الباراشوتات إلى الأعلى

منذ 8 أشهر 107

الباراشوتات في الغالب تستخدم للقفز من الأعلى إلى الأسفل، ولكن في عالم الشركات والإدارة هناك باراشوتات يتم استخدامها لرفع شخص من الأسفل ووضعه في الأعلى، وهكذا يهبط بصورة مفاجئة على الجميع.

هذا السيناريو متكرر ونعيشه جميعاً ونشاهده، ولأننا لا نستطيع أن نتفق على شخص بعينه، فدائماً ما نتذمر من اختيارات القيادة العليا في الشركات، ونستغرب من اختياراتهم لبعض الأشخاص لكي يكونوا مديرين أو تنفيذيين في أعلى الهرم.

في الغالب المشكلة هي في الأعلى دائماً، حيث يهبط شخص بباراشوت، ولأنه لا يعرف كيف صعد إلى الأعلى، فلا يستطيع اختيار الفريق الذي تحته بحكمة وسهولة على غرار ذاك الشخص الذي ارتقى إلى الأعلى وترقى بصورة طبيعية.

والمشكلة تتفاقم عندما يكون مجلس الإدارة غير حكيم أو خبير. أعرف شركة متخصصة في أحد المجالات ومجلس الإدارة لا يوجد فيه سوى شخص واحد متخصص في هذا المجال، وعلى كل حال حتى هذا الشخص هبط على المجلس بباراشوت وكان من أسوأ الأعضاء.

مجلس الإدارة عليه دور كبير جداً؛ إذ تنبثق منه لجنة الترشيحات والتعويضات، وهي مسؤولة عن اختيار الفريق التنفيذي.

الرئيس التنفيذي كذلك مهم جداً؛ لأنه إما أن يكون قائداً، بمعنى أن يأتي ومعه رؤية واضحة عن كيفية نقل الشركة من الوضع الحالي إلى آفاق جديدة لم يفكر فيها أحد من قبل من خلال تحفيز الكل حول هذه الرؤية، أو أن يكون مديراً تنفيذياً مهمته هي اتباع وتنفيذ قرارات المجلس، والتأكد من أن الكل في الشركة يحقق الهدف الذي يضعه المجلس.

رغم أن القائد مهم للشركة فإنه صعب العمل معه؛ لأن القائد في الغالب لديه رؤية ويحتاج لفريق ينفذها، وغالباً ما يكون هؤلاء القادة عنيدين ويبذلون كل شيء من أجل تحقيق رؤيتهم، ولكنهم يؤمنون بالأفكار الخلاقة والإبداع، ولكن في الغالب هم مصدره، وفي مرات كثيرة لا يستطيع أحد مجاراتهم فيما يفكرون فيه.

بينما المدير التنفيذي هو أسهل في التعامل معه؛ لأنه يعتمد على تفويض الصلاحيات لغيره للقيام بالمهام، وبالتالي يختار الكثير تحته ويفوضهم، وقلما يتصارع معهم، وخاصة إن كان المجلس راضياً عن عملهم. ولكن هذا النوع من الأشخاص لا يعرف التحديات والإبداع.

العالم يحتاج لكل أنواع القادة والمديرين، ونجاحهم يكمن في الخلطة المناسبة والاختيارات السليمة لهم.

والبداية تكون من مجلس الإدارة، ثم الرئيس التنفيذي، ثم الفريق التنفيذي، ثم المديرين، وصولاً إلى صغار الموظفين.

ومن ثم، هناك ثقافة المكان، وهذه يضعها الرئيس التنفيذي أو المجلس، ومن دونها لا يمكن للمكان أن ينمو ويزدهر. والتحدي بعد ذلك يكمن في تقبل الناس للثقافة السائدة والقيم التي تخرج منها.

لقد عملت في أماكن كثيرة، وللأسف لم أجد بها أي ثقافة تُذكر، وعملت في أماكن فيها ثقافة مسمومة، ونادراً ما رأيت شخصاً يؤسس للثقافة الصحيحة.

والثقافات قد تتغير بتغير الأشخاص، وكم من شركة كانت بيئتها إبداعية ثم يأتي شخص ينسف كل هذا، وهنا يبدأ التسرب.

مرات التسرب في صالح العمل، خاصة إذا ما كانت البيئة السابقة هدامة أو قائمة على ثقافات سيئة. وبالتالي أي شخص يريد تغيّرها للأفضل فسيحارَب.

والأشد عندما تكون الثقافات الهدامة مدعومة من المجتمع خارج الشركة، كأن يكون العمل الجاد أمراً ثقيلاً على النفوس، أو أن يكون الفساد والتراخي والرشوة مقبولة.

كل هذه الأمور والصراعات هي الأساس الذي ينبني عليه أي نظام وشركة، ولهذا عندما يهبط شخص بباراشوت فوق الكل بلا تدرج فلا يمكنه معرفة ماذا يجري بالأسفل، وهنا تصبح إدارة الشركة أشبه ما تكون بالمقامرة.

وحتى ينجح نظامنا الاقتصادي وشركاتنا ومؤسساتنا علينا أن نفكر كثيراً وجيداً في كيف نختار القادة ونؤهلهم لدورهم، كيف نختار المديرين لتسيير الأعمال وتحقيق الأهداف.