التكنولوجيا قلصت دور البريد وعمل "الرقاص" في المغرب

منذ 1 سنة 184

سيارات كهربائية جديدة تنقل البريد بالمغرب (وكالة الأنباء المغربية)

يحاول المغرب رقمنة وتطوير قطاع البريد لمجاراة التطورات التكنولوجية والتقنية المتلاحقة، من قبيل اعتماد سيارات كهربائية لتوزيع البريد في المدن بدل الدراجات النارية التي دأب سعاة البريد على استخدامها خلال تأديتهم أعمالهم اليومية.
وعلى رغم محاولات عصرنة وتطوير البريد المغربي، خصوصاً على مستوى التوزيع، فإن العاملين في البريد غالباً ما يلجأون إلى الاحتجاج والإضراب لتحسين ظروف عملهم وطلب رفع رواتبهم، علاوة على مشكلة نقص عدد العمال نظراً إلى تقلص استعمال المغاربة للرسائل في تواصلاتهم، بسبب اعتماد التواصل عبر الهاتف المحمول أو الإنترنت.

البريد و"الرقاص"

ويعود تاريخ البريد في المغرب، وفق مصادر متطابقة، إلى عام 1892 في عهد السلطان مولاي الحسن الأول عندما أمر بإحداث "البريد المخزني"، ليكون بذلك أول خدمة بريدية في البلاد، معتمداً على خدمات "الرقاص"، وهو ساعي البريد في تلك الحقبة.
وكان هذا "البريد المخزني" يربط بين 13 مدينة في ذلك الوقت قبل الحماية الفرنسية" (الاستعمار) في نوفمبر (تشرين الثاني) 1912، وهي: طنجة والرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس وأزمور والجديدة والقصر الكبير وأسفي ومراكش والصويرة وتطوان والعرائش.
وأما "الرقاص" فهو ذاك المستخدم عند "البريد المخزني" الذي يقطع أحياناً العديد من الكيلومترات بين مدينة وأخرى، من أجل إيصال الرسائل والطرود بين الأسر والعائلات، ولعل أصل التسمية هو كنية الساعي بين طرفين بمثابة مؤيد رقصة معينة.
وكانت الرسائل في تلك الحقبة الزمنية التي يحملها "الرقاص" في محفظته الجلدية التقليدية المسماة "الشكارة"، تختم بأختام عربية تسمى "الأختام المخزنية" تتيح توزيع الرسائل والطرود، قبل أن تأتي "الحماية الفرنسية" ليبدأ العمل وقتئذ بالطوابع البريدية.
ويعود تاريخ أول طابع بريدي في المغرب إلى 22 مايو (أيار) 1912 في عهد السلطان مولاي حفيظ، وكان يحمل صورة لزاوية عيساوية بمدينة طنجة، ثم انطلق طابع البريد الذي يحمل إشارة الحماية الفرنسية، قبل أن يأمر الجنرال الفرنسي ليوطي في عام 1917 بوقف وسم "الحماية الفرنسة" على تلك الطوابع البريدية.

هموم ساعي البريد

وتحول "الرقاص" الذي اشتهر في "مغرب الاستعمار" تدريجاً إلى ساعي البريد بعد استقلال البلاد في عام 1956، الذي كان يعتبر حجر الزاوية في البريد المغربي، باعتباره صلة الوصل بين العائلات في كل مدينة وقرية. وتنامى البريد المغربي شيئاً فشيئاً طيلة سنوات بتراكم التجارب المهنية، حيث صار فاعلاً اجتماعياً واقتصادياً مهماً، إذ كان الوسيلة الرئيسة في نقل الرسائل والبضائع والطرود أيضاً بين جهات المغرب، ما أسهم في إدماج البريد ضمن المنظومة المالية والاجتماعية للبلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع تنامي قطاع البريد تنامت أيضاً مشكلات عمال القطاع، من ساعي بريد وغيره من المستخدمين، الأمر الذي جعلهم يدخلون في سلسلة إضرابات تحذيرية وأحدثها الدعوة إلى الإضراب، الجمعة 24 فبراير (شباط) 2023، في مختلف مدن المغرب.
في هذا الصدد، قال ساعي البريد نبيل غراب "إن ساعي البريد الذي كان في وقت سابق محور البريد، ومن دونه لا يشتغل هذا القطاع، صار أقل أهمية سواء عند الناس أو حتى بالنسبة إلى الإدارة المشغلة، نظراً إلى أن الإقبال على الرسائل لم يعد كما كان بسبب تطور الحياة والوسائل التكنولوجية". وأضاف أن "عمال البريد بصفة عامة، وليس سعاة البريد فقط، يشكون جمود الرواتب وضعف التعويضات المالية، علاوة على عدم جذب هذه المهنة للشباب، حيث لا يقبلون على مباريات التوظيف القليلة أصلاً، ما أفضى إلى نقص في الموارد البشرية".
وتشكو نقابات عمال البريد الغاضبون، وفق بيانات احتجاجية، من "ظروف العمل وقساوة العيش جراء تراجع القدرة الشرائية"، ومن "إثقال كاهل عموم عمال البريد، وإنهاكهم بتعدد المهام في غياب وسائل العمل"، كما تطالب بتغطية النقص في العنصر البشري، وزيادة الأجور وتعزيز سياسة التوظيف".

التكنولوجيا تغتال البريد

وأمام المشكلات التي يقول عمال البريد إنهم يتجرعون مرارتها في عملهم، تحاول الحكومة تطوير القطاع بعدد من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق العصرنة والرقمنة، وكان آخرها اعتماد مركبات كهربائية محلية الصنع بشكل كامل لتوزيع الطرود والبريد.
ووفق منشور سابق لوزارة الصناعة والتجارة، فإن هذه المركبات الصغيرة لا تتجاوز المدة اللازمة لشحنها ثلاث ساعات"، وهو ما دفع وزير الصناعة، رياض مزور ليقول إن "البريد المغربي سباق إلى مثل هذه المبادرات ومبدع في طرق التوزيع".
ويراهن القائمون على البريد المغربي على التوجه صوب الطاقات النظيفة من خلال العمل بسيارات كهربائية في توزيع الطرود والرسائل، وهو ما كشف عنه مدير قطب الأنشطة البريدية في مؤسسة "بريد المغرب"، عبدالعظيم المسعودي، بقوله "إن الاعتماد على وسائل نقل إيكولوجية يسهم في تقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكاربون".
وعلق الناشط النقابي في البريد عبدالقادر طفيل على هذا الموضوع بالقول "إن هذه الخطوة جيدة وإيجابية بالنظر إلى ضرورة مراعاة واحترام البيئة، لكن القطاع يترقب مبادرات وقرارات أكثر أهمية من مجرد مبادرات تسويقية مهما كانت أهميتها". وتابع المتحدث ذاته أن "التطور الرقمي الحاصل ضرب في مقتل البريد المغربي، لأن هناك استغناء شبه كامل عن الرسائل العادية والتقليدية، نتيجة اكتساح الهواتف والإنترنت لهذه المعاملات، ولم يعد البريد يقوم إلى جانب بعض المهام الاعتيادية سوى بنقل الطرود التي لا يمكن للهواتف أو الإنترنت حملها".
وتفيد معطيات رسمية صادرة عن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات أن هناك ارتفاعاً سنوياً لمشتركي الإنترنت في المغرب يبلغ 16 في المئة، ليصل عدد المشتركين إلى حدود يونيو (حزيران) 2021، إلى أكثر من 30.6 مليون مشترك، بينما بلغ المشتركون في الهواتف النقالة قرابة 50 مليون مشترك حتى أبريل (نيسان) 2021.