دفع تدهور القدرة الشرائية في الجزائر إلى تغيير تقاليد ومراسم الأعراس، إذ بات خفض ساعات الأفراح في قاعات الحفلات واشتراط عدد محدود من المدعوين ومنع إحضار الأطفال من الظواهر الجديدة التي أصبحت معتمدة لدى العائلات بهدف تقليص الكلف.
مساس بالتقاليد
وبعدما كانت العائلات الجزائرية ترصد موازنات ضخمة لإقامة الأعراس والأفراح في صالات وقاعات فاخرة، تغيرت الأحوال بعد أن طالت الأزمة الجيوب وتراجع معها مستوى المعيشة، كما مس التراجع المالي نمط العيش وبات يهدد التقاليد برمتها ومن أبرزها الزواج، أحد أهم الأحداث المجتمعية.
وكانت أعراس الجزائريين بعامة، الضخمة منها والبسيطة، رمزاً للخير واللقاء والسعادة والفرح المشترك، لكنها شهدت خلال الأعوام الأخيرة وبخاصة ما بعد جائحة كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية وضعاً صعباً انعكس سلباً على معيشة الشعوب، ومساساً بتقاليدها وضوابطها ومفهومها وأصولها بعد أن ظهرت معالم جديدة في إقامتها.
وفي هذا الشأن يقول مراد، وهو مسؤول قاعة حفلات في منطقة بيرخادم بالجزائر العاصمة، إن التقاليد والأعراف لم يعد لها مكان أمام تراجع معيشة الجزائريين جراء تدهور القدرة الشرائية.
بات التراجع الاقتصادي يهدد تقاليد المجتمع الجزائري (الإذاعة الجزائرية)
خفض الكلفة
ويضيف أن تأجير قاعة الحفلات يتجه نحو أن يكون بالساعة وليس باليوم مثلما كان سابقاً، فقد اعتاد أصحاب العرس حجز القاعة من الثامنة صباحاً إلى منتصف الليل، وهم يقدمون المأكولات ومختلف الأطباق والحلويات والمشروبات، ولا يتوقف قدوم المدعوين حتى ساعات متقدمة من الليل.
لكن الأمور تبدلت اليوم، يوضح المتحدث، وبات التراجع الاقتصادي يهدد تقاليد المجتمع الجزائري، وأصبح التأجير من الرابعة عصراً حتى الـ 10 ليلاً على أقصى تقدير، مبرزاً أن كل ذلك من أجل تخفيف ضغط المصاريف وخفض الكلف.
سعر قاعة حفلات بسيطة لا تقدم أية خدمات إضافية، ولا تتواجد في منطقة راقية في محافظة الجزائر العاصمة لا يقل عن 10 ملايين سنتيم (750 دولاراً)، في حين قد يتراوح إيجار الصالات التي تقدم المأكولات أو متطلبات أخرى ما بين 1000 و5 آلاف دولار، وقد تصل أحياناً إلى 10 آلاف دولار، بحسب موقعها ومساحتها وخدماتها.
وعن ذلك يقول مسير قاعة الحفلات إن الأسعار ترتفع بحسب عدد المدعوين، وكلما زادت الخدمات من طبخ وصنع حلويات وخدمة التقديم مع خادمات وخدم وموسيقى وتصوير إلى غاية إحضار فرق موسيقية أو مغنيين سواء هواة أو معروفين.
اللجوء إلى الحيل
لكن مع تدهور القدرة الشرائية للجزائريين بات التفكير في كلف إقامة العرس وكيفية الحد منه أمراً لا بد منه، بحسب مراد الذي أشار إلى أن العائلات وأصحاب قاعات الحفلات باتوا يلجأون إلى "الحيلة من أجل كبح الكلف لمصلحة الطرفين، ومنها خفض ساعات الأفراح والأعراس وتجنب تقديم مزيد من الأطباق والحلويات، واشتراط عدد محدود من المدعوين من أجل تقليص الخدمات وتجنيد العاملين، ومنع جلب الأطفال تجنباً لأخذ حصة شخص بالغ من المدعوين".
وأضاف أن من هذه الحيل خفض عدد الألبسة التي تظهر بها العروس إلى ثلاثة بعدما كانت تصل إلى تسعة و10، وهي العادة التي تسمى لدى الجزائريين بـ "التسديرة" وقد كانت ضرورية، إضافة إلى دمج الخطوبة والخاتم في حفلة العرس بعدما كان كل تقليد يقام على حدة في حفلة كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف أن هذه التغيرات سمحت لأصحاب القاعات بتنظيم عرسين في يوم واحد، وبذلك تضاعفت المداخيل.
"العرس ليلة وتدبيره عام"، مثل شعبي جزائري أصبح حقيقة تنطبق على العائلات الجزائرية بعد أن أصبح التنصل من التقاليد والهرب من الكلف عبر ابتكار الحيل سمة بارزة، وآخرها "التسديرة" مع "العشاء"، فبينما تتناول أفواج المدعوين الطعام تقوم العروس بارتداء أزيائها وتأخذ الصور التذكارية، في محاولة ناجحة لتوفير المال.
أرقام مخيفة
وهناك من يرى أن الأمر لا يتعلق بتدهور القدرة الشرائية بقدر ما هو مرتبط بمفاهيم جديدة، إذ أوضح مدير الشؤون الدينية والأوقاف لمحافظة إيليزي عبدالقادر باخو أن نقص الإمكانات المادية للشباب في مقابل غلاء المهر وشروط الزواج مثل وظيفة بأجر جيد وتوفير السكن وغيرها من متطلبات العصر، إضافة إلى اهتمام الشبان والفتيات بالرفع من مستواهم العلمي من خلال الدراسات الجامعية العليا، أسهمت جميعها بشكل مباشر في تأخير سن الزواج.
وعلى رغم أن الحكومة الجزائرية أكدت أن نسبة ظاهرة العنوسة تبلغ خمسة في المئة من مجموع السكان، إلا أن الأرقام تشير إلى وجود 12 مليون فتاة عزباء، وأكثر من 5 ملايين أعزب.
كما ترى وزارة الصحة والسكان أن متوسط سن الزواج بات يتراوح بين 29 و30 سنة بالنسبة إلى النساء، وحوالى 33.5 سنة بالنسبة إلى الرجال، مما أسهم في رفع نسبة العنوسة إلى الرقم المعلن وهو خمسة في المئة.
غير أن الوزارة استدركت بأن النسبة لن ترتفع أكثر مستقبلاً بسبب ازدياد عدد المواليد الذكور في المدة الأخيرة، مما سيسهم في التقليل من ظاهرة العنوسة لاحقاً.