التجسس على هاتف الشريك خطيئة لا يبررها الفضول أو الشكوك

منذ 2 أشهر 31

ملخص

التجسس على هاتف الشريك تصرف خاطئ أخلاقياً ويعزز مشاعر انعدام الأمان بدلاً من تحقيق الطمأنينة. الثقة والاحترام لخصوصية الآخر هما الأساس لعلاقة صحية. ويجب معالجة الشكوك بالحوار وليس بالتطفل لضمان علاقات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل

اكتشفت أخيراً أن شريك صديقة لي استعار هاتفها واستخدمه لكي يتفحص الرسائل المتبادلة بيننا، بسبب توجسه من احتمال ارتباطنا بعلاقة غرامية. وكان اكتشافاً صادماً، ليس لأنني أمانع إن قرأ أحدهم نكاتي السخيفة، بل لإحساسي بالحزن من أن شخصاً أحبه شعر بأنه مضطر أن يقوم بالتصرف الوحيد الذي لن يريح بال أحد بصورة مؤكدة، وهو أن يطلع على هاتف شريكه من دون علمه.

قد يبدو من البديهي بالنسبة إلى كثيرين أن التجسس على هاتف الحبيب فكرة سيئة، لكن فلنعد تلخيص بعض أسباب ذلك. أولاً، هذا تطفل يتخطى الحدود حتى لو شككت بأن الشريك يخونك، فمن دواعي السخرية أن قراءة رسائله الشخصية والخاصة تجعلك أنت الطرف المذنب. إذ كما يفترض بالشخص أن يحترم خصوصية الحديث بين الحبيب والمعالج النفسي، عليك احترام ما قد يقوله شريكك عنك خصوصاً لأصدقاء مقربين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما سيقول لكم كل متطفل فإن ما ستكتشفونه لن يشبع فضولكم نهائياً ولن يطمئنكم. وحتى لو وجدتم "دليلاً دامغاً" مثل تطبيق مواعدة مثلاً، فستتضاعف التساؤلات ويزداد الشعور بانعدام الأمان ولن يختفي. أدركت للمرة الأولى أن شريكتي تكذب علي عندما ألقيت نظرة على تطبيق "’بي بي سي‘ ويذر" للطقس على هاتفها (وتساءلت لماذا ضبطت التطبيق على منطقة البحيرات فيما كان من المفترض بها أن تلتقي بصديقتها في إيسكس، قبل أن أفهم ما يجري) وهذا عكس الدليل الدامغ، ومع ذلك ساورني شعور بانعدام الثقة العارم.

نعلم في قرارة أنفسنا أن التطفل والتجسس تصرف سيئ. لكن، كما كتبت قبلاً فإن الاشتباه بأن الشريك يخوننا يدخلنا في حال أقرب إلى الجنون. ويفاقم إدماننا على هواتفنا هذه المشكلة، فهي تحتل مساحة كبيرة جداً من حياتنا الخاصة لدرجة تجعل من السهل اعتبارها أدوات ذنب متأصل، قادرة على إثارة الشبهات على مدار الساعة واليوم. حتى رؤية الشريك وهو يتراسل مع أحدهم فيما يدير ظهره قد تثير مشاعر الارتياب في أكثر الأشخاص تعقلاً وفي أكثر العلاقات ثباتاً وأماناً. ولديك الأشخاص الذين يعدون الهواتف صورة من الملكية العامة. كنت في موعد غرامي مع سيدة منذ أعوام عدة، كتبت على صفحتها في تطبيق المواعدة بصورة واضحة ومنمقة عن أهمية الموافقة والتفاعل القائم على الاحترام. عندما وصل تنبيه على هاتفي الذي كانت شاشته مكشوفة حين كنا نحتسي الشراب الثاني، مالت بصورة تلقائية إلى الأمام وبدأت تقرأ بداية الرسالة على شاشتي. ضحكت بطريقة توحي بأنني لا أصدق ما تراه عيناي لبضع ثوان قبل أن أقول لها "عفواً، هل تمانعين التوقف؟"

لكن الحياة تتغير قليلاً عندما يبحث أحدهم في هاتفك بصورة تتخطى نظرة الفضول خلال أول موعد. فتح هاتفي بهذه الطريقة من قبل لكنني استحققت ذلك وتسببت به، كنت في ذلك الوقت حقيراً وخائناً وأرادت شريكتي أن تعرف الحقيقة. لكن ما تغير هو أن الألم الذي تسببت به من خلال فعل الخيانة تداخل بالطريقة المتطفلة التي ظهرت فيها خيانتي إلى النور، مما جعلني أدرك أن أفضل طريقة يمكن للإنسان التفاعل فيها في الفضاء الافتراضي هي أن يفترض بأن الجميع قادر على رؤية كل ما يفعله، كل الوقت. وهذا يفيد من حيث إنه يعلمك الحذر الشديد عندما تقوم بتصرف يشعرك بالذنب، ويجعلك تدرك في الآن ذاته أن معظم أفعالك ليست معيبة. هل سأشعر بالسوء إن رأى أحدهم ما أفعله؟ كلا؟ عظيم إذن لا بد أنني أتصرف جيداً.

طبعاً، يمكن أن تصل هذه الصورة من الرقابة الذاتية على الإنترنت إلى حدود متطرفة ومريبة. خذوا مثالاً عضو الحزب الجمهوري المخضرم ورئيس مجلس النواب الأميركي الحالي مايك جونسون الذي اعترف عام 2022 بأنه وابنه البالغ من العمر 17 سنة يراقبان هواتف بعضهما بعضاً ليتأكد كل منهما أن الثاني لا يشاهد مواد إباحية. وأمكن تحقيق هذه المقاربة شبه الدستوبية للأخلاق من خلال تطبيق يدعى "كوفينانت إيز" Covenant Eyes (ميثاق العيون)، جرى تسويقه بصورة عامة ضمن المجتمعات المسيحية المتشددة. وهو ينبه "شريكك في المساءلة" في حال شاهدت أي شيء يعد "مشكوكاً به".

يشمل الحب الحقيقي القدرة على الحفاظ على حدود تحمي الآخر بدلاً من أن تقيده

معظم الأشخاص العاقلين يبتعدون من هذا النوع من الأمور لمليون سبب. لكن أحدها هو أن مجرد القدرة على الاطلاع على بيانات أحدهم لا تكفي. فالمعلومات وحدها غير قادرة على إشباع حاجتنا البشرية للحوار والشرح والتفاهم. وإن اكتشاف ما يفعله شريكك على هاتفه من دون أي سياق فعلي لن يحسن الأمور، بل سيزيدك إحباطاً.

ملايين الأشياء قد تغضبك في ما يتعلق بسلوك شريكك على الإنترنت. وغالباً، يمكن أن تكون غير منطقية تماماً. وقد يتتبع المرء شريكاً سابقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن منذ أعوام التقيت سيدة في ناد ليلي كانت غاضبة جداً لأنها اكتشفت أن زوجها يتابع المغنية كيتي بيري على "إنستغرام". وكان الموضوع يسيطر عليها كلياً كما كانت عاجزة عن فهم سبب ذلك فهو ليس معجباً بها، بل يكره موسيقى البوب بشدة. ولم أكن أعرفها بها يكفي لأقول لها ببساطة "هل جربت أن تسأليه إن كان معجباً بـكيتي بيري؟". لكن بالنسبة إليها خلف هذا التصرف الصغير على الإنترنت تبعات ربما لم يكن الزوج ليفهمها أبداً.

يدخل كثر منا في العلاقات كما يقع ممارسو القفز الحر من طائراتهم، وقد سحرنا الجنس والانجذاب والاهتمام. ومن السهل ألا يتمهل الإنسان أبداً ليطرح الأسئلة الأساس (هل نحن ثنائي؟ هل سنلتزم بشريك واحد؟)، فما بالك بالأسئلة الثانوية من قبيل "هل من السيئ أن أقلب في ملف صورك عندما أستخدم هاتفك لأطلب البيتزا؟"

لكن إن كنتم متجانسين تماماً مع شخص ما، ستتمكنون من إيجاد قاسم مشترك بصورة سريعة ومريحة حول مسألة ضرورة ألا يقرأ أحدكم ما في هاتف الآخر، أو يعرف كلمة سر الهاتف كمسألة مبدئية. لكن تجنب الكلام عن الموضوع هو أسوأ مقاربة. أما الكلام المعسول من قبيل عبارات "لا حدود لحبنا" فستجده في بطاقات هولمارك [للمعايدة]. إنما في الواقع يشمل الحب الحقيقي قدرة الحفاظ على حدود تحمي الآخر بدلاً من أن تقيده. عندما تكون منفتحاً وتثق بشريكك فلن تشعر فعلاً بأية رغبة في قراءة رسائله. وإحدى الدلالات على بعض أكثر العلاقات سلاسة واحتراماً التي مررت بها أخيراً أنني وجدت نفسي في غرفة مع هاتف شريكتي ولم أشعر بأية رغبة في الاطلاع على ما فيه. للأسف، لم تظهر أية احتمالات للزواج بعد لكن في حال قررنا الارتباط رسمياً لا شك في أن نذور الزفاف ستكون "في الشدة والرخاء وفي الصحة والمرض، كلمة سر هاتفي شأن لا يعنيك".