"التاكسي الصفراء" حكايات تبدد الوقت والمسافات في الجزائر

منذ 1 سنة 201

يرسخ الفيلم الكوميدي "الطاكسي المخفي" الذي تم إنتاجه عام 1989 بضواحي مدينة بوسعادة جنوب #الجزائر، مشاهد متكررة في يوميات جزائريين يستقلون "سيارة أجرة" للتنقل من ولاية إلى أخرى ويتبادل المسافرون فيها أطراف الحديث وينفتحون على مواضيع مُختلفة من حياتهم اليومية تنسيهم مشقة الطريق.

وتتحدث قصة الفيلم الذي حقق شهرة كبيرة عن مجموعة من العائلات الجزائرية التي تحاول السفر إلى الجزائر العاصمة، لكن المشكلة بقيت في #وسيلة_السفر إذ إن الحافلات التي تمر كلها مكتظة بالركاب ولا أحد يستطيع إيصالهم، وحينها يقرر الجميع التوجه إلى إحدى القرى القريبة حيث وجدوا صاحب تاكسي (يحيى بن مبروك) وافق على إيصالهم جميعاً، وفي الطريق تحدث العديد من المواقف الطريفة.

وتعتبر هذه التاكسي أو سيارة الأجرة ذات اللون الأصفر من أشهر وسائل النقل بين الولايات الجزائرية، والتي تحمل سبعة أشخاص على متنها من عائلة واحدة أو أفراد لا يعرفون بعضهم من قبل، وتجمعهم وسيلة النقل لتقل كل واحد منهم إلى وجهته.

مرحلة كفاح

مرت مهنة التوصيل في الجزائر بفترات عصيبة خلال العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي، وتقف وراء "الطاكسي الأصفر" روايات وقصص يتداولها جزائريون، إذ يستحضر هؤلاء سفرياتهم بين الولايات التي كانت محفوفة بالأخطار، لا سيما وأن السائق كان ممنوعاً من الخروج من محطات المسافرين بعد الثالثة فجراً خشية على حياته وحياة المسافرين.

وبسبب الظروف الصعبة كان معظم سائقي التاكسي عرضة للموت بسبب الحواجز الأمنية المزيفة التي كانت تقيمها الجماعات الإرهابية بغرض التمويه وقتل المدنيين، وخلال هذه الفترة سقط عشرات السائقين على يد مسلحين أثناء أداء مهماتهم.

ويروي حميدات (55 سنة) أنه وزملاءه من أصحاب السيارات الصفراء خاطروا في سبيل الحصول على لقمة العيش، "لم يكن أي شيء مضموناً بالنسبة إليّ خلال تنقلي بين الولايات، لأن الاوضاع الأمنية كانت خطرة وسائقو الأجرة كانوا مهددين بالموت".

ويذكر فيصل (48 سنة) كيف عاش الرعب خلال أحد تنقلاته من ولاية الجلفة إلى العاصمة، بعد أن اضطر الطالب الجامعي آنذاك إلى الكذب على أحد الواقفين عند حاجز أمني وهمي في ولاية المدية، وسأله عن تخصصه الجامعي فأجابه بأنه يدرس لغة إنجليزية في جامعة بوزريعة بالعاصمة، قبل أن يقرر إخلاء سبيله ومن معه.

فرصة للتقارب

في محطة الخروبة الأكثر شهرة لنقل الركاب في العاصمة الجزائرية تصطف عشرات التاكسيات وتتكرر مشاهد مألوفة لمواطنين يحمل بعضهم أمتعته على ظهره بغرض السفر مسافات بعيدة، ويستغل كثير منهم فترة السفر لنسج علاقات مع أفراد آخرين لتمضية الوقت الممل، إذ يمثل السفر الطويل بالنسبة إليهم فرصة للتعرف على أفراد جدد والترويح عن النفس وتبادل الهموم، وهذا ما حصل مع الحجة فتيحة (65 سنة) التي تمكنت في أن تظفر بزوجة لابنها محمد بعد رحلة سفر قامت بها في "الطاكسي الصفراء" من ولاية جيجل إلى البليدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل يقول محمد عبدالمؤمن لقد ركبت ''الطاكسي الصفراء'' في طريق العودة من رحلة صيفية إلى شرق البلاد، وشعرت حينها بأنني حصلت على صفقة جيدة، وهذا شعور مريح للسائحين الشباب إذ إن كلفة النقل الجماعي في الخطوط الطويلة أقل بكثير مما يكلفه السفر عبر رحلة مباشرة على متن سيارة أجرة، أو حتى باستعمال سيارتك الخاصة وتحمل مصاريف الوقود وزيادة كيلومترات إضافية في عداد المركبة، وفي المقابل سيكون عليك التنازل عن ميزة التحكم في زمن رحلتك، فسائقو هذه المركبات لا يغادرون المحطة قبل اكتمال نصاب المسافرين حتى وإن استغرق ذلك ساعات من الانتظار، كما يذكر محمد.

توجس من الزوال

بات "الطاكسي الأصفر" في الجزائر مهدداً بسبب تزايد عدد التطبيقات الخاصة بسائقي الأجرة، إذ يسهل على المواطن الحصول على خدمة النقل بثمن أقل. ويعاني أيضاً من المنافسة من سائقي سيارات الأجرة غير النظامية المعروفين باسم "كلونديستان"، إذ بات موظفون في قطاعات مختلفة يعملون في هذه المهنة بطريقة غير قانونية خارج ساعات عملهم لتحقيق مكاسب تساعدهم في مواجهة غلاء المعيشة والأسعار، وتصطف في المحطات التي يقصدها المسافرون لمحاولة اقتناص فرصة للحصول على زبائن ونقلهم إلى وجهتهم.