التكفير عن ذنب التقول على الغير

منذ 1 سنة 192

التكفير عن ذنب التقول على الغير


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/10/2023 ميلادي - 22/3/1445 هجري

الزيارات: 32



السؤال:

الملخص:

سائل قال كلامًا على لسان شخص آخر؛ ليحل مشكلة مع أخيه، ثم إنه أحس بالذنب، ويريد التكفير عن تقوُّله على الشخص ما لم يقل، ويسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

عندي أخ غير صريح، يتكتَّم على الأمور التي تقع له، فكلمته ذات مرة في أمرٍ حدث له كان يخفيه، فسألني: من أين علمت به؟ فكذبت عليه وذكرت له أن فلانًا رآك وأعلمني، وبعد أن عرفت المشكلة ووجدت لها حلًّا، قلت له الحقيقة بأنني من رآه، ليس الشخص الذي ذكرته، فأحسست بالذنب إذ تقوَّلت على هذا الشخص كلامًا لم يقله، وأريد التكفير عن ذنبي، ولا أستطيع أن أخبره بما كان مني؛ حتى لا يزداد الأمر سوءًا، فهل ثمة طريقة لأكفِّر بها عن ذنبي، دون أن أخبره؛ كالصدقة مثلًا أو غيرها؟ أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

أولًا: لا شك أنك أخطأت في افترائك على شخص ما بكلام لم يقلْهُ، ولعل حماستك لردع أخيك عن أمرٍ ما، مع جهلك بأحكام الشريعة هو الذي دفعك لذلك.

ثانيًا: والأصل الشرعي في مثل هذه الذنوب هو الجمع بين التوبة والتحَلُّلِ ممن ظُلِمَ.

ثالثًا: إن تعذَّر التحلل من المظلوم لتعذر الوصول إليه بأي وسيلة، أو خشيَ الظالم ترتُّبَ مفسدة حقيقية أعظم، وليس مفسدة متوهمة، ولا اتباعًا للهوى؛ فعليه مع التوبة الآتي:

1- الإكثار من الدعاء للمظلوم.

2- ذكره بما فيه من محاسن في المجالس التي انتقصه فيها والذَّبُّ عن عِرْضِه.

ثالثًا: لعلك بعد الدعاء تتشجع وتكسر حاجز الخوف الوهمي؛ متذكرًا قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وتكتب لمن ظلمتَه بالجوال، أو ترسل له رسالة صوتية، تتحلل فيها من تقوُّلِكَ عليه، مبينًا له اعتذارك عن خطئك، وأن الذي دفعك هو حسن نيتك، وأنك نادم جدًّا على ما بدر منك، وأنك أخبرت الأخ الآخر بكذبك، وأتوقع أن أي إنسان عاقل وأي محب صادق يقرأ أو يسمع مثل اعتذارك سيقبله، فإن حصل المتوقَّع؛ وهو قبوله لاعتذارك، فالحمد لله، وإن لم يحصل، فيُرجى براءة ذمتك بالاعتذار والتوبة الصادقة.

رابعًا: وأكْثِرْ مع ذلك من الحسنات الماحية للذنوب؛ من الاستغفار، والصدقة، والدعاء، وعموم الأعمال الصالحة؛ متذكرًا قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 110 - 112].

وقوله عز وجل: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

خامسًا: خذ لك درسًا مستقبليًّا في اجتناب الأعمال السيئة، بله الكبائر من المعاصي؛ وهي:

1- الكذب الذي هو صفة من صفات النفاق العملي، وكبيرة من الكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتمن خان))؛ [متفق عليه]، زاد في رواية لمسلم: ((وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم)).

2- التجسس والتحسس على الغير؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وللحديث التالي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا))؛ [رواه الإمام مالك، والبخاري، ومسلم، واللفظ لمسلم].

3- وفي عدم إحراجهم بذكر ما يخفونه عنك.

سادسًا: اعلم - حفظك الله - أنك لست مكلفًا بهداية الغير، ولكن عليك النصح والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56].

وكما قال عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

سابعًا: واعلم - رحمك الله - أنك لست مكلفًا بمنع الناس من المعاصي، إلا من لك سلطة عليهم؛ كزوجتك وأبنائك، وحتى هؤلاء اسلُك معهم سبيل الإقناع ما استطعت إليه سبيلًا؛ فهو أنفع وأبقى، فقد شاهدنا من سلكوا طريقة القوة فقط، فلما ماتوا اقتحمت زوجاتهم وأولادهم بعض المحرمات الشرعية؛ لأنهم تركوها سابقًا من غير قناعة، بل على مضضٍ.

ثامنًا: اعلم - وفقك الله - أن دين الإسلام غاياته شريفة، وكذلك وسائل تحقيقه شريفة أيضًا، أما مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، فهو مبدأ غربي لا يجوز للمسلم العمل به، والحماسة للحق لا تبرِّر سلوك الخطأ لتحقيقه.

حفِظك الله، وغفر الله لك.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.