«التايتانيك»: كارثة «الامتثال»

منذ 1 شهر 39

ربما لا يعلم البعض أن أحد أسباب غرق السفينة الخالدة «تايتانيك»، يعود إلى أن قادتها قد قرروا في اللحظات الأخيرة تغيير المسؤول عن خزانة المناظير اليدوية، لكن فاتهم أن يأخذوا المفاتيح منه قبل مغادرته! فكان اعتماد الطاقم على العين المجردة أحد أسباب الفاجعة التي أودت بحياة نحو 1500 راكب، في عام 1912، وهو ما يقارب عدد ركاب أربع طائرات عملاقة في عصرنا.

المفاجأة أن من نجوا كانوا من علية القوم؛ إذ كانت أولوية الإخلاء لركاب الدرجة الأولى، وتُرك باقي الركاب البسطاء ليواجهوا مصيرهم المحتوم، في ظلمة الليل الدامس. واكتُشِفَ لاحقاً أنه لم يكن هناك سوى 20 قارب نجاة لا تكفي سوى لنصف الركاب! وكشفت التحقيقات النقاب عن أن أجزاءً من جسم السفينة وبراغيها لم تكن مطابقة لمعايير المتانة، مما تسبب في انشطار هيكلها بسرعة قياسية، لتغمرها مياه المحيط الأطلسي. ولم يَحظَ الطاقم بتدريبات كافية على الإخلاء، مما جعل الفوضى تدب في أوصال السفينة لحظة وقوع الكارثة.

ما جرى كان قدراً محتوماً، لكنه أيضاً حالة من حالات عدم الامتثال للوائح (compliance). تلك الفواجع علمت البشرية دروساً في ضرورة الالتزام، فارتفعت وجاهة آراء من يطالبون بتنفيذها. ولذلك لا يمكن أن تجد طائرة عصرية تفتح زلاقات الإخلاء وكمامات الأكسجين لفئة من الركاب دون أخرى، بل تظهر في اللحظة نفسها للجميع لتنقذ أرواح الأبرياء على متنها. لقد تطور الالتزام، فلم تعد الطائرة والقطار والغواصة تعتمد على عمل فرد واحد، بل يجب أن يدقق المحرك والوقود والأجهزة والأبواب واكتمال الركاب... أكثر من شخص، للتوقيع على ما شاهدوه. والأمر نفسه يحدث في خطط التعاقب الإدارية.

ما يحدث في السفينة هو صورة من صور الحوكمة. والامتثال جزء من الحوكمة، بل هو أداة في يدها. وهدف الحوكمة من استخدام الامتثال، التأكد من أن المؤسسة تعمل ضمن إطار واضح ومنظم يضمن الشفافية والمساءلة لتحقيق النجاح والاستدامة المرجوة.

السفينة هي رمزية لأي منظمة يمكن أن تغرق تدريجياً عندما لا تولي للحوكمة اهتماماً يُذكر.