التلصص الإلكتروني يحرك أسئلة اتهامية عن طبيعة وغايات المتلصصين

منذ 1 سنة 186

كانت كيتي (اسم مستعار) في بدايات تعرفها على شاب حينما سافر في عطلة إلى المكسيك. وبعدما رأت بعض القصص المثيرة للشك على حسابه في "إنستغرام"، تولد لدى الفتاة ابنة 22 سنة إحساس بأن صديقها سافر برفقة فتاة أخرى. واحتاجت إلى دليل على ذلك. ولذا، أنشأت حساباً مغفل الاسم على "إنستغرام"، أو ما يعرف أيضاً بالحساب المجهول الاسم. وفي الغالب، ينشأ ذلك النوع من الحسابات لمصلحة هدف وحيد يتمثل في عدم ترك أي أثر للشخص الحقيقي الذي يستخدمه. خلال استعراض القصص التي نشرها حبيبها، دققت كيتي ومحصت باستخدام اسمها المستعار إلى أن اكتشفت هوية "رفيقته" الحقيقية في تلك الإجازة الرومانسية. وتروي ذلك بتفاخر، "لقد كنت محقة بالطبع".

وفي الغالب، يعرف جميعنا كيف يميز الحسابات المخفية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تكون من دون صورة شخصية، وإما أن يتضمن اسم المستخدم أرقاماً كثيرة أو أنه شائع للغاية أكثر من أن يبدو قابلاً للتصديق، إضافة إلى أن ذلك الحساب يكون "خاصاً". لا بد أنك صادفت حساباً من هذا النوع وافترضت أنه منشأ بواسطة الحاسوب، لكنه في بعض الأحيان قد يكون لشخص قابلته في السابق فعلاً. 

وتحكي كيتي أنها تستخدم حسابها الخفي الاسم كي تبقى مجهولة الهوية خلال الاستقصاءات التي تجريها، على عكس حسابها العلني الذي يظهر اسمها الحقيقي. بكل الأحوال، من الذي يريد الكشف عن هويته كمتجسس على وسائل التواصل الاجتماعي؟

واستطراداً، يملك معظم أصدقاء كيتي حسابات مخفية، وبحسب الأشخاص الخمسة الذين تحدثت إليهم خلال كتابة هذه المقالة، وهم في العشرينيات من العمر، فإن معظم أصدقائهم يمتلكون حسابات مخفية أيضاً. وبينما لا ينشر "إنستغرام" إحصاءات عن عدد الحسابات المملوكة لكل مستخدم، فإن التطبيق يسمح لنا بامتلاك خمسة حسابات على كل جهاز، في حين تستطيع إنشاء حسابات أكثر عبر استخدام أجهزة أخرى. يعني هذا عدم وجود حدود لعدد الحسابات التي يمكن لشخص واحد امتلاكها. بالمقابل، يسمح "تويتر" للمستخدم الواحد بإضافة وإدارة ما يصل إلى خمسة حسابات، ويتبع "فيسبوك" السياسة ذاتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أؤكد لكم أن إنشاء حساب مخفي بهدف التجسس على أحدهم يبدو سلوكاً هوسياً بعض الشيء، إن لم نقل إنه يقترب من سمات القاتل المتسلسل المتخيل جو غولدبيرغ الذي يعتمر قبعة سوداء في مسلسل "أنت" YOU  الذي تعرضه "نتفليكس". ومع أنني أتعاطى مع المواضيع الحياتية اليومية بسبب عملي في القسم الذي يغطي هذه الشؤون في "اندبندنت" وأنتمي إلى جيل الألفية، لكنني لست مستعدة بعد لوصم أبناء جيلي بـ"المتعقبين المهووسين". نحن ما زلنا نحاول التعامل مع إدمان وسائل التواصل الاجتماعي الذي ابتلينا به منذ الولادة. لقد نشأنا على "فيسبوك"، نراقب حياة بعضنا بعضاً، ونبالغ في توثيق حياتنا الخاصة، اعتدنا مراقبة أقراننا عبر الإنترنت وأن نكون فضوليين. في المقابل، من البديهي الإشارة إلى إنه إذا كنت تمتلك هاتفاً بين يديك، فإن هذا النوع من التطفل قد يخرج عن السيطرة.  

تستخدم أليس (اسم مستعار) البالغة من العمر 24 سنة حسابها المخفي لإجراء "تفقد روتيني" على حساب شاب واعدته بشكل متقطع خلال العام الماضي. تلقي نظرة يومية على القصص التي ينشرها وبقية أصدقائه كي تبقى على اطلاع على ما يفعله. أسرت لي بأنها اختارت تاريخ ميلاد مزيف حينما أنشأت الحساب، واستخدمت اسماً مذكراً كي تبعد الشكوك عنها. إنه التخفي المثالي. وكي لا تثير الشبهات بأي شكل من الأشكال، قررت متابعة الحسابات المهتمة بكرة القدم على حسابها المخفي. وبضحكة، تزيد "في كل مرة أتصفح فيها باستخدام الحساب. لا أرى سوى صور لاعبي كرة قدم وهم يسجلون الأهداف. هذا أبعد ما يكون عني". ترى أليس الجانب الطريف لسلوكها الذي لا تتحرج من الحديث عنه معي، لكن ما يشعرها بالارتياح يأتي من أن معظم صديقاته يتبعن الأسلوب نفسه. تقول لي إن "زميلتيها في السكن تمتلكان حسابات مخفية" موضحة أن إحدى صديقاتها تستخدم حسابها المخفي لتعقب حبيبها السابق، وقد شجعتها على إنشاء حساب مخفي في المقام الأول.     

وتسر لي أليس كأنها تحاول تبرير الأمر، "نمر جميعنا بمراحل يكون لدينا فيها هوس أو ولع غريب بأشخاص محددين، في بعض الأحيان أشعر بالفضول [تجاه] ما ينشره شخص ما، لكنني لا أريده أن يعرف أنني أراقبه. بإمكانك اكتشاف أشياء كثيرة عبر حساب أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فإن التلصص عليهم باستخدام حساب مخفي يشبه نوعاً ما امتلاك مصدر مطلع".  

استطراداً، لدى أليس بعض الشكوك حول قدرتها على التخلي عن هذه العادة، لا سيما حينما تصادف بعض المعلومات المزعجة خلال مهمتها الاستقصائية. تشاهد أحياناً تلميحاً يظهر أن حبيبها السابق يواعد فتاة جديدة، أو أنه يتقدم في حياته من دونها. وتعترف بذلك، "على الأرجح يجب أن أحذف الحساب المخفي، لأنه يزيد مشكلاتي. لا أشعر بالرضا بعد التصفح باستخدامه". تقر أن رؤية دليل على وجود عشيقة جديدة في حياة حبيبها السابق مؤلمة. حاولت حذف حسابها المخفي مرات عدة، لكنها لم تتذكر كلمة المرور كي تتمكن من إلغاء تفعيل الحساب، لذا، تستمر في تفقده يومياً عوضاً من ذلك.

لدى اختصاصية العلاج النفسي آنا جاكسون شريحة من العملاء تراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة. وقد قابلت مرضى يعترفون أنهم أنشأوا حسابات مخفية لمراقبة أحبائهم السابقين. وترى جاكسون أنه من الطبيعي تماماً "تفقد" حساب حبيب سابق على وسائل التواصل الاجتماعي بدافع الفضول. وتوضح أنها "طبيعة البشر"، مشبهة الأمر بالإتيان بفعل خاطئ بعض الشيء لكنه ليس جريمة، كالمشي على العشب على رغم قراءة يافطة تطلب منك ألا تفعل ذلك. وبحسب رأيها، "إنه ذلك النوع من الأشياء التي تشعرك بالإثارة".  

ومع ذلك، تحذر جاكسون من أن لجوء شخص ما إلى بإنشاء حساب مخفي لملاحقة حبيب سابق ينبع من "منطقة غير صحية". إذ ترى في ذلك مؤشراً على أن الشخص لا يزال متعلقاً بعلاقة قديمة، ولا يؤدي ذلك لسوى إطالة أمد صعوبة تخطي العلاقة. وتضيف، "أنت لا تمنح نفسك فرصة لتجاوز تلك المشاعر العميقة حقاً، كالحزن والألم".

من المستطاع الحصول على معلومات كثيرة من حساب شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي، فيكون التلصص عليه أشبه بالتوصل إلى رؤية ما عنه

في ملمح متصل، لا ترتبط الحسابات المخفية بنوع الجنس أبداً، إذ يستخدمها الرجال أيضاً. يدعو مايكل (اسم مستعار) حسابه المخفي بالـ"إنستغرام المزيف". ويستخدمه لنشر محتوى يتعلق بكواليس حياته أمام مجموعة محددة من أصدقائه. يوثق ما يشاء من تفاصيل من دون قيود، لكنه يستخدم الحساب كي يكون مجهول الهوية حين يحاول فهم أمر ما. ووفق كلماته، "استخدمه حينما يتبدى لي أمر ما، وأحتاج الاطلاع على القصة التي نشرها شخص ما من دون استخدام حسابي الأساسي. وكذلك أستعين به كي أتحقق من عدم حظر حسابي".   

في السياق نفسه، توضح اختصاصية العلاج النفسي ليسا لوليس أن ما تسميه "المراقبة عبر الإنترنت" باتت أمراً شائعاً بين الشباب. وتضيف، "قد يكون الانغماس في التلصص الرقمي على شريك سابق مغرياً. يفعل بعض الناس ذلك كوسيلة لتقبل الأمر بعد الانفصال، بينما يغذي لدى آخرين الرغبة في التمسك بالعلاقة". بالتالي، ترى لوليس إن الشخص في بعض الأحيان ربما يبحث عن إجابات حول الأمور التي سارت بشكل خاطئ في العلاقة. وعلى غرار جاكسون، لا تعتقد لوليس بأن هذا الأمر [الحساب المخفي] يشكل الطريقة المثلى لتقبل الواقع، وتحذر من أن هذا السلوك قد يؤدي إلى إطالة أمد مشاعر "الهوس" و"الغيرة" وحتى "الاكتئاب". وتسدي نصيحة مفادها بأنه "من الأفضل بكثير التركيز [بشكل مستقل] على تعافيهم وتقدمهم في الحياة".

استكمالاً، تشير لوليس إلى أبحاث تظهر أن التواصل مع الشريك السابق عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يعوق عملية التعافي في مرحلة ما بعد الانفصال. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي ذلك إلى تأجيج المشاعر السلبية، ويؤدي إلى انزعاج أكبر بشأن الانفصال، وتضيف "من الممكن [أيضاً] أن يمنع التقدم الشخصي خلال مرحلة ما بعد الانفصال".

في ذلك الصدد، بناء على علاقة أبناء جيلي الطويلة الأمد مع وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن الوصول إلى هذه النتيجة أمر لا مفر منه، وقد يكون مبرراً. لكن أود القول إن جيل الألفية يستحق بعض التعاطف. نحن فئران تجارب العصر الذين ما زالوا يتلمسون طريقهم في وجودهم على  الإنترنت. على الأقل، أنا أشعر بالارتياح لحقيقة أن أليس وكيتي ومايكل يبدون مدركين لاحتمال رؤية سلوكهم كسلوك "مسمم".

وعلى الأرجح، إنهم يعلمون أن عليهم وضع حد للأمر عاجلاً وليس آجلاً. لكن، من يستطيع لومهم حينما تمنحنا وسائل التواصل الاجتماعي وسائل التنقيب والتجسس والبحث لاستكشاف الحقائق القاسية؟ وسواء أرضتك تلك الحقائق أم لا، فهذا أمر ليس متفقاً عليه بالدرجة نفسها على كل حال.

ووفق كلمات أليس، "لا أعتقد أن [التلصص الإلكتروني] سيشعرك براحة البال على الإطلاق. أرى أن الخروج من تلك العلاقات، هو الحل الأمثل. لا تنبش في أرض تعلم أنك ستجد فيها ما سيزعجك".