يتسارع التحقيق الفرنسي في الثروة التي يملكها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أوروبا بعدما استدعته قاضية فرنسية للمثول أمامها في 16 أيار/مايو في جلسة يرجّح أن يوجه إليه الاتّهام خلالها، في قضية اتّخذت فيها الدولة اللبنانية صفة طرف مدني ويلاحق فيها أيضاً مروان خير الدين، مدير "بنك الموارد" اللبناني.
ويبقى السؤال: هل سيمثل سلامة أمام القاضية في باريس أم لا؟
أفاد مصدر قضائي لبناني ومصدر مطّلع على القضية وكالة فرانس برس، أنّ القضاء الفرنسي استدعى سلامة للمثول أمامه بشبهة جمع ثروة ضخمة في أوروبا، تشتمل على أموال وعقارات، من خلال ترتيبات مالية معقّدة واختلاس كمّيات ضخمة من الأموال العامة اللبنانية.
وأوضح المصدر القضائي اللبناني، أن السلطات اللبنانية لا يمكنها إرغام سلامة على الذهاب إلى فرنسا، لا سيّما وأنّه يخضع لمنع سفر فرضته عليه القاضية اللبنانية غادة عون، علماً بأنّ قرار منع السفر هذا يمكن أن يُرفع.
وأكّد وكيل الدفاع عن سلامة المحامي بيار-أوليفييه سور لوكالة فرانس برس، أنّ موكّله البالغ من العمر 72 عاماً استُدعي فعلاً للمثول أمام القضاء الفرنسي وأنّه "يدرس جدوى" تلبية هذا الطلب.
ففضلاً عن مسألة "إمكانية السماح لرياض سلامة بمغادرة لبنان من عدمه"، يطعن المحامي بقانونية الإجراءات المتّخذة في حقّ موكّله، معتبراً أنّ المحقّقين الفرنسيين الذين استمعوا إليه في لبنان في منتصف آذار/مارس خالفوا القانون لأنّهم استجوبوه بصفته "مجرّد شاهد" فيما هم بصدد توجيه اتهام إليه.
ويؤكّد المحامي أنّ قانون العقوبات الفرنسي "يحظر بشكل صارم الاستماع" إلى شخص بصفة "مجرّد شاهد" إذا كانت هناك "ضدّه "مؤشرات خطرة أو متّسقة" بشأن مشاركته في الجرم" الذي يتمّ التحقيق فيه.
كذلك رفع المحامي سور دعوى أمام قضاء الاستئناف الفرنسي للطعن بقرارات الحجز على أموال موكّله والتي صدرت في آذار/مارس 2022.
وأرجأت محكمة الاستئناف في باريس الجلسة التي كانت مقرّرة للنظر في هذا الطعن من 4 نيسان/أبريل إلى 23 أيار/مايو.
توجيه الاتّهام
وسيشكّل توجيه الاتّهام إلى سلامة خطوة كبيرة في هذا التحقيق القضائي الذي بدأ في تمّوز/يوليو 2021 في فرنسا، بالتوازي مع إجراءات قضائية أخرى في أوروبا وسويسرا.
وبحسب المصدر المطّلع على القضية ومصدر قضائي لبناني، فإنّ الدولة اللبنانية اتّخذت مؤخّراً صفة الطرف المدني في فرنسا في هذه القضية.
وأوضح المصدر القضائي اللبناني، أنّ بيروت "تريد بالتالي الاحتفاظ بحقّها في أن تستردّ لحساب الخزينة اللبنانية أيّ أموال أو ممتلكات يمكن أن يكون سلامة قد استحوذ عليها بصورة غير مشروعة إذا ما تمّ تجميد" هذه الأموال.
وتحرّكت الدولة اللبنانية لرفع دعاوى في أوروبا وفي الدول التي وضعت حجزاً على أموال أو ممتلكات لسلامة، حتّى يتمّ حجز الأموال لصالح الخزينة اللبنانية في حال تبيّن أنّ مصادرها غير شرعية.
ورفض أحد محامي الدولة اللبنانية في فرنسا الردّ على استفسارات لوكالة فرانس برس بهذا الشأن.
لكن، بالنسبة إلى المحامي وليام بوردون، وكيل جمعية شيربا وتجمّع "ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان"، وهما طرفان مدنيّان في هذه القضية، فإنّ القانون الفرنسي الصادر في آب/أغسطس 2021 بشأن ردّ ممتلكات استحوذ عليها بطريقة غير مشروعة "هو الذي يطبّق عندما يتمّ توجيه اتّهام إلى واحد أو أكثر من الموظفين العموميين اللبنانيين".
وفي حال أدين سلامة بصورة نهائية وباتّة، فإنّ المحامي بوردون يقول إنّ "الأموال المصادرة بصورة نهائية لن تعود بالتالي إلى الدولة اللبنانية بل ستذهب لتمويل مشاريع لصالح المصلحة العامّة" في لبنان.
وقال وكيل الدفاع عن سلامة، إنّ عملية اتّخاذ صفة الطرف المدني في القضية كانت "الذريعة المناسبة لإرجاء" جلسة الاستماع التي كانت مقرّرة في 4 نيسان/أبريل أمام محكمة الاستئناف في باريس، في تأجيل شكّك المحامي أيضاً في مدى قانونيته.
ووفقاً للمحامي سور، لا بدّ للحكومة اللبنانية من أن تضفي الطابع الرسمي على صفة الطرف المدني هذا بمرسوم يصدر عنها.
ويقول المحامي إنّه إذا لم تصدر الحكومة اللبنانية هذا المرسوم "فسنقدّم شكوى جنائية بتهمة التزوير ومحاولة احتيال".
رئيس مجلس إدارة "بنك الموارد" مروان خير الدين
وفي نهاية آذار/مارس، وجّهت قاضية التحقيق المالي أود بوريزي المكلّفة هذه القضية في باريس، إلى مروان خير الدين، رئيس مجلس إدارة "بنك الموارد"، وهو مصرف لبناني خاص، لائحة اتّهام رسمية.
وبموجب هذه اللائحة فإنّ خير الدين متّهم بالارتباط بـ"عصابة إجرامية" بهدف اختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية، وخيانة الأمانة، وإفساد موظف عمومي.
وخير الدين البالغ من العمر 55 عاماً والذي استمع إليه محقّقون أوروبيون في لبنان في كانون الثاني/يناير، يُلاحق أيضاً بتّهمة غسل أموال في إطار عصابة منظّمة.
وبحسب المصدر المطلّع على القضية، فإنّ خير الدين الذي كان وزيراً في العقد الماضي وُضع تحت مراقبة قضائية بكفالة مالية قدرها مليون يورو ومُنع من السفر من فرنسا.
ويُشتبه بأنّ بنك الموارد لم يتحقّق كما ينبغي من الحسابات التي كان المستفيد منها سلامة، وذلك في مقابل حصول المصرف على مزايا مختلفة من حاكم المصرف المركزي اللبناني.
واتّصلت وكالة فرانس برس بوكيل الدفاع عن خير الدين، لكنّ المحامي لم يردّ في الحال.
وبالنسبة إلى بوردون، فإنّ هذا الأمر يشير إلى أنّ "عمليات غسل الأموال التي قام بها سلامة والمقرّبون منه ما كان ممكناً أن تحصل إلا بمساعدة مصرفيين في فرنسا وأماكن أخرى".
وتعليقا على توجيه الاتهام رسميا إلى خير الدين، كتب اللبناني شادي منصور في تغريدة نشرها عبر تويتر : "بعد حادثة مروان خير الدين في فرنسا سيبدأ اصحاب المصارف المتورطين وفي مقدمتهم سمير حنا (بنك عودة) بضرب اخماسهم بأسداسهم".
بدورها، قالت "قضاء الاتحاد الأوروبي أتى إلى لبنان وحقق مع رياض سلامة على مدى يومين.. القضاء اللبناني أرجأ الإستماع له والسبب؟ .. إنزعاجه من قرار الريسة اسكندر (القاضية هيلينا اسكندر) التي حجزت على أملاكه وعينت محاميا دفاع.. لأوروبيون لم يأتوا لسواد عيوننا وهذه التحقيقات مكلفة، فلولا إثبات الجرم لما أبلغونا بوجوب حضوره إلى فرنسا للتحقيق معه في 16 أيار".
وفي 14 حزيران/يونيو، أصبحت آنّا ك.، المقرّبة جداً من رياض سلامة والمشتبه بأنّها أحد أعوانه في فرنسا، أول شخص يوجّه إليه اتّهام رسمي في هذه القضية.
وفي آذار/مارس 2022، جمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقرّبين منه، بينهم شقيقه، وذلك بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".
ويطالب وكلاء الدفاع عن سلامة باستعادة أصول بعشرات ملايين اليوروهات يملكها موكّلهم ومحجوزة في فرنسا، بينها شقق في الدائرة السادسة عشرة من باريس وفي جادة الشانزيليزيه، وأخرى في المملكة المتحدة وبلجيكا، فضلا عن حسابات مصرفية وغيرها.