البابا فرنسيس يتعرض لانتقادات حادة في بلجيكا لتستر الكنيسة الكاثوليكية على الانتهاكات الجنسية

منذ 3 أسابيع 31

في مشهد غير مسبوق، وجّه رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو والملك فيليب انتقادات لاذعة للبابا فرنسيس خلال زيارته إلى بلجيكا يوم الجمعة، مستنكرين الإرث المظلم للكنيسة الكاثوليكية بشأن التستر على الانتهاكات الجنسية لرجال الدين.

طالب رئيس وزراء بلجيكا، ألكسندر دي كرو، خلال خطابه أمام البابا فرنسيس والحضور في قلعة لايكن، باتخاذ "خطوات ملموسة" لمعالجة قضية الانتهاكات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية. وشدد على ضرورة إعطاء الأولوية لمصالح الضحايا بدلاً من حماية سمعة المؤسسة.

وقال دي كرو: "الضحايا بحاجة إلى سماع صوتهم، ويجب أن يكونوا في صميم أي جهود إصلاحية". وأضاف: "لا يمكننا التسامح مع أي محاولات للتستر على هذه الجرائم، وعلى الكنيسة أن تواجه ماضيها بصدق إذا كانت ترغب في التطلع إلى المستقبل".

تصريحات جريئة في استقبال حاد

كانت كلمات رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو من بين الأكثر جرأة التي وُجهت إلى البابا فرنسيس خلال زيارة رسمية، حيث تعود الأعراف الدبلوماسية إلى تجنب مثل هذه التصريحات العلنية. ولم يتردد الملك فيليب أيضاً في انتقاد الكنيسة، مطالباً إياها بالعمل "دون توقف" للتكفير عن الجرائم ومساعدة الضحايا على التعافي.

تعكس هذه النبرة الحادة مدى استمرار غضب البلجيكيين من سلسلة الفضائح التي هزت الكنيسة الكاثوليكية في البلاد على مدار العقدين الماضيين. فقد أدت هذه الفضائح إلى تراجع نفوذ الكنيسة الكاثوليكية وفقدان مصداقيتها بين عامة الناس، خصوصًا بعد الكشف عن عمليات تستر منهجية استمرت لسنوات.

كيف أثرت فضيحة فانغيلوي على الكنيسة الكاثوليكية ؟

تعود جذور فضيحة روجر فانغيلوي إلى عام 2010، عندما اعترف أسقف بروج بأنه اعتدى جنسيًا على ابن شقيقه لمدة 13 عامًا. ورغم اعترافه، مُنح الاستقالة دون عقوبة، مما أثار غضبًا واسعًا في بلجيكا. وفي محاولة لإنهاء هذا الفصل المؤلم قبل زيارته إلى البلاد، قام البابا فرنسيس بتجريده من مهامه الدينية في وقت لاحق من هذا العام.

في العام ذاته، نفذت الشرطة البلجيكية مداهمات على مكاتب الكنيسة، بما في ذلك منزل رئيس الأساقفة السابق جودفريد دانيلز، للتحقيق في مزاعم التستر على الانتهاكات. وكانت هذه المداهمات غير مسبوقة، حيث شملت أيضًا ضريح أحد الأساقفة، وهو إجراء وصفته الفاتيكان بأنه "مؤسف".

تفاقمت الأمور بعد تسريب تسجيل صوتي يُظهر دانيلز وهو يحاول إقناع ضحية فانغيلوي بالتزام الصمت حتى يتقاعد الأسقف، مما زاد من الاشمئزاز الشعبي تجاه المؤسسة الكنسية وأثار تساؤلات حول نزاهتها.

ما هو وثائقي "Godvergeten" ؟

في عام 2023، أثار عرض المسلسل الوثائقي "Godvergeten" موجة جديدة من الغضب الشعبي في بلجيكا، حيث عرض قصص الضحايا للمرة الأولى، مسلطًا الضوء على حجم الفضيحة وعمق الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال على يد رجال دين. أسفر هذا الغضب عن فتح تحقيقات برلمانية جديدة في كل من فلاندرز والبرلمان الفيدرالي، استجابة للنداءات المتزايدة للعدالة.

وفي سياق هذه الأحداث، أشار رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو والملك فيليب إلى الفضائح خلال خطابيهما، مستخدمين اللغة الفلمنكية في انتقاداتهم القوية، وهو ما يعكس تأثر المنطقة بالفضائح، حيث شهدت فلاندرز العدد الأكبر من حالات الانتهاكات. وقد أضاف هذا التوجه الرسمي وزناً أكبر لمطالب الضحايا وعائلاتهم، الذين يسعون لتحقيق العدالة والمساءلة عن هذه الجرائم المروعة.

فضيحة التبني القسري

تواجه الكنيسة الكاثوليكية في بلجيكا موجة جديدة من الانتقادات بعد ظهور فضيحة تتعلق بالتبني القسري للأطفال، والتي تمتد جذورها إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الثمانينيات. خلال هذه الفترة، تعرضت الأمهات العازبات لضغوط هائلة من الكنيسة، مما أجبرهن على التخلي عن أطفالهن للتبني. ومن الممارسات المروعة التي حدثت في ذلك الوقت، لم يكن يُسمح للأمهات برؤية أطفالهن بعد الولادة، وتم بيع الأطفال لعائلات أخرى.

في ظل هذه الفضيحة، أعرب البابا فرنسيس عن حزنه العميق عند معرفته بهذه الممارسات، لكنه أشار إلى أن هذه الأفعال كانت تُعتبر في ذلك الوقت "عملاً خيرياً" تجاه الأطفال والأمهات العازبات ضمن المجتمع الكاثوليكي. وأكد البابا على أهمية أن تكون الكنيسة واضحة وصريحة بشأن هذا الفصل المؤلم في تاريخها، مشددًا على ضرورة عدم تبرير هذه الجرائم من خلال تلاعب تعاليم الإنجيل.

رغم اعتذار البابا فرنسيس في تصريحاته الأخيرة، إلا أن الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات جنسية على يد رجال الدين الكاثوليك في بلجيكا كانوا يتوقعون أكثر من مجرد اعتذار. فقد طالبوا بإطلاق برامج تعويضات شاملة تهدف إلى معالجة الصدمات النفسية وتوفير الدعم للعلاج الطويل الأمد الذي يحتاجونه. بعض الضحايا كتبوا رسالة موجهة للبابا، مطالبين فيها بإيجاد آلية لتعويضهم، وكانوا يعتزمون تقديمها له خلال لقائه المرتقب.

أكد البابا على ضرورة أن تشعر الكنيسة بالخجل من الجرائم المرتكبة في حق هؤلاء الضحايا، مشدداً على أهمية السعي للتوبة عن هذه الأفعال. وأوضح أن الكنيسة ملزمة ببذل كافة الجهود اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يجب أن يكون في صميم جهود الكنيسة للإصلاح.