"التبولة" و"الفتوش" على لائحة أفضل أنواع السلطات في العالم

منذ 1 سنة 129

السلطة من الأطباق الأساسية في مختلف المطابخ في العالم (رويترز)

السلطة من الأطباق الأساسية في مختلف الثقافات، سواء على الموائد الشرقية أو تلك الغربية. تحتل مكانة مهمة فيها، متخذة في كل منها طريقة تحضير تعكس ثقافة الشعب المعني. لذلك، أصبحنا نجد أنواعاً لا تعد ولا تحصى من السلطات حول العالم بمكونات تختلف بين بلد وآخر، لكن استطاع بعضها أن يحقق انتشاراً واسعاً في مختلف الدول متخطياً الحدود. قد يكون لقيمتها الغذائية العالية ومكوناتها المهمة للصحة الدور الأساسي في تحولها شيئاً فشيئاً إلى طبق أساسي على الموائد حتى أصبحت في صلب ثقافة الشعوب. فأي مائدة في العالم قد تخلو من هذا الطبق الغني بمكوناته الصحية والملونة، وإن اختلفت بين دولة وأخرى من حيث طريقة التحضير والمكونات؟ وفي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط تحديداً، للسلطة أهمية كبرى إذ يُعتمد النظام الغذائي المتوسطي بشكل أساسي، ويرتكز على الخضراوات المتنوعة الغنية بمختلف العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الجسم. ونظراً إلى أهمية طبق السلطة في ثقافات مختلف الشعوب، أتى موقع "أطلس" المتخصص في مجال الطبخ والوصفات حول العالم ليصنفها حين أصدر لائحة بأفضل 100 نوع من السلطة حول العالم لعام 2023. علماً أن الموقع يصدر شهرياً وسنوياً مراجعات وتقويماً لمطاعم وأطباق وفق إحصاءات يقوم بها. وفي تصنيفات الموقع احتلت اليونان المرتبة الأولى في اللائحة مع سلطة "داكوس"، وحلت سلطة "شوبسكا" البلغارية في المرتبة الثانية، ثم من بعدها في المرتبة الثالثة "المشوية" التونسية. أما سلطة "الفتوش" اللبنانية الشهيرة فاحتلت المرتبة التاسعة في اللائحة، فيما احتلت "التبولة" اللبنانية أيضاً المرتبة الثلاثين.

معيار للتبادل الثقافي

سواء بالنسبة إلى "التبولة" أو "الفتوش" أو لغيرهما من السلطات في أي مطبخ في العالم، هي تتخطى كونها مجرد أطباق لذيذة ومغذية. فمن يتابع قصص الأطباق الشعبية والتراثية يدرك أنها تعكس تبادلاً ثقافياً بين الحضارات والشعوب مع مرور العصور. لذلك نرى تشابهاً واضحاً بينها أحياناً، وأيضاً انتقال بعضها من مكان إلى آخر حتى استقرت في بلاد معينة وأصبحت تعكس ثقافتها وتشتهر بها. على سبيل المثال جالت "التبولة" الشهيرة التي تشكل جزءاً من التراث اللبناني في بلاد عديدة ومرت بتطورات متعددة، حتى أصبحت بالوصفة المعروفة حالياً، فقد أضاف القدماء اللبنانيون "البرغل" إلى الوصفة الأصلية التي تضمنت المكونات المفرومة فرماً ناعماً كالمقدونس والنعناع والطماطم والبصل، ويضاف إليها دبس الرمان وعصير الليمون. لهذا، مصدر اسم الطبق هو من "توابل"، لما يضاف إليها من توابل وبسبب طريقة خلط المكونات الناعمة فيها. ويحكى أن الكلدانيين كانوا وراء الوصفة الأصلية لـ"التبولة" في عام 1800 قبل الميلاد. وانطلقت من بلاد ما بين النهرين عبر التاريخ حتى وصلت إلى بلاد الفينيقيين واستقرت فيها. وعرف الطبق تغييرات حتى في المناطق اللبنانية، مثل سهل البقاع وشمال بيروت حيث ظهرت وصفات مختلفة منها كـ"التبولة الكذابة" التي أصبحت من الأصناف المعروفة في التراث اللبناني. وعلى رغم أن "التبولة" استقرت في لبنان بعد أن جالت العالم، وأصبحت طبقاً لبنانياً تقليدياً يشهد على التبادل الحضاري بين الشعوب العربية، وصلت إلى البرازيل وإلى دول أخرى عرفت هجرة واسعة للبنانيين نقلوها إليها في مراحل لاحقة. ومن عام 2001 يحتفل لبنان في السبت الأول من شهر يوليو (تموز) من كل عام بـ"اليوم الوطني للتبولة"، حفاظاً على هذا التراث الذي تؤكد المخطوطات التاريخية أنه وجد أولاً في العراق ثم انتقل إلى لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما بالنسبة إلى "الفتوش" فيشير مؤرخون إلى أن قصته بدأت على موائد مسيحيي لبنان المهجرين من الجبل على أثر تعرضهم إلى الاضطهاد ونزوحهم إلى مدينة زحلة، حيث استقبلوا بالترحاب وكانت بانتظارهم الموائد الغنية باللحوم، لكن صادفت هجرتهم هذه فترة الصيام، وبدلاً من تناول اللحوم اكتفوا بتناول السلطة بالخبز.

قيمة غذائية عالية 

تعتبر السلطات عامة من ألذ المقبلات التي لا يخلو مطبخ في العالم منها. يشعر كثيرون بالانجذاب إلى هذا الطبق الصحي واللذيذ ويعتبرونه طبقاً رئيساً، بما أنه قد يحتوي على العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الإنسان والمطلوبة في وجبة. لذلك في كثير من الأحيان تخطت السلطة كونها من المقبلات أو من الأطباق التي تساعد على فتح الشهية لتصبح بمثابة طبق رئيس يمكن أن يتحمل أي إضافات. ومع تزايد أهميتها أصبحنا نجد أنواعاً من السلطة هي من الأطباق الشعبية التي تعكس ثقافة شعب، وأخرى يتفنن بها البعض ليبتكروا أنواعاً جديدة بهدف تنويع المذاقات والأشكال لإرضاء مختلف الأذواق. وإذا كان وجود طبق السلطة على المائدة مهملاً أحياناً لدى بعض الشعوب، بقي للأكثرية طبقاً صحياً يومياً لا غنى عنه ضمن نمط حياة صحي، نظراً إلى فوائده الصحية التي لا تعد ولا تحصى سواء للحفاظ على الرشاقة أو حفاظاً على الصحة لغناه بالفيتامينات والمعادن والألياف وغيرها من العناصر الغذائية الأساسية للجسم. لذلك أصبحنا نجد أنواعاً لا حصر لها من السلطات وكلها تتنافس في قيمتها الغذائية وفي غناها بالعناصر الغذائية، إضافة إلى المذاق اللذيذ الذي تتميز به.

"الغذاء المتوسطي"

في لبنان وفي مختلف دول المنطقة يُعتمد النظام الغذائي المتوسطي الذي يرتكز على الخضراوات والفاكهة والحبوب بشكل أساس، إضافة إلى البروتينات من اللحوم. لذلك، يعرف هذا النظام بكونه صحياً بالمقارنة مع أنظمة تتبعها دول أخرى، ويحتوي على العناصر الغذائية الأساسية للجسم لغناه بالفيتامينات والمعادن الموجودة بشكل أساسي في الخضراوات والسلطات. ففي "النظام المتوسطي" أكثر من 500 صنف نباتي. علماً أن الأطباق النباتية ازدادت شعبية بشكل خاص في العالم بعد جائحة كورونا. أما على صعيد العالم فالتركيز على طبق السلطة ضمن المقبلات في مختلف المطابخ له علاقة بالجانب الصحي أيضاً، حسب اختصاصية التغذية نيفين بشير، التي تشدد على أهمية تناولها قبل الطبق الرئيس، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن النشويات تسهم في زيادة خطر الإصابة بالبدانة والسكري في حال المبالغة في تناولها. في المقابل في حال تناول البروتينات أو الدهون الصحية يمكن الحد من امتصاص الجسم للنشويات وفي ضبط معدلات الأنسولين في الجسم خلال النهار. يساعد هذا على الحد من الإحساس بالجوع ومن الرغبة في "اللقمشة" غير الصحية، بالتالي يساعد على الحد من خطر الإصابة بالبدانة ومن ارتفاع السكريات في الجسم الناتجة من التقلبات في معدلات الأنسولين في الجسم. أما بالنسبة إلى السلطات الأجنبية فتوضح بشير أنها قد لا تتميز كلها بالتنوع الموجود في السلطات اللبنانية ضمن "النظام المتوسطي". فمن الطبيعي أن تشكل هذه السلطات أولوية فيه وتتميز أكثر بعد من السلطات الأجنبية بمكوناتها المتنوعة والعناصر الغذائية التي فيها. تتميز "التبولة" مثلاً بقيمة غذائية عالية فهي تحتوي على خضراوات غنية بالفيتامينات والمعادن خصوصاً الفيتامين "ب 12"، إضافة إلى "البرغل" الذي يعتبر من البقوليات الغنية بالألياف ومن النشويات المركبة التي ينصح بتناولها باستمرار لفوائدها الصحية العديدة. أما سلطة "الفتوش" الشهيرة فغنية أيضاً بمكونات متنوعة كالخيار والطماطم والخس، وتحتوي على نسبة عالية من الماء، ومن التريبتوفان الذي يساعد على تحسين المزاج. هذا إضافة إلى الخبز المحمص، مما يجعلها طبقاً كاملاً غنياً بالعناصر الغذائية الأساسية للجسم. وفي مقابل غنى "التبولة" و"الفتوش" بالمكونات الغذائية المفيدة صحياً، يحتويان على كمية قليلة من الوحدات الحرارية لا تتخطى 100 وحدة حرارية مما يجعلهما من الأطباق الممتازة الحليفة للرشاقة".