التحقيقات الفدرالي يعتقل قاضية أمريكية بتهمة مساعدة مهاجر على التهرب من السلطات

منذ 7 ساعة 21

هزت الأوساط القضائية في ميلووكي بولاية ويسكونسن، يوم الجمعة 25 أبريل، واقعة اعتقال قاضية بارزة في محكمة المقاطعة، هانا دوجان، من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

ووجهت إلى القاضية دوجان اتهامات خطيرة تتعلق بمساعدتها لرجل على التهرب من سلطات الهجرة، في خطوة من شأنها أن تزيد من حدة التوتر المتصاعد بين إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب والسلطات المحلية بشأن تطبيق سياسات الهجرة الصارمة التي تتبناها الإدارة الفيدرالية.

تفاصيل الواقعة

وأظهرت في تفاصيل الحادثة أن القاضية هانا دوغان متهمة باستغلال منصبها لتسهيل هروب رجل ومحاميه من قاعة المحكمة التي تعمل فيها، عبر باب خاص بهيئة المحلفين، بعد أن علمت بنية سلطات الهجرة اعتقاله داخل مبنى المحكمة. إلا أن خطتها المزعومة باءت بالفشل، حيث تمكنت السلطات من إلقاء القبض على الرجل عقب عملية مطاردة قصيرة خارج المبنى.

يأتي هذا الاعتقال في ظل اتهامات متزايدة أطلقتها إدارة الرئيسدونالد ترامب لمسؤولين محليين بمحاولة عرقلة سياساتها المتعلقة بتطبيق قوانين الهجرة بشكل صارم. كما يعكس الحادث التوتر المتنامي بين الإدارة الفيدرالية والسلطة القضائية حول القرارات التنفيذية التي تستهدف تعزيز عمليات الترحيل ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

الاعتقال

ونفذ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عملية اعتقال القاضية هانا دوغان في وقت مبكر من صباح الجمعة، حيث تم اقتيادها من ساحة مبنى المحكمة، بحسب تأكيد المتحدث باسم دائرة المارشال الأمريكي، برادي مكارون. وقد مثلت دوغان لفترة وجيزة أمام محكمة فدرالية في ميلووكي في وقت لاحق من اليوم نفسه، قبل أن يتم الإفراج عنها مؤقتًا. وتواجه تهمًا جنائية خطيرة تشمل "إخفاء فرد لمنعه من الاكتشاف والاعتقال" و"عرقلة أو إعاقة إجراءات قضائية".

خلال جلسة الاستماع الأولية، قال محامي القاضية ، كريغ ماستانتونو: "إن موكلتي تشعر بأسف شديد وتعتبر اعتقالها إجراءً مرفوضًا"، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة "لم تكن في مصلحة السلامة العامة". ورفض المحامي تقديم المزيد من التعليقات للصحفيين بعد الجلسة.

من جانبه، أصدر الحاكم الديمقراطي لولاية ويسكونسن، توني إيفرز، بيانًا انتقد فيه الاعتقال، واصفًا إياه بأنه يعكس استخدام إدارة ترامب "خطابًا خطيرًا بشكل متكرر لمهاجمة ومحاولة تقويض نظامنا القضائي على جميع المستويات".

وأعرب الحاكم عن ثقته في نزاهة السلطة القضائية، قائلاً: "سأواصل وضع ثقتي في نظام العدالة لدينا ريثما تتكشف تفاصيل هذه الحادثة أمام القضاء".

مسلسل الأحداث

وتشير وثائق المحكمة إلى أن الواقعة بدأت عندما أبلغت كاتبة الجلسة القاضية هانا دوغان بوجود عناصر من إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) في المكان، بناءً على معلومة حصلت عليها الكاتبة من محامٍ لاحظ وجودهم في الردهة المحاذية لقاعة المحكمة.

ووفقًا لإفادة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، كانت ردة فعل دوغان "غاضبة بشكل واضح" لدى علمها بوصول عناصر الهجرة، حيث وصفت الوضع بأنه "عبثي"، قبل أن تترك منصة القضاء وتنتقل إلى مكتبها الخاص.

وتضيف الإفادة بأن القاضية دوغان وزميلة أخرى اقتربتا لاحقًا من فريق الاعتقال داخل المبنى، ووصف شهود سلوكهما بأنه كان "صداميًا وغاضبًا". ودار نقاش بين القاضيتين وعناصر الأمن حول مذكرة توقيف المتهم إدواردو فلوريس-رويز.

وبعد هذا النقاش، طالبت دوغان بأن يتحدث فريق الاعتقال مع رئيس القضاة، وقادتهم بعيدًا عن قاعة المحكمة نحو مكتب الأخير.

كما أكدت الإفادة أيضا أن دوغان عادت بعد ذلك إلى قاعة المحكمة، وهناك سُمعت وهي تتوفه بكلمات مثل "انتظر، تعال معي"، قبل أن تصطحب فلوريس-رويز ومحاميه عبر باب هيئة المحلفين إلى منطقة في المبنى يحظر على الجمهور دخولها.

ويُشار إلى أن هذا الإجراء كان "غير معتاد"، حيث يُستخدم هذا الباب الخلفي فقط من قِبل الأمن وهيئات المحلفين وموظفي المحكمة والمتهمين المحتجزين تحت حراسة الشرطة، ولا يستخدمه المحامون أو المتهمون الذين ليسوا رهن الاعتقال.

لافتة مثيرة للجدل

وكشفت التحقيقات عن وجود لافتة معلقة على باب قاعة محكمة القاضية هانا دوغان، تشجع أي محامٍ أو مسؤول آخر في المحكمة على "إخطار الكاتب وطلب المثول عبر تطبيق زووم" إذا كان هناك شخص يشعر بعدم الأمان عند الحضور إلى قاعة المحكمة رقم 615. ووقد أثار هذا الإجراء تساؤلات حول موقف القاضية بشأن حضور الأفراد إلى الجلسة في ظل المخاوف المتعلقة بوجود سلطات الهجرة.

خلفية قضية المهاجر إدواردو فلوريس

وحضر إدواردو فلوريس-رويز، البالغ من العمر 30 عامًا، إلى المحكمة التي تعمل بها القاضية هانا دوغان لجلسة استماع بشأن 3 تهم وجهت له وهي الاعتداء بالضرب. إذ تعود أحداث القضية إلى مشاجرة مع زميل له في السكن نشبت بسبب تشغيل موسيقى صاخبة. وفقًا للتهم الموجهة إليه، يُزعم أن فلوريس-رويز اعتدى جسديًا على زميله في السكن، كما قام بمهاجمة امرأتين حاولتا التدخل لإنهاء المشاجرة.

ويواجه فلوريس-رويز عقوبة قد تصل إلى تسعة أشهر في السجن وغرامة قدرها 10 آلاف دولار عن كل تهمة في حال إدانته. وكشفت وثائق المحكمة أنه كان قد دخل الولايات المتحدة بشكل غير قانوني بعد ترحيله في عام 2013. كما أمر قاضٍ فيدرالي ببقائه محتجزًا رهن المحاكمة في القضية الجنائية المرفوعة ضده.

ردود فعل غاضبة

وأعربت المدعية العامة بام بوندي عن استيائها الشديد تجاه تصرفات القاضية هانا دوغان، مشددة على أهمية سيادة القانون. وقالت في تصريح لها: "لا يهم مجال عملك. إذا خالفت القانون، فسوف نتبع الحقائق وسنقاضيك". كما أيدها مسؤولو البيت الأبيض في هذا الموقف، مؤكدين أن لا أحد فوق القانون، وذلك في إطار التأكيد على وجوب محاسبة الجميع على قدم المساواة أمام النظام القضائي.

احتجاجات في ميلووكي

وتبعت اعتقال القاضية هانا دوغان موجة من الاحتجاجات في مدينة ميلووكي، حيث تجمع متظاهرون بعد ظهر يوم الجمعة خارج مبنى المحكمة الفيدرالية للتعبير عن غضبهم واستنكارهم لاعتقال قاضية أثناء ممارستها مهامها.

ووصف إميليو دي توري، المدير التنفيذي لمنظمة "ميلووكي تيرنرز"، خلال الاحتجاج، الاعتقال بأنه "خطوة بالغة الخطورة" و"تهديد لاستقلالية القضاء". وأشار إلى أن القاضية دوغان كانت عضوًا سابقًا في مجلس إدارة المنظمة المحلية، مؤكدًا أنها "كانت بالتأكيد تحاول التأكد من عدم تعطيل الإجراءات القانونية الواجبة والحفاظ على حرمة المحاكم".

وحذر دي توري من تداعيات هذا الإجراء، قائلاً: "إرسال عناصر مسلحة من مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة الهجرة والجمارك إلى مبانٍ كهذه سيخيف الأفراد الذين يحضرون إلى المحكمة لدفع الغرامات أو للتعامل مع أي إجراءات قضائية قد تكون لديهم".

ومن جانبها، وصفت العضوة الديمقراطية في مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسن، تامي بالدوين، اعتقال قاضية في الخدمة بأنه "خطوة بالغة الخطورة والجذرية"، مؤكدة أنه يمثل "تهديداً بخرق" مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية.

مقارنات مع قضايا سابقة

تحمل قضية القاضية هانا دوغان أوجه تشابه مع قضية أخرى رُفعت خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد قاضية ماساتشوستس، شيلي جوزيف، التي اتُهمت بمساعدة مهاجر على الهروب من عنصر إنفاذ قوانين الهجرة.

وأثارت تلك القضية حينها انتقادات واسعة في الأوساط القانونية، حيث اعتبر العديد من الخبراء أن الاتهامات كانت ذات دوافع سياسية. وفي نهاية المطاف، أسقط المدعون الدعوى ضد شيلي جوزيف خلال حكم إدارة الرئيس جو بايدن بعد أن وافقت على تحويل قضيتها إلى وكالة حكومية مختصة بالتحقيق في مزاعم سوء السلوك القضائي.

إجراءات صارمة من وزارة العدل

ويأتي اعتقال القاضية دوغان في إطار إشارات قوية من وزارة العدل في عهد إدارة ترامب بشأن عزمها على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسؤولين المحليين الذين يعرقلون جهود الحكومة الفيدرالية لتطبيق قوانين الهجرة.

وأصدرت الوزارة تعليمات واضحة للمدعين العامين للتحقيق في إمكانية توجيه اتهامات جنائية لأي مسؤول يعرقل أو يعيق أداء الوظائف الفيدرالية. استشهدت الوزارة بقوانين تجرّم التآمر وإيواء الأفراد المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني كأطر قانونية محتملة لملاحقة مثل هذه الحالات.

نبذة عن المسيرة المهنية للقاضية هانا دوجان

وانتُخبت هانا دوجان قاضية في محكمة مقاطعة ميلووكي الدائرة 31 في عام 2016. وقبل ذلك، خدمت في أقسام الوصايا والشؤون المدنية بالمحكمة. ولديها خلفية في العمل القانوني مع منظمات تقدم المساعدة القانونية لذوي الدخل المحدود، حيث عملت في منظمة "ليجال أكشن أوف ويسكونسن" وجمعية المساعدة القانونية بعد تخرجها من جامعة ويسكونسن-ماديسون وحصلت على شهادة الدكتوراه في القانون منها.