أمر غريب أن تجد نفسك وحيداً في منتصف العمر. يبدأ الموضوع ببطء مع مغادرة الأولاد للمنزل، أو انتقال الأصدقاء. الحياة التي كانت يوماً مليئة بالناس، ومفعمة بالأنشطة، والأيام التي بدت وكأن لا نهاية لها من المهام التي لم تكتمل أبداً، تُستبدل بحياة حول هاتف لا يرن. وبدلاً من الانشغال تصبح الأمسيات فارغة، وعطلات نهاية الأسبوع كأنها لن تنتهي.
أتت صديقة تعيش بمفردها، أولادها في الجامعة، لزيارتي منذ بضعة أيام. وبضحكة حزينة إلى حد ما، أخبرتني أنها أصبحت "المرأة التي تريد إلى حد ما الدردشة في مكتب البريد" [أي مع الغرباء في الأماكن العامة].
عانقتها. لاحظت أنه وبسبب انتقالها خارج لندن قبل بضع سنوات، على رغم أننا نتحدث عبر الهاتف ونتبادل الرسائل، إلا أننا لم نر بعضنا البعض وجهاً لوجه منذ ما قبل فترة جائحة كورونا. وهي شخص أعتبره صديقاً مقرباً.
مثل العديد من الأشخاص في الخمسينيات من العمر، انفصلت عن زوجها الذي بقيت معه ما يقارب ثلاثة عقود عندما ذهب أولادهما إلى الجامعة. ومثل العديد من الأشخاص البالغ عددهم نصف مليون شخص فوق سن الخمسين وأصبحوا الآن عاطلين من العمل بعد الإغلاق، فقد جرى فصلها من وظيفتها أثناء الجائحة.
بين ليلة وضحاها تقريباً، انتقلت من حياة مليئة بالزملاء وزوج وأطفال في المنزل والكثير من الأصدقاء - من العمل، ومن مدرسة أطفالها، ومن الجامعة - إلى العيش في ما وصفته بـ "العزلة العظيمة" في وسط منطقة كوتسوولدز. وقالت: "اعتقدت أن المطبخ في مزرعتي سيكون ممتلئاً بأولادي وأصدقائهم، وأن أصدقائي القدامى سيأتون لزيارتي وسأكوّن صداقات جديدة في القرية. ولكن في بعض الأحيان أشعر أنني أعيش في غيبوبة نهاية العالم. أذهب لأتمشى ولا أرى أي شخص".
وجدت دراسة أجرتها جامعة ولاية أريزونا نشرت هذا الأسبوع أن الأشخاص في مرحلة منتصف العمر في إنجلترا هم الأكثر وحدة في أوروبا وأكثر عرضة للمعاناة من آثار العزلة مقارنة بالأجيال السابقة. نظر الباحثون إلى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و65 سنة، ووجدوا أن جيل "الطفرة" (الذين ولدوا بين عامي 1955 و1964) وجيل "إكس" (أنا وكل من ولد بين عامي 1965 و1974) أبلغوا عن مستويات أعلى من الوحدة خلال منتصف العمر مقارنة بأي شخص آخر من جيل مختلف.
الأسباب وراء ذلك معقدة. مثل أميركا (الدولة التي لديها معدلات أعلى من الوحدة مقارنة بالمملكة المتحدة)، فإننا نميل إلى الانتقال إلى أماكن أخرى لأسباب مهنية ومن ثم ينتهي بنا الأمر بالعيش بعيداً من عائلاتنا وأصدقاء الطفولة.
وتؤدي الحياة العصرية وساعات العمل الطويلة والتكنولوجيا إلى تفاقم المشكلة. أدير مجتمعاً للنساء في منتصف العمر يُدعى "نون" noon.org.uk وأنظم ملتقى شهرياً للنساء فوق سن 45 سنة للالتقاء والتحدث وجهاً لوجه. الكثير ممن يأتون يقولون إنهم أصبحوا "منبوذين من مجتمعهم". بالنسبة للبعض، يكون ذلك بسبب الطلاق، أو البيت الفارغ.
"نحن البريطانيون رائعون في إظهار وجه شجاع، ولكن الحقيقة هي أن الكثير من الأشخاص الذين يعيشون حياة لامعة ظاهرياً هم في الواقع حزينون ووحيدون في الداخل"
تجد العديد من النساء ممن كان لديهن عمل بشكل دائم أنفسهن الآن عاطلات من العمل في الخمسينيات من العمر بسبب التمييز ضد كبار السن على أساس الجنس، ويقلن إنهن يفتقدن لصداقات العمل، والمزاح، و"مجتمع العمل".
لقد انتقلت العديد من نساء "كوين إيجرز" "Queenagers" (كما نطلق على النساء في منتصف العمر في "نون") [المصطلح مستوحى من كلمتي عُمر وملكة في الإنجليزية] من الحي الذي عشن فيه لعقود من الزمن مع تقاعد أزواجهن - والذين غالباً ما يكونون أكبر سناً. قالت إحدى النساء: "أحب الحياة في كورنوال. لدي الكثير من الأصدقاء هنا، لكن لا يمكنك تكوين 'أصدقاء قدامى'. غالباً ما أشعر أنني يجب أن أكون النسخة المشرقة من نفسي حين أكون مع أصدقاء جدد. لا أشعر أنني أستطيع إظهار الكثير من الواقعية أو الجانب القاتم أمامهم، وأنا في الواقع أواجه وقتاً عصيباً للغاية منذ وفاة والدتي".
منتصف العمر هو وقت للخسارة، والتغيير وإعادة التركيز، لأن كل ما كنا نقوم به على مدى العقود الثلاثة الماضية يميل إلى الانتهاء عند سن الخمسين تقريباً. وفي بحث أجرته "نون"، وجدنا أنه بحلول سن الخمسين، أكثر من النصف من النساء مررن بما لا يقل عن خمسة أحداث كبيرة في حياتهن - الطلاق، أو وفاة شخص قريب، أو التسريح من العمل، أو رعاية الأهل المسنين، أو مراهق يعاني من القلق أو ما هو أسوأ من ذلك، أو مشكلات صحية.
بالنسبة للكثيرين منا، فإن الاضطرار إلى التغيير المفاجئ في منتصف العمر يشكل صدمة. عندما كنت في التاسعة والأربعين من عمري، تركت العمل الذي حدد هويتي لمدة 23 عاماً، وعلى رغم وجود أولادي وزوجي بجانبي، إلا أنني كنت أعاني من الشعور بفقدان مجتمع عملي وجانباً مهماً من هويتي. لقد كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي شعرت فيها حقاً بثقل الوحدة.
إن العثور على مجموعة جديدة ليس شيئاً رائعاً فحسب، بل قد تعتمد حياتنا عليه. الوحدة لها آثار صحية خطيرة، في دراسة أجريت على 18509 أشخاص بالغين مصابين بداء السكري من النوع الثاني في المملكة المتحدة، تم سؤالهم عن مدى شعورهم بالوحدة وعدد المرات التي يرون فيها الأصدقاء والعائلة، قال 61 في المئة منهم إنهم يشعرون بالوحدة ونادراً ما يكون لديهم أشخاص للتحدث معهم.
الأشخاص الذين قالوا إنهم يشعرون بالوحدة كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 26 في المئة من الأشخاص الذين عاشوا حياة اجتماعية كاملة. في الواقع، وجدت الدراسة أن الشعور بالوحدة كان عاملاً أكبر لخطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتة الدماغية لدى المصابين بداء السكري من النوع الثاني مقارنة بتناول نظام غذائي سيئ، أو عدم ممارسة التمارين الرياضية، أو التدخين، أو الإصابة بالاكتئاب. وهذه نتيجة مهمة للدراسة.
نحن البريطانيون رائعون في إظهار وجه شجاع، ولكن الحقيقة هي أننا نعيش في وباء من الوحدة والكثير من الأشخاص الذين يعيشون حياة لامعة ظاهرياً هم في الواقع حزينون ووحيدون في الداخل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد وجدتُ أنه إذا كنت تنتقل إلى مرحلة جديدة، فأنت بحاجة إلى أصدقاء جدد لمساعدتك في أن تصبح نسخة جديدة من نفسك. لقد وجدت مجموعة جديدة شاركتني نظرتي الجديدة من خلال الذهاب إلى المنتجعات - فالبقاء عالقاً في مكان مجهول مع أشخاص آخرين يمرون أيضاً بتحولات كبيرة في حياتهم أو يعملون على تطوير أنفسهم هي طريقة رائعة لتكوين صداقات حقيقية جديدة وبسرعة.
كذلك هي الحال في الذهاب إلى عطلة بشكل فردي مع مجموعة من الأشخاص [الغرباء]. أو العمل التطوعي – سواء كان ذلك العمل في متجر خيري محلي، أو لمصلحة مؤسسة كبيرة مثل "ناشونال ترست" "The National Trust" [مؤسسة التراث القومي]، أو في بنك الطعام. العديد من الصداقات التي استمرت مدى الحياة تنهار في مرحلة منتصف العمر؛ وهذه عملية طبيعية للتخلص مما لم يعد يخدمنا (على رغم أنها مؤلمة جداً). الأصدقاء الحقيقيون يدومون إلى الأبد - ولكن علينا أيضاً أن نبحث عن أصدقاء جدد لم نتعرف إليهم بعد. كن منفتحاً، وكن ودوداً - أطلب من شخص ما الذهاب لتناول القهوة، وابدأ علاقة صداقة مع زميل جديد.
جزء من خدعة التجديد في منتصف العمر هو القيام بشيء جديد، والمجازفة، وتكوين علاقات جديدة عمداً. أعلم أن هذا يبدو مخيفاً، ولكنه أيضاً مثير ومنعش. حتى أنه قد ينقذ حياتك.
إليانور ميلز هي مؤسسة "نون" Noon.org.uk – موطن كويناجرز، وهو مجتمع للنساء في منتصف العمر. سيتم نشر كتابها "سيحصل المزيد في المستقبل" في 31 آب (أغسطس) من قبل دار النشر "هاربر كولينز"
"الشعور بالوحدة جعلني أنسى كيف أكون صديقاً"
غرانت فيلر، 55، مستشار شركات.
لا يتعلق الأمر فقط بالوحدة نفسها، بل بالمشاعر العديدة التي تصاحبها. عدم اليقين والشعور الغريب بأنك لم تعد الشخص الذي كنت عليه من قبل، وعدم القدرة المفاجئة وغير المبررة على إجراء محادثات بسيطة مع الأشخاص الأقرب إليك. ثم يأتي الخوف من فقدان مهاراتك - الاجتماعية والعملية والعاطفية - التي كنت تعتبرها في السابق أمراً مفروغاً منه، والرهاب المقوّض من أن الجميع يتحدث عنك خلف ظهرك.
لقد عانيت وتحملت كل هذا وأكثر عندما فقدت عملي فجأة عندما كان عمري 44 سنة. كانت الأمور المالية صعبة لفترة من الوقت، ولكنها لم تكن محفوفة بالأخطار أبداً. الأمر الأكثر صعوبة هو الشعور بأنني فشلت بطريقة أو بأخرى، لذلك انطويت على نفسي. في صحبة الآخرين، كنت أشعر تلقائياً أنهم سيطلقون الأحكام علي. لقد كتمت في نفسي في الوقت الذي كان علي أن أعبر فيها عن نفسي. أصبحت العزلة مصدراً للراحة وسط هذه الصراعات.
أنا محظوظ لأن لدي مجموعة أصدقاء مقربين مميزين وعائلة داعمة، ومع ذلك، خلال تلك الفترة، وجدت نفسي أقاوم وجود الأفراد ذوي النوايا الحسنة. لقد استهلكت أيامي في مهمة شاقة تتمثل في محاولة تغيير نفسي من صحافي متعب في منتصف العمر إلى مستشار للشركات. وبعد مرور عقد من الزمن، أشعر بالنجاح الكافي لأعيد النظر إلى تلك السنوات المنعزلة، التي اتسمت ذات يوم بإحساس عميق بالركود.
تساءلت عما إذا كان ذلك اكتئاباً، ولكنني الآن أدركت أنه كان شعوراً بالوحدة. لقد أمضيت حياتي العملية بأكملها مع الناس، أتحدث معهم، أتجادل، أستمع، وأتفاعل. وبعد ذلك، فجأة، لم يعد يوجد أي من ذلك. كنت مجرد رجل يرتدي البيجاما، يرسل رسائل البريد الإلكتروني إلى أشخاص ربما لم يقرؤوها، ولم يكن بصحبتي سوى كلبي.
عندما كان يعود بقية أفراد العائلة إلى المنزل من المدرسة والعمل، كان عليّ أن أجد القوة الداخلية للتظاهر بأنني لست الأب أو الزوج العاطل من العمل، خوفاً من أن تصبح هذه هويتي المميزة.
كانت التفاعلات مع الأصدقاء أكثر صعوبة بكثير. كنت على قناعة بأن لا أحد يرغب في قضاء الوقت معي، أو الأسوأ من ذلك أنني نسيت المهارات الاجتماعية التي تجعل الصداقات ناجحة في المقام الأول. الشعور بالوحدة جعلني أنسى كيف أكون صديقاً.
كانت نقطة التحول عندما سلمني أحد أصدقائي، الذي كان في حاجة ماسة إلى حارس مرمى ليكمل فريقه المكون من 5 لاعبين، زوجاً من القفازات على أمل أن أكون متاحاً لألعب. وبدلاً من الرد التلقائي بـ "لا، شكراً"، أجبرت نفسي على أن أقول نعم. (ففي نهاية المطاف، حارس المرمى هو المكان المثالي لشخص وحيد يشعر بالقلق، كما نجح المخرج الألماني فيم فيندرز في تصويره في فيلم "خوف حارس المرمى من ركلة الجزاء".) ثم قلت نعم لصديق أراد الالتحاق بدورة تدريب على الطبخ وثم إلى شخص آخر أراد أن ينشئ نادياً للكتاب، ثم نادياً للأفلام.
قد تكون كلمة "نعم" في بعض الأحيان هي الكلمة الأصعب بالنسبة لشخص يشعر بالوحدة، فكلمة "لا" هي الإجابة السهلة والغريزية. هذه الخطوات الصغيرة تطورت إلى إنجازات كبيرة.
كانت الوحدة، لحسن الحظ، مرحلة قصيرة في مرحلة منتصف عمري - ربما بضع سنوات، لكن اجتياز هذه الفترة منحني قدرة كبيرة. واليوم، أصبحت أكثر فعالية في عملي بسبب ذلك. من خلال تقديم النصائح للأشخاص الذين هم في ذروة حياتهم المهنية، حول كيفية رواية قصصهم، أدركت أنه كلما ارتقوا إلى أعلى، كلما شعروا بالوحدة. منتصف العمر يفعل ذلك بك. تبدأ في التساؤل عما هو قادم، بينما تنظر بتوتر لما مضى. لقد تعلمت ألا أفعل أياً من هذين الأمرين وأن أكون سعيداً في اللحظة. اليوم هو اليوم الذي يهم. فقط قل نعم.