمعية الاعتبار إلى نفسه، إذ أضحى بطلاً قومياً في هذا الزلزال، وكان حاضراً أيضاً في كثير من المحن، كما أنه ما فتئ يشاطر سكان القرى في المغرب حياتهم اليومية الصعبة من خلال إرساء علاقة تشاركية إيجابية بين الطرفين.

صمود فوق الأرض وتحتها

وفي وقت استهجن فيه بعضهم ظهور الحمير وهي تحمل الأثقال بعد الزلزال في عصر التكنولوجيا والطائرات و المسيّرات، أدرك آخرون أن هذه الحيوانات لعبت أدواراً أكثر حيوية من المروحيات في إيصال المساعدات الغذائية للسكان، لا سيما في الأيام الأولى بعد المصاب الجلل.
وإلى جانب الهبة الشعبية الهائلة التي عبّر فيها ملايين المغاربة عن تضامنهم مع منكوبي الزلزال، كان الحمار أيضاً أحد أبطال هذه الكارثة الطبيعية لما أظهره من حضور قوي ولافت، في صبر وصمت ومن دون الحاجة إلى التقاط صور مع المنكوبين والناجين، مثل ما فعل بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومثلما أظهر الحمار قوة تحمل وجلداً في رفع أطنان المواد الغذائية وحملها إلى المتضررين في قرى منطقة الحوز المهمشة، فإنه أبدى أيضاً صموداً من نوع آخر تجلى في بقاء أحد هذه الحمير حياً طوال ستة أيام تحت الركام في قرية إيمي إن أيسلي التي سواها الزلزال بالأرض، وذلك بعد أن انتشله المنقذون ليجدوه حياً يرزق قبل أن يعاينه الأطباء البيطريون عن كثب.

ولأن المتطوعين في أرض الميدان لاحظوا سريعاً وعورة التضاريس وصعوبة المسالك الجبلية واستحالة مرور الشاحنات عبرها، فقد أدركوا أن الخيار الأنجع هو ظهور الحمير التي تحمل الأكل والشراب إلى المنكوبين ليظلوا أحياء.
ويقول الناشط الاجتماعي في منطقة الحوز أحمد حوزي إنه عاين شباباً اشتروا عدداً من الحمير وجعلوا منها قافلة مكتملة تحمل المؤونة إلى طالبيها في القرى الجبلية المتضررة، كما عاين عن قرب تبرع برلماني مغربي بأكثر من 50 حماراً للغاية ذاتها".
وأوضح المتحدث ذاته أن "الحمار في هذه الكارثة كان ضرورياً لإيصال المساعدات عندما لم تفلح باقي الوسائل المتاحة"، مردفاً أن "عدداً من الشاحنات والمركبات كانت تصل إلى مناطق الزلزال ثم تتوقف لإنزال حمولاتها بعيداً من القرى المستهدفة بالدعم، ثم تحمل الحمير هذه المساعدات إلى المتضررين".

لا ينتظر جزاء ولا شكورا

وخلال معركة إنقاذ المصابين والناجين والمنكوبين في زلزال المغرب، تألقت المروحيات في السماء والحمير على الأرض في صورة لاقت إعجاب كثيرين وإشادتهم، كونها أسهمت في نجدة مئات المصابين الذين كانوا حينها لا يملكون شربة ماء ولا كسرة خبز.
ويقول محمد بلمو، وهو مدير مهرجان "فيستي باز" الذي يهتم بالحمير وأحد أشهر المدافعين عن هذا الحيوان، "لقرون طويلة كان الحمار الرفيق الأوفى للإنسان والوسيلة الوحيدة لتنقله ونقل أغراضه وتيسير اقتصاده وفك عزلته في أعالي جبال الأطلس والريف وفي كل جبال المعمورة".
واستطرد بلمو، "في أوج المأساة التي باغتت سكان هذه الأعالي في جبال الأطلس الكبير إثر الزلزال الذي ضرب المنطقة، كان هذا الكائن هو الوسيلة الوحيدة إلى جانب المروحيات التي جندتها الدولة لإمداد السكان المحاصرين وسط الدمار المهول، بالإسعافات والأغذية والخيم والأغطية منذ الساعات الأولى التي تلت الهزات المدمرة وإلى حين فتح المسالك الطرقية الوعرة والضيقة التي دمرت ومحت الانجرافات الصخرية مقاطع كبيرة منها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وأكمل المتحدث ذاته أن "الحمار كان حاضراً خلال هذه المحنة وغيرها من المحن، وواصل لعب دوره في خدمة الإنسان بدليل كثير من الصور والمشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام، وهو يحمل الأغدية والخيم والفرشات والأغطية إلى تجمعات الأعالي المحاصرة بين الأنقاض والصخور".
واستدرك بلمو، "لكن كثيرين قد لا يتنبهون إلى تلك اللقطات والصور لأنهم يعتبرون ما يقوم به الحمار شيئاً عادياً، على اعتبار أن دور الحمار هو حمل الأثقال في كل العصور والأزمان، لكن الأساس في كل ذلك هو أن الحمار يقوم بذلك ولا ينتظر جزاء ولا شكورا".

شراكة وصورة نمطية

هذا الحضور اللافت للحمار في الزلزال الذي هز المغاربة في مشاهد مرعبة ومؤلمة لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ أكثر من قرن من الزمن ليس وليد هذه المحنة، فما فتئ هذا الحيوان الخدوم موجوداً ويقدم الخدمات الاجتماعية ذاتها لسكان البوادي الهامشية على وجه الخصوص.
وفي كثير من البيوت في القرى والبوادي الجبلية والبعيدة، سواء في جبال الأطلس بأقسامها الثلاثة الكبير والمتوسط والصغير، أو في جبال الريف أو قرى الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد، يُشاهد الحمار ملازماً لرب الأُسرة وأفرادها في حلهم وترحالهم وحركتهم،
ويشكل بذلك جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للإنسان القروي، فهذا الأخير لا يمكنه العيش من دون حمار لأنه بمثابة سيارته الفاخرة التي تحمل له متاعه وأغراضه، وبواسطته يستطيع نقل المؤونة وبه يتنقل إلى الأسواق القروية الأسبوعية ويقضي مآرب حياتية ومعيشية ضرورية أخرى.
ولا غرو أن يعامل القروي في المغرب الحمار على أنه أحد أفراد أسرته الصغيرة، إذ يهتم بصحته ويمده بالأكل تماماً مثل أطفاله، فإذا كان الحمار قوياً أدخل على الأُسرة قيمة اجتماعية واقتصادية مضافة، وإذا هزل ومرض ساءت وتعقدت معيشة الأُسرة في تلك الجبال والقرى النائية.
وفي هذا السياق كتب عالم الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة كاليفورنيا عمر بوم الذي ترعرع في البوادي المغربية مقالة عن الحمار في المغرب، ورد فيها أن هناك "شراكة تكافلية تضمن أن كلاً من الحمار وصاحبه مستعدان للتحديات التي تفرضها الأيام الثلجية والممطرة، فبينما يعمل الحمار بجد طوال العام تدرك الأُسرة حقاً أن هذا الحيوان هو بمثابة أقدامها في هذه المناطق المعزولة، وبالتالي تطعم العائلات هذه الحيوانات مثلما تطعم أطفالها".

بدوره يؤكد بلمو أنه "أمام هذه الخدمات الإنسانية التي يقدمها الحمار يتعين الاعتراف بأن نظرتنا النمطية المتخلفة والظالمة إلى هذا الكائن الجميل والذكي والخدوم، والتي لا تزال منغرسة في أعماق لاوعينا وفي سلوكاتنا تحول دون تصحيح العلاقة والتمثل إزاء هذا الحمار"، مشيراً إلى أن "هذا الهدف هو ما يحاول أن يقوم به مهرجان بني عمار زرهون (فيستي باز) منذ أكثر من عقدين على رغم كل الصعوبات والعراقيل".