الجلوس مع أمي طوال الوقت

منذ 12 ساعة 13

الجلوس مع أمي طوال الوقت


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2025 ميلادي - 9/9/1446 هجري

الزيارات: 33


السؤال:

الملخص:

فتاة تعيش مع أمِّها، وإخوتها جميعًا متزوجون، وأمها لا تعطيها فرصة للالتحاق بدورات، أو ممارسة أي مهارات، وتتعبها بالذهاب إلى السوق، وتسأل: هل مجالستها أفضل من أي عمل آخر؟

التفاصيل:

أعيش مع أمي وأختي، وإخوتي جميعًا متزوجون، مشكلتي أني – دون أختي - من يجالس أمي طوال الوقت، فلا أستطيع حضور دورات، أو ترتيب أغراضي الخاصة، أو ممارسة أي من المهارات المحببة، حتى إنني لا أستطيع قراءة القرآن أو الصلاة إلى وقت طويل؛ ذلك أن أمي تريد مني الجلوس معها، والخروج للسوق يوميًّا، بل نذهب في اليوم الواحد إلى أسواق كثيرة؛ فأتعب وأمَلُّ، وإذا رفضت الخروج إلى السوق معها، فإن أمي تتعب، فيؤنبني ضميري، فما الواجب عليَّ؟ هل مجالستها أفضل من أي عمل آخر؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ أما بعد:

فقبل البدء بالبحث عن الحلول، أود الإشارة إلى أن ما بكِ إنما هو مُقدَّرٌ من عند الله عز وجل، مسطور في اللوح المحفوظ قبل خَلْقِ الزمان والمكان، والمهم والأهم في ذلك هو أهمية بِرِّ الأم بالذات، الذي تفوزين بسببه بدخول الجنة؛ والآيات التي تتحدث عن بر الوالدين كثيرة: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وصيةً من الله عز وجل، وجاء في السنة الوصية ببر الوالدين؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بِرُّ الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله))؛ [أخرجه البخاري حديث رقم: 527].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب))؛ [صحيح ابن ماجه: حديث رقم: 3661].

والأحاديث والآيات التي تتحدث عن حسن صحبة الأم وتقديمها على صحبة الأب كثيرة.

على العموم ذكرت لكِ ما ذكرت؛ لتشعري بأهمية نعمة الله عليكِ بأن منَّ عليكِ الله أن تكوني أنتِ من تجالسين والدتكِ، وقد تكون هذه المجالسة والمتابعة والاهتمام سببًا في دخولكِ الجنة؛ لذلك افرحي واسعدي بهذه النعمة، لا تتذمري، ولا تحتاري.

أما بالنسبة لموضوع الدورات والدروس التي لا تستطيعين الالتحاق بها، أو حتى أموركِ الخاصة بكِ، من ترتيب لأموركِ، وتنسيق نمط حياتكِ الشخصية، وكل ما شابه ذلك، فكل ذلك مقدور عليه ومستطاع، وإنما يكون ذلك بتنظيم الأوقات، وإعلام والدتكِ ببرنامجكِ مسبقًا، الذي تبدو فيه أنها الأولى في حياتكِ قبل كل شيء، مع أخذ المساحة الخاصة بكِ، وأنا على يقين أنها ستستجيب لكِ بعد محاورتها بشكل هادئ.

عليكِ بالتجربة هذه، على أن تُشعِريها من خلال الحوار أنكِ لها، ولن تتخلَّي عنها، ولن تبتعدي، ولكن لا بد لكِ من وقت، ولو قليلًا خاصًّا بكِ، واستعيني على ذلك بالدعاء لها ولكِ، بأن يبارك الله لكِ بالأوقات.

إذًا، لا بد لكِ من طاعتها بالمعروف الطاعةَ التي يحبها الله، التي لا تشمل سوى المباحات في المأكل والمشرب والملبس.

طاعة الله بالمعروف التي لا ضرر فيها؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف))؛ [صحيح البخاري حديث رقم: 7257]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))؛ [أخرجه البغوي في شرح السنة: 2455].

وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، الشاهد من الآيات والأحاديث أن الطاعة تكون في معروف مباح، فلا بأس بالامتناع عن طاعتها فيما يؤخركِ عن طاعة الله، ولا يكون ذلك إلا من خلال الكلام الطيب معها، والأسلوب الحسن، والدعاء الدائم لها بالهداية لِما يحبه الله ويُرضيه، وحينها تتمكنين بأسلوبكِ الجميل المتواضع لها كأمٍّ أن تخبريها، وتطلبي منها التقليل من الذهاب إلى الأسواق، وخاصة عندما لا يكون هناك حاجة لذلك، أو عندما يكون لديكِ في برنامجكِ أمور خاصة بكِ، لا بد لكِ من الالتزام بها.

أخبريها - عزيزتي - عن أوامر الله سبحانه وتعالى للمرأة: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، فهنا إذا رفضت الاستجابة لكِ، يمكنكِ مخالفتها بعد التوضيح لها أن جلوس المرأة في بيتها أولى، إلا لحاجة ضرورية، ودون أن يكون في هذا الخروج أي مخالفة شرعية، كما أن للعلماء أقوالًا كثيرة حول هذا الموضوع، ويمكنكِ العودة إلى فَتْوَاهم بالنسبة لخروج المرأة إلى السوق.

في الختام يا بنتي: كما قلتُ لكِ نعمةٌ من نِعَمِ الله عليكِ أن تَبَرِّي والدتكِ، مع التأكيد على مفهوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أثابكِ الله على طاعتكِ هذه، ويسَّر أمركِ بأن تطيعيها فيما أمَرَ الله عز وجل، واعلمي أنكِ لا تطيعيها في ترك الفرائض، وإنما يمكنكِ مجالستها في النوافل، فلا بأس في ذلك.

وفقكِ الله لاختيار الصواب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.