البشرية تختبر الشهور الـ12 الأكثر سخونة منذ 125 ألف عام

منذ 1 سنة 153

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- شهد العالم شهرًا بعد آخر منذ يونيو/حزيران، ارتفاعًا غير طبيعي بالحرارة، حتى أن العلماء قارنوا تداعيات تغير المناخ هذا العام بـ"disaster movie" (فيلم الكوارث)، من بينها ارتفاع درجات الحرارة، وحرائق الغابات الكبيرة، والعواصف القوية، والفيضانات المدمرة. وتكشف البيانات الجديدة الراهنة مدى استثنائية الحرارة العالمية.

ويعكس تقريران رئيسيان نُشرا هذا الأسبوع صورة مثيرة للقلق لهذه الحرارة غير المسبوقة: لقد اختبرت البشرية الأشهر الـ12 الأكثر سخونة منذ 125 ألف عام بالحد الأدنى، وفقًا لأحد التقريرين، فيما أشار الآخر إلى أنّ عام 2023، "من المؤكد تقريبًا" أنه العام الأكثر سخونة المسجل في التاريخ، وذلك بعد خمسة أشهر متتالية من تسجيل درجات حرارة حطّمت الأرقام القياسية.

وقال ديفيد ري، المدير التنفيذي في معهد إدنبرة لتغير المناخ في جامعة إدنبرة، لـCNN: "لقد اعتدنا جميعًا على تساقط سجلات المناخ مثل أحجار الدومينو في السنوات الأخيرة. لكن عام 2023، يمثل لعبة مختلفة تمامًا من حيث الهامش الهائل الذي تم من خلاله تحطيم هذه الأرقام القياسية".

وسجلت الفترة الممتدّة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الأشهر الـ12 الأكثر سخونة، حيث بلغ متوسّط ​​درجة الحرارة 1.32 درجة مئوية فوق المستويات المسجلة ما قبل الثورة الصناعية، بحسب تحليل البيانات الدولية الذي نشرته مجموعة الأبحاث غير الربحية "Climate Central"، الخميس.

ووجد التقرير أن ظاهرة النينيو، وهي نمط طبيعي للمحيطات والطقس في منطقة المحيط الهادئ الاستوائية، بدأت تزداد درجات حرارتها للتو. ويؤدي الاتجاه القوي وطويل المدى للاحترار المناخي العالمي المدفوع أولًا بحرق الوقود الأحفوري إلى تسخين الكوكب.

وقال أندرو بيرشينغ، نائب رئيس العلوم في مركز المناخ المركزي، إنّ "الأهم أنّ هذا الأمر ليس طبيعيا. هذه درجات حرارة لا ينبغي لنا أن نشهدها. ونحن نواجهها فقط لأننا وضعنا الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي".

ووجد الباحثون أنّ الغالبية العظمى من البشرية تأثرت بالحرارة غير العادية خلال فترة الشهور الـ12، حيث شهد 7.3 مليار شخص، أي 90٪ من سكان العالم، ما لا يقل عن 10 أيام من درجات الحرارة المرتفعة "مع بصمات مناخية قوية للغاية".

وفي الهند، شهد 1.2 مليار شخص، أي 86% من السكان، 30 يومًا من ارتفاع درجات الحرارة في الحد الأدنى، الأمر الذي زاد احتمال حدوثه ثلاث مرات بالحد الأدنى بسبب تغيّر المناخ.

وفي الولايات المتحدة، بلغ هذا الرقم 88 مليون شخص، أي 26% من السكان.

ونتيجة ذلك، تضرّرت بعض المدن بشكل خاص. في الولايات المتحدة، تركزت هذه المناطق في الجنوب والجنوب الغربي. وشهدت مدينة هيوستن الأمريكية أطول سلسلة من الحرارة الشديدة مقارنة بأي مدينة رئيسية أخرى على وجه الأرض، وفق ما ورد في التقرير، من خلال تسجيلها 22 يومًا متتاليًا من الحرارة الشديدة بين يوليو/ تموز وأغسطس/ آب.

ووجد التقرير أنّ دولتين فقط، هما أيسلندا وليسوتو، شهدتا درجات حرارة أدنى من المعدل الوسطي ​خلال هذه الفترة.

وتأتي نتائج المناخ المركزي في أعقاب تحليل آخر نشرته خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، الأربعاء، الذي أفاد أنّ ما هو "مؤكد تقريبًا" أن عام 2023، الأكثر سخونة على الإطلاق.

ويأتي هذا التوقع على أثر ما توصّل إليه التقرير، ومفاده أن الشهر الماضي، أي أكتوبر/ تشرين الأول كان الأكثر سخونة على الإطلاق، متجاوزًا الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2019 بمقدار 0.4 درجة مئوية. وكان الشهر أكثر دفئا بمقدار 1.7 درجة مئوية عن متوسط ​​ما قبل الثورة الصناعية.

وأوضحت سامانثا بيرجيس، نائب مدير برنامج "كوبرنيكوس"، في بيان: "شهد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مفارقات استثنائية في درجات الحرارة، بعد أربعة أشهر من تحطيم سجلات درجات الحرارة العالمية".

منذ يونيو/حزيران كسر كل شهر الأرقام القياسية الشهرية للحرارة، وكل شهر منذ يوليو/تموز سجل حرارة أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية على الأقل من مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويبلغ متوسط ​​درجات الحرارة منذ بداية العام حتى الآن 1.43 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، بحسب ما ذكره برنامج "كوبرنيكوس"، وهو ما يقترب بشكل خطير من الحد الأقصى المتفق عليه دوليا للحد من ظاهرة الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.

وبينما تثير اتجاهات درجات الحرارة على المدى الطويل قلق العلماء، فإن الأشهر الماضية التي تجاوزت هذه العتبة كانت تنذر بالخطر لما يمكن أن يتوقعه العالم مع تسارع ظاهرة الاحترار العالمي.

وقالت هانا كلوك، عالمة المناخ والأستاذة بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، لـCNN، إنّ "الآثار المحتملة لهذه الحرارة الإضافية مفهومة جيداً. نحن نشهد بالفعل أثرها من خلال العواصف الأكثر عنفا، والأمطار الغزيرة، والفيضانات، وموجات الحر الشديدة والمتكررة والطويلة، وحالات الجفاف وحرائق الغابات".

وبالإضافة إلى درجات حرارة الأرض غير المسبوقة، استمرت درجات حرارة المحيطات في الارتفاع. وقد سجلت باستمرار مستويات عالية قياسية منذ بداية مايو/ أيار، بحسب برنامج "كوبرنيكوس"، ما أدى إلى إحداث أعاصير وعواصف إستوائية في جميع أنحاء الكوكب، ضمنًا إعصار أوتيس، الذي ضرب جنوب المكسيك الشهر الماضي.

وما برح الجليد البحري في القطب الجنوبي أيضًا عند أدنى مستوياته القياسية للشهر السادس على التوالي، وفقصا لما ذكره التقرير.

وقال راي: "تبدو أرقام 2023، لجهة درجات حرارة الهواء، وحرارة البحر، والجليد البحري وسواها، كأنها مأخوذة من فيلم كارثي".

ولفتت فريدريك أوتو، المحاضرة الأولى في علوم المناخ في معهد غرانثام بكلية إمبريال في العاصمة البريطاينة لندن، إلى أنه رغم أنّ الإحصائيات الواردة في هذه التقارير هائلة ومثيرة للقلق، إلا أن ما يسببها يثير الرعب حقًا. وأفادت في بيان أنّ "حقيقة أنّنا نشهد على العام الحار القياسي يعني أنه سينعكس معاناة إنسانية قياسية".

حتى مع اقتراب عام 2023 من نهايته، فإن الحرارة غير العادية لا تشي بأي علامات طفيفة على أنها ستتراجع.

تضيف الحرارة العالمية غير المسبوقة ضغطًا إضافيًا على مؤتمر الأمم المتحدة COP28 للمناخ الذي سيُقام في دبي بديسمبر/ كانون الأول المقبل. وخلاله ستقيّم الدول التقدم الذي أحرزته نحو تحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل بحدّ الاحترار العالمي عند 1.5 درجة.

ويعني ذلك التوقف عن حرق النفط، والغاز، والفحم. لكن، أشار تقرير نشرته الأمم المتحدة الأربعاء، إلى أنّ الحكومات تخطّط لإنتاج أكثر من ضعف كمية الوقود الأحفوري مقارنة بالحد الذي من شأنه أن يضع سقفا للاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.

وخلص راي إلى أنّ "الأمر الوحيد الأكثر وضوحا من مقدار هذه الزيادات في درجات الحرارة العالمية وخسارة الجليد البحري، فشلنا المستمر بوضع العالم على المسار الصحيح لتحقيق أهداف باريس المناخية".